هاجس

هاجس
تقلب عدة مرات على الفراش يستجدي الكرى !!؟…
هذه ليلة ليلاء !!..
النوم ظل خلالها يستعصي عليه
يتناءى ويجفوه كأن بينهما ثأر
سحب جسده من تحت الأغطية
ضم ركبته عند الخاصرة
لم يلبث طويلاً على هذا الوضع
سرعان ما فردهما …..
مدّ ساقيه منفرجتين بطول الفراش
أراح ظهره على سطح السرير ، بسط يديه بعرضه ،
أخذ نفساً عميقاً حاول عبثاً إزاحة هم دهمه -على حين غرة- عن صدره
ألقى نظرة عجلى على باب غرفة ” ندى ” !!….
أعاد رأسه الى وضعه الأول
وإبتسامة أسيفة ترتسم على محياه…
ذهنه حقل من الأشواك و الدمار
يضج بالحروب والمجاعات والعطش
تحاصره الكوارث الطبيعية
أمطار ، فيضانات ، وسيول
وقاطنو العشوائيات يبيتون في العراء وأطفالهم يتضورون جوعاً
ما أحاره – فوق كل هذا – الصراع
القبلي الذي يشعل أواره من كان عليهم إخماده !!؟….
* * *
على ضوء وهج النجوم المتألقة في غياب القمر …..
أرسل بصره عبر فناء البيت المتسع
صوب شجرة الليمون الساكنة الأفنان كأنها لوحة مرسومة
تساءل همساً
– ما خطب الهواء الليلة هذه ؟…
أنزل قدميه
حشرهما في ” شبشب” أسفنجي
إتجه بخطى وئيدة نحو الحنفية المجاورة لشجرة الليمون
أدار المحبس
إنسكبت المياه فاترة
بلل كفيه
مسح وجهه
كرر فعل البلل مجدداً
إقترب من موضع ” روضة “رفع عن وجهها الغطاء الشفيف
مسح عليه بأصابعه المبللة
مدّ جسده على الفراش
حاول عبثاً حجب إنثيال الصور المروعة عن ذهنه !!!….
صوت ” حكيم ” ينبعث من داخله كأنه النذير ….
– هنا المحك ، في مثل هذه المواقف ُُُيُمتحن معدن الرجال ….
تكوّر داخله وإنقذف الى الخارج كتلة قنفذية ذات نصال وأسياف
مشهراً سنانها في وجه الظلاميين
الكتلة القنفذية في مواجهة حاجز وهمي أسمه الخوف !!؟…
ظل مع تراكم السنين يزداد صلابة وعلواً!!…
كاد الليل أن ينقضي و” عطا ” لا يزال خصيماً للكرى !!؟….
جلس على حافة السرير وعيناه ترمقان
” روضة ” في حسد
– ما أسعدها أنها دائماً ترمي حمولها خلف ظهرها وتعبر بوابة الكرى ناعمة البال ، لذلك تستيقظ فجراً وهي في قمة نشاطهاوأكثر حيوية !!؟…..
حاول مجدداً أن يغفو لهنيهات قبل أن يغادر فراشه الى الحمام إلا أن سيل منهمر من علامات الترقيم جرفت ما تبقى ،
لديه من إستعداد للنوم
مجدداً يتلقى ” عطا ” هجمة شرسة من ” هاجس ” ملحاح يتوغل عميقاً في ثنايا تلافيف ” نهاه ” ( ما جدوى أن يتناسل البشر وتنفجر اليابسة سكاناً ؟ ) ثم هامساً كأنه يحدث نفسه ( ألم نهبط الى الأرض
لتعميرها ؟ )
هنا إستكمل ” عطا ” صحوه وأسند رأسه على قائمة السرير ثم أردف بصوت مسموع قائلاً وهو بشمل ” غرفة ” ندى ” بنظرة والهة ، كلها
خوف من الآتي …
– لماذا نرتهن أبناءنا لمستقبل مبهم ؟
… والعالم من حولنا يُدمر !!!… ينطوي ” عطا ” على نفسه في منلوج داخلي :-
( هـا هي ثورات الربيع العربي تتداعى الواحدة تلو الأخرى ويتم إختطافها من قبل الإنتهازية الواعية وطليعة مفجيرها لا يملكون لإستعادتها سبيلاً ونحن هنا في أرض الوطن صانع ثورتي أكتوبر وإبريل نجتر أمجاد الماضي التليد ولا نصنع شيئاً … ماذا يحدث لهذا الجيل … ماذا عن إبنته ” ندى ” ها هي قد شبت عن الطوق وصارت شابة ، نهلت من معين العلم الأكاديمي ،
وتحصنت بالثقافة ويبدو من حوارها
مع الآخرين إنها واسعة الأوفق وتمتلك قدراً من الحجة وقوة المنطق
لكن أين هي من الهم العام ؟ و ما مدى علاقتها بزملائها في الجامعة؟ وهل هناك مخطط آني أوعلى المدٓى القريب لحراك شبابي بهدف خللة النظام لو لم يكن إسقاطه !!؟…
يحاول عبثاً بتر تيار الوعي
يكف عن الضلوع في توصيف شؤون الشباب وموقف وحيدته
” ندى ” من قضايا الوطن وتأخذه
الذكرى الى أيام القاهرة عقب ثورة
25 يناير وتململ السودانيون المقيمون هناك وتحسرهم على وضع السودان المزري وفي المقابل سكون الشعب وإستسلامه للأمر الواقع كأنه
راضٍ عن سياسات حكومة المؤتمر
الوطني ، وما ترتكبه من مخازي يندى لها الجبين !!؟….
* * *
يذكر الآن جيداً ما دار بينه وبين أحد
أتباع الجبهة الثورية في مؤتمر عُقد في القاهرة وهما يتحاوران عن إيجاد السبل المثلى للخلاص من نظام ” الكنكشة ” وإسقاطه وكان المطروح أن الحلول السلمية لم تعد مجدية …
هنا تصدى أحد شباب الجبهة الثورية المتحمسين ملتقطاً القفاذ
– من قال إننا ننتظر حلولاً سلمية
لم يبق لنا إلا إحتياح الخرطوم وكان لعبارته النارية وقعاً مرضياً
لقناعات الحضور فتعالت هتافاتهم موازرة لطرحهِ !!؟….
وقبل أن يتلاشى صدى ضجيجهم تماماً طلبت من المنصة أن أعقب على المتحدث ….
فتقدمت بخطى وئيدة وذهني مسرح لصدام وشيك الإشتعال بسبب ما سأطرحه من وجهة نظر مخالفة لرأيه
قلت دون مقدمات بصوت جهوري
– إذا تم إجتياح الخرطوم سيكون الدم للركب !!!!؟؟…
فإرتفع صوت من الصفوف الخلفية
– الدم للركب في دارفور والدم للركب في النيل الأزرق والدم للركب في جنوب كردفان !!!…
همست لنفسي ( كأنه يقول لن تكون الخرطوم إستثناء !!؟…)
إعتدلت في وقفتي وأردفت قائلاً
– إذا كانت السلمية غير مجدية وإجتياح الخرطوم سيخلف قتلى من الجانبين بالآلاف ، لماذا لا نبحث عن خيار ثالث !!؟…
وقبل أن أتلقى ردودهم إنسحبت لا ألوي على شئ ….
* * *
وقبل أن يغادر السرير تناهى الى سمعه صوت ” ندى ” وهي تطلب من أمها أن تخبرني بأنها ستتأخر عن ميعاد عودتها !!!؟؟…
اليومي من الجامعة ، ربما الى ما بعد المساء وقبل أن أعرف السبب كان صرير الباب وهو يُفتح قد أضاع وضوح بقية الجملة فلم أستوعب أذيالها !!…
جلس ” عطا ” مهموماً يستقصي ما وراء الأكمة ، وماذا عن البين و
الظاهر من تصرفات وسلوك ” ندى ” وتحركاتها داخل أسوار الجامعة وكنه علاقاتها بالزملاء ، وقبل أن يسترسل في هذا السياق أستوقف ذاته ونهاها عن ضلوعها
في ترصد مسار وحيدته ” ندى ” وهو يعلم علم اليقين أنها لا تحيد عن الطريق المستقيم و المدجج بالإستنارة والفكر الحر ، كيف بعد كل هذا يعتريك الخوف؟ من أن تمسها نائبة ويركبك الهم من أن يجرفها أحد التيارات ذات الغلو التي تموج بها المدرجات وقاعات المنتديات الفكرية ذات الصبغة البعيدة عن خطه الذي رسمه لنفسه منذ البدايات الأولى
للسير في طريق النضال !!!؟؟…
(أنت صنعت نفسك دعها تبني كيانها المختلف عنك وعن ” روضة ” ، عليك أن تتيقن إنها من جيل مغاير لكما تماماً لها طموحاتها ومراميها وخصوصياتها المقترنة بمعطيات
العصر ومواقع التواصل الإجتماعي غير أنه رغم قناعاته هذه يظل يهجس
بها ولايفارقه قلق يكاد يكون حالة مرضية تناوشه بين الحين والآخر
( ما هذا الخطل بل ما هذا الهراء ، لعل ما يحدث الآن يخيفنا حقاً …..
على الوطن وعلى مصير الأجيال القادمة ، لماذا الوطن في العالم العربي أصبح مجرد فريسة يتنازعها الفرقاء وكلٌ يعتقد أنه على حق وفي نهاية المطاف كلهم طلاب سلطة …. إذن كيف لي أن آمن جانب الغدر في كلٍ !!؟…)
نهض
وقف معتدلاً
وسع خطاه
دلف الى الحمام
إنسكبت المياه الفاترة
على الجسد المحموم
غسلت أدران الوخم
لكنها عجزت عن نبذ هواجسه !!؟؟..

فيصل مصطفى
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..