مراوغ

مراوغ
لم بكن ” مكي حماد ”
ضالعاً فيما أُتهم به !!؟….
فقط كان هناك حينما دُوهم المكان
أهي مجرد صدفة ؟…
أم فعل صدر عن إرادة وتعمد !!…
وفي قسم الشرطة كان مرآه يوحي
بأنه مجرد كتلة عاجزة ، لا تجرؤ على الإفصاح !!؟….,
حجر أصم سقط من علٍ !!…
حتى اللطمة القوية التي تلقاها على حين غِرة لم تحرك فيه ساكناً.!!؟….
بعد ُعسر تقرفص منطوياً على نفسه
في الحيز المتاح بين أشتات من البشر المتباينين….!!!…..
لف المكان غشاء مهترئ من الصمت المتوجس !!؟ …
أعقبه شخير متماوج يهدر صخاباً ثم سرعان ما يتدرج متقطعاً في أصوات مخنوقة…..
كان صدى الأصوات المكتومة يحاصره ويعطل قدرته على التفكير
ظل هناك مجرد كتلة صماء عاجزة عن التعبير !!….
تعاقبت الساعات بطيئة ومهينة
حتى أخذت حلكة المكان المتكاثفة تتبدد رويداً رويداً و يبدو غبش الفجر يتلصص منسرباً عبر الكوة الوحيدة التي تعلو حلق الباب الحديدي ….
صافحت عيناه أشعة الضوء الواهنة
بغبطة غامرة كأنه يتحرر من قبضة
سجانه !!؟…
ثمة علاقة حميمة بين ألق الفجر وروحه الحبيسة ، رهينة سجن البدن
روح ثائرة وبدن مستلب !!؟؟؟….
نزوع للمعالي وكتلة من العجز المريع
ماذا لو هربت هذه الروح الحبيسة عبر أسوار البدن !!…
مع إتساع بقعة الضوء
أخذ دبيب حركة الحياة يسري بين
أوصال الكائنات البشرية المتكورة كالقنافذ …!!؟….
فإنتفضت من خمودها شعثاء ، غبراء ، متورمة الوجوه لاتقوى على الوقوف فتعاود الجلوس متهاوية في يأس…..
أجال ” مكي حماد ” بصره حول تلك الأشكال الهلامية التي حسبها بالأمس أشباحاً !!!!…
الآن أدهشه تيقنه من تجسدها واقعاً
ملموساً ، ” جسداً له خوار ”
سحب بصره حينما أدرك ضعف الإستجابة لديهم….
أو ربما عدم الإكتراث بوجوده بينهم
وهنا لم يجد خياراً سوى أن يتكور متقنفذاً مثلهم….
إصطدمت يده اليمنى وهي تشتبك باليسرى لإستكمال دائرة التكور
بشئ ما داخل جيب البنطال
أدخل يده تلقائياً بدافع الفضول لكنه
سرعان ما أخرجها كالملسوع حينما أدرك متذكراً كنه مخبوءات جيبه
همس لنفسه ساخراً ( كيف فاتهم ضبطها !!؟…)
لعلها لم تقع بين براثن أيديهم المتعجلة على الرغم من أنهم نبشوه نبشاً…..
ربما تعمدوا تركها عن عمد وليس عن غفلة !!!…
أهي إحدى حيلهم الماكرة ؟؟…
ربما أحد فخاخهم التي ينصبونها
للسذج من أمثاله فهو كما مدون في سجلاتهم وتقاريرهم السرية محدث خبرة وقصير تجربة في هذا الدرب
الشائك !!…..
كف ذهنه عن الخوض في تفسير مقنع لهذه الغفلة المتعمدة من قبلهم
أخرج الورقة والقلم غير هياب وأخذ
يخط كلمات مبهمة بخط متعرج ، دون أن يدري لمن ينبغي أن توجه أو
ما هو مضمونها ؟؟؟….
ربما القصدية غائبة في الظاهر لكنها كامنة في أغوار النفس !!!…
* * *
إنطوى” مكي حماد ” منتحياً ركناً قصياً كأنه يتحاشى فضول العيون
المحدقة صوبه عقب إستعادتها لوعيها…..
لعل صموده العنيد وإرادته الحرة تنكسران الآن أمام هؤلاء المردة ….
أسقط الوريقة ذات الخط المتعرج والمضمون المبهم وأخذ يبحث عنها
كأنها ُفقدت ولم تعد ثمة جدوى من
العثور عليها !!؟….
وكان خلال الفترة التي أمضاها في
الحبس حينما يُأخذ للتحقيق
يظل أمام الضابط كتلة صماء ، لسان معطوب و جوارح مهيضة
ثمة خلل يحكم مسار حياته ويهيمن على أزمتها….
منذ نعومة الأظافر كان المحيط حوله يعده …..
لتلقي ما يقع عليه في صمت من نائبات الدهر وظلمه الفادح
كأنه يلعب دوراً في مسرحية تُكتب أثناء العرض دون أن يلم بتفاصيل الدور !!!؟؟؟….
فقط عليه أن يعيشه ثم يؤديه دون أن يملك حق الإعتراض …..
ما أحاره في كل ما يحدث له
إنه كان يستجيب لأوامرهم صاغراً دون مقاومة !!!….
على الرغم من أنه يحمل فوق منكبيه
رأساً كبيرة كالآلة الحادة في مكنتها أن تعدل الكون كما يظن أبواه !!؟…
كان ” مكي حماد ” و هو يمارس ألاعيب الصبية مع أقرانه مولعاً بنصب الفخاخ والإيقاع بهم والإنفجار عابثاً في نوبة من الضحك
الهستيري كأنه بذلك يخفي مرارة الفاقة والعوز والفقر المدقع ….
والده كان إسكافياً يرتق الأحذية البالية ويعينه في ذلك إبنه ” حماد ”
غير أن الأب الذي يتوسم في إبنه مخايل النجابة أراد له مصيراً آخرَ
لذلك لم يتركه لفقيه الخلوة فزادها لا يشبع جوع من يهفو للصعود على
مدارج العُلا….!!!…
لكن من أين له بنفقات طالب علم في مؤسسة تعليمية نظامية ؟؟؟….
حقاً التعليم وقتها كان مجانياً غير إنهم بالكاد يعيشون على الكفاف
فكيف له أن يتدبر تكاليف الزي المدرسي ، القميص الأبيض ، الرداء الكاكي ، الصندل الجلدي والشنطة المدرسية المخاطة من قماش الدمورية ؟؟؟….
كان ” مكي حماد ” يدرك جسامة العبء الذي قرر والده حمله طواعية
على عاتقه…..
فحفزّ كل طاقاته الكامنة لتحقيق أُمنية أسرته….
كانت لحظة إمتلاك ” مكي حماد ” لمفاتيح المعرفة ، ميلاد جديد للكون !! الكتاب و” مكي حماد ” صارا صنوين
في معظم الأحايين لا تراه إلا برفقة كتاب…..
* * *
وقف ممتثلاً أمامهم
– هل أنت مكي حماد ؟
– نعم أنا هو…
– لماذ أنت هنا؟؟؟…
– لا أدري…..
– أحقاً؟…
– بلى….
– يبدو أنك لا تعلم بعد … من نحن؟..
– هذا صحيح…
مشيراً لزميليه ساخراً
– أنظرا … إنه يراوغ !!؟…
ثم موجهاً حديثه الى المتهم
– غيرك كان أشطر !!!..
– ماذا تعني ؟…
– ألاعيبك هذه … لن تنطلي علينا
– حقاً … أنا لا أعلم سبباً واحداً …
يجعلني في موضع المساءلة ؟…
– إذن لماذا كنت هناك ؟…
– كنت هناك لشراء كتاب…
يرمقه بنظرة شذراء كلها ريبة ثم موجه الخطاب الى زميليه
– ألم أقل لكما إن الشك أقصر الطرق المؤدية الى المرمى ها هي الفريسة طواعية تقع بين براثني “سعت لحدفها بظلفها ” كما يقال في الأمثال العربية !!؟…
ينفجر ضاحكاً فيجاريانه في ضحكه
فترتج القاعة بصدى ضحكهم
بينما ذات الصوت الأجش يصفعه ساخراً
– لقد إبتلعت الطعم …
ثم مردفاً :-
– كان يظن إنه قادر على طمس الدليل الذي يؤكد ضلوعه في المؤامرة !!…
قال أنه كان هناك لشراء كتاب ، ماذا
في ذلك ؟؟…
يدير بصره حولهما ليتلمس مدى تأثير حنكته عليهما !!؟…
– ألا يدري أننا نحن الذين وضعنا الكتاب الذي يبحث عنه في مكتبة جوار مكمن المؤامرة ؟؟…
ثم صراخاً في وجهه متهكماً
– إنه لا يزال يراوغ ، وما درى حتى الآن من نحن ؟؟؟!….
فيصل مصطفى
[email][email protected][/email]