أن تكون تيساً أو تكوني معزة

خزانة الأمثال الشعبية السودانية تختزن العديد من الأمثال، التي تذم بؤس الحال الذي يكون عليه من يُولّي أية درجة من السلطة أو المسؤولية، أو يُعهد إليه إدارة مرفق ما بشكل صوري واسمي، لا يمكنه من فعل أي شيء أو اتخاذ أي قرار ذي بال، مثل هذا الشخص أو المؤسسة التي تكون على شاكلته، يقول عنه المثل الشعبي «ريسو وتيسو» أو «عمدة وخالي أطيان» أو «سلطان بلا رعية» أو ما جرى مجراها من أمثال، والمؤكد أن هذه الأمثال لم تكن وصفاً تجريدياً لحالة خيالية، وإنما تمثلت الواقع وعبرت عنه وعكسته، الأمر الذي يشير إلى أن تاريخ الرؤوساء التيوس في السودان قديم قدم هذه الأمثال التي حكت عن هذه الظاهرة التي ما تزال ظاهرة بين ظهرانينا، الفرق الوحيد أنها مع التطور لم تعد وقفاً على الذكور، بعد أن نجحت كفاحات المرأة العاملة في أن تبوئها المقام الذي قد يضعها هدفاً للمثل في حال انطباق حالها عليه، مما يمكن معه انتاج مثل جندرى يقول مثلاً «ريسوها ومعّزوها – من معزة)….
هذا الوضع الهلامي الذي هو أقرب للعطالة المقنعة التي يشغل صاحبها وظيفة مرموقة أو غير مرموقة ويذهب يومياً إلى مقر العمل ولكنه في حقيقته لا يؤدي أي عمل بالأصالة إلا القليل الروتيني، بينما الأعمال الكبيرة والقرارات المؤثرة ليس له فيها دور إلا دور «البناول الطوب» أو عامل السيمافور في محطات السكة حديد مهمته الأساسية والوحيدة هي انزال الاشارة إيذاناً للقطار بالمرور، هذا الوضع اشتكى منه وما يزال يشتكي الكثيرون، وزراء وولاة ومديرو ورؤوساء كان أبرزهم مني أركو مناوي حين شغل منصب مساعد الرئيس بُعيد توقيعه اتفاق سلام مع الحكومة حمله إلى القصر الرئاسي، مناوي عندما وجد نفسه بلا عمل يؤبه له يؤديه، سخر من نفسه وهجاها على طريقة الشاعر الحطيئة فقال ما معناه أنا لست مساعداً للرئيس ووضعي أشبه بمساعد الحلّة في اللواري السفرية، وآخرون قبل مناوي وبعده لست في حلٍ من ذكرهم بالأسماء، عندما فاض بهم كيل التهميش والتتييس إضطروا للفضفضة علناً، آخرهم رئيسة المفوضية القومية لحقوق الانسان مولانا آمال التني التي طفح كيلها وبلغ سيلها زباه من التهميش و«التمعيز» – تأنيثاً للتتييس – فلم تتوان في «كشف حال» المفوضية التي ترأسها ولم تبال بما يؤول إليه أمرها بعد أن تبلّغ كلمتها، كأنى بها كانت تبكي حالها وترثي مفوضيتها مع محرر الغراء المجهر السياسي أكثر من كونها كانت تدلي له بتصريحات أو معلومات…
بالأمس نعت مولانا التني حال المفوضية القومية لحقوق الانسان وأوشكت أن تشيعها إلى مقابر فاروق القريبة من مقرها ثم ترفض أن تتلقى فيها العزاء، ونحن مع مولانا نبكي حال المفوضية البائس ونتأسف عليه ونواسيها في مصابها الجلل، فإن تصاب في مقتل هذه المفوضية التي كان العشم فيها أن تعمل على تعزيز وحماية حقوق الانسان ومراقبة تطبيق هذه الحقوق والحريات وتلقى الشكاوى حول الانتهاكات والخروقات التي تنتهك هذه الحقوق إلى آخر هذه المهام العظيمة والكبيرة التي تواضع عليها العالم أجمع وضمنها ميثاق الأمم المتحدة وضمتها العهود والقوانين الدولية ودساتير الدول، بل وقبل هؤلاء جميعاً نص عليها بوضوح الدين الاسلامي الحنيف، فذلك يعني قتل الناس جميعاً وليس المفوضية وحدها، ولكن يا مولانا التني بعد أن نحييك على هذه الوقفة الوطنية المتجردة والخالصة لوجه الله والحق والحقوق، يبقى علينا أن نذكرك بأنه كان عليك أن تدركي مسبقاً أنك ستعانين الأمرّين لو أخذتي أمر المفوضية مأخذ جد، كان عليك فقط أن تتذكري أن إنشاءها تأخر لسبع سنوات وذلك وحده يكفي دليلاً على هامشيتها في نظر من أنشأوها على طريقة مكره أخاك لا بطل…

الصحافة

تعليق واحد

  1. هل مسالة ” مريس و متيس ” دي تنطبق على ” الرئيس منذ ان ذهب الى القصر رئيسا و ذهب الآخر الى السجن حبيسا؟!

  2. لو كانت التني من “البدريين” وتحدثت عن التهميش وفساد التعامل مع المفوضية لاشترى لها جماعة البشر منزلاً في ضاحية فخمة في الخرطوم بأربعة مليار جنيه و200 مليون كما فعلوا مع إشراقة سيد محمود (كما ورد في بعض مواقع التواصل الاجتماعي)وعندها … عندها … لا أدري ما أقول لكنني أسأل: هل كانت التني ستسكت عن قول الحق؟ أما إشراقة سيد محمود فأتوقع أن تسكت عن الفساد كما يسكت الموتى الكلام!
    أما مسألة ريسو وتيسو هذه فأعتقد يا أستاذ حيدر أن هؤلاء المريسين ومتيسين لا قدرة لهم أصلاً على فعل شيء غير اللهط وأكل أموال الناس بالباطل وليسوا من الذين ينجزون شيئاً أصلاً وهم في ذلك يرون الرؤس الكبيرة كنافع وعلي عثمان وأسامة عبد الله وعلي محمود وآخرين يلقفون ويلبعون فلا يتوانون هم أنفسهم عن اللقف واللبع رغم مخصصاتهم الطائلة وما يلبعونه من أموال الشعب بمختلف المسميات التي كان آخرها “حوافز على صلاة التهجد!

  3. استاذنا حيدر : قلت لي (إياكي اعني يا جاره) …. هوووووي يا اخوي هوي انت كراعك اتجاوزت لحافها . اناعارف هم ما بالفطنه دي لكن منصور خالد قرب يورط عبدالله الطيب في موضوع الشعر وزي استاذ منصور كتيرين

  4. ياود المكاشفى جبتها بالدرب العديل(رؤساء متيسين)لكن ما بالغت وكده يعنى بشبش ماعارف نفسه متيس من عام89م وبالتحديد30/6من ذلك العام المشئوم صاحبنا ملبسنه القفة والريموت شغال وبشبش زى تيس سكينة ههههههاى.أنتبه ياودالمكاشفى من نطح التيوس.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..