فقه النية (الإسلام في حديثين شريفين)…

بعض العلماء لخص الإسلام في حديث (الدين المعاملة) وبعضهم في حديثين شريفين.
الأول، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه).
الثاني، (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد). صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
الحديث الأول يختص بباطن العبد ونياته، والحديث الثانى يختص بظاهر العبد وأعماله. وما الإنسان إلا باطن وظاهر، نيات وأعمال. لاحظ إنه لا ذكر لأقوال وشعارات.
ولعمري هذا ما يتسق تماما مع القرآن العظيم. فتجد كل آيات الإيمان مقرونة بالعمل الصالح. ((والذين آمنوا وعملوا الصالحات)). وكأن الإيمان يرتبط بالنية الصحيحة، فيأتي ما بعد ذلك العمل ليكون صالحا.
وإذا أردت ان تفهم هذين الحديثين تجد أنهما ببساطة تضع كل واحد منا أمام نفسه لمراقبتها لحظة بلحظة.
فهل تخلص النية فى أقوالك ثم أفعالك؟، ولاحظ بشدة التحدث عن النية لا عن ظاهر العمل، عن السبب الحقيقي الذي يكمن خلف ما ينطلق به لسانك وتتحرك به جوارحك فتخرج به أفعالك. وحتى إن صدقت في نيتك وكانت خالصة، فهل أنت متأكد أصلا من أن فكرتك صالحة ومن ان امرك ليس عليه رد!.
وحتى إذا تأكدت وشرعت في فعل شئ خالصا لله، مخلصا قانتا له سبحانه، فهل أنت متأكد من عدم تغير نيتك فى أثناء فعلها فتتحول النية من الإخلاص لله وحده إلى نية خالصة لوجه البشر والنفس.
ففي الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم إن اول من تسعر بهم النار يوم القيامة مقاتل أستشهد، وعالم قرآن، ورجل كريم معطاء. فيسأل رب العزة، كل واحد على حده: ما عملت؟. فيقول الأول: قاتلت فيك حتى قتلت. فيقول رب العزة: كذبت ولكن قاتلت ليقال هو جرئ وشجاع، فقد قيل. ويقول الثاني: قرأت وتعلمت فيك القرآن والعلم وعلمته. فيقال له: كذبت ولكنك تعلمت ليقال هوعالم فقد قيل. ويقول الأخير: ما تركت من سبيل تحب ان ينفق فيها إلا انفقت فيها لك. فيقال: كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل. ثم يأمر بسحب كل واحد على وجهه حتى يلقي في النار، والعياذ بالله.
إذا الإخلاص في النية والمحافظة عليها بمراقبة النفس لأمر جد خطير فعلا.
ولدينا أمثلة كثيرة من السنة والسيرة. ولكن أعرض لك مثل لمولانا الإمام علي بن أبى طالب عليه السلام كرم الله وجهه عندما كان يقاتل فى معركة وتمكن من خصمه. فأراد أن يهوي بسيفه عليه ليجهز عليه. ولكن خصمه بصق في وجهه كرم الله وجهه. فتسمر الإمام علي رضي الله عنه ولم ينزل عليه بسيفه ثم انصرف. فلما سئل لماذا تركته وهو معتدي كافر لك حق إن قتلته، قال: لقد كنت أقاتله لله، فلما بصق في وجهي أحسست بأني أريد الإنتقام لنفسي فتركته.
فيا سبحان الله وهو في معركة وحرب وكان ممكن ان يقتل الرجل ببساطة لأنه عدو صريح لم يشهد لا إله إلا الله بل بصق في وجهه ولكنه لم يفعل. لم يفعل لأن قربه ونسبه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتبشيره بالجنة لم ينسياه مراقبة نفسه وتقويم نيته إذا زاغت. فهذا هو مثال للنية الخالصة والتقوى الحقيقية والصلاح السليم.
ومثال آخر هو الإمام الزاهد ابن الجوزي رحمه الله. فقيل انه عندما أتى أجله ظل يبكى كثيرا وكان من حوله من تلاميذه واحبابه من يهون عليه: يا إمام.. أحسن الظن بالله، ألست من فعلت ومن فعلت. فيزداد بكاءا. فقيل له مالك فقال: والله ما أخشى إلا قول الله تعالى: ((وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون)) [الزمر:48]، أخشى أن أكون فرطت وخلطت ونافقت.
فهذا الإمام إبن الجوزى مع كل علمه وفضله يخاف أن تكون نيته الخالصة لله قد اختلطت بما يعكرها.
فما بال أناس يعتقدون خلاص نياتهم وصفاء سرائرهم فيقهرون الناس لطاعتهم والإستماع لهم وحدهم وهم يقرأون قوله تعالى: ((قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا * الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا)) [الكهف: 104]. يحسبون وكل كلامهم “نحسب أن”. فإذا كنت تحسب أن ألا تخشى الله في هذه الآية والآيات الأخرى. و ((وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون)) [البقرة: 9]، ((ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون)) [البقرة: 12]، ((ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون)) [البقرة: 13]. فكل هؤلاء لم يشفع لهم عدم علمهم ولا عدم شعورهم وإحساسهم. فكيف لأناس يزعمون بأنهم يملكون الحقيقة المطلقة ويعتقدون بأن لهم ختم الصلاح والتقوى بمجرد أفعال ظاهرية يفعلونها، أو ملابس يلبسونها، أو ألفاظ ينطقونها ويوزعون صكوك الرحمة والتوبة على خلق الله. ولا يقبلون النصح ولا يستمعون إلى أحد غير أنفسهم.
وكيف لهم الإعتقاد بصلاح نياتهم وإخلاصها “فهي لله هي لله” والمحافظة عليها وعدم فسادها. ومن ثم أنى لهم التأكد بأن أعمالهم كما جاء به أشرف الخلق وعظيم الخلق صلى الله عليه وآله وسلم، فهي ليست عليهم رد؟. فالأمر الذي عليه رد هو كل ما يخالف إتجاه خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وهدفه في تمام مكارم الأخلاق.
ولا شك في أن رحمة الله سبحانه وتعالى بنا واسعة. فالنية السليمة يعتبرها الله سبحانه وتعالى حسنة وتكتب إذا نوى المرء أن يفعلها. أما النية السيئة فلا يكتبها الله سبحانه وتعالى حتى تترجم في عمل. ((من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون)) [الأنعام: 160].
وهذا ما يأصل ويثبت أن الإسلام يشجع على الإبتكار والإبداع والإنطلاق في إطار النية السليمة التي تؤدي دائما للأعمال الحسنة بحسب تغير الزمان. عكس ما يأصل البعض لهذا الدين من تقليد وإتباع أعمى لأناس مضى دهرهم. فيرجعون بالناس للوراء بل ويحتكرون صحيح دينهم وتقدمه لعدم مواكبة العصر. فيغلقون مجتمعهم في التخلف ويغرقونه في الدمار.
فلذا فإن الناس والجماعات والحركات التي تتبنى الدعوة لابد ان تعي بأن فقه الدعوة إلى الله يستلزم أولا النية السليمة التي لا يخالطها مصلحة دنيوية لكي لا تفسد. ثم مراقبة هذه النية على طول طريق الدعوة. ثم بالحكمة والموعظة الحسنة والتواضع والتبسط مع الناس والتوحد فى الشكوى من الذنوب، ليعلم المستمع أنه ليس وحده الذي يذنب. وليعلم أن مراقبة النفس والنية مراقبة لصيقة أهم من دعوته ليكون إتمام وإنجاز كل عمل يعمله حاملا ختم الإخلاص لوجهه الكريم تعالى فقط.
فنحن كبشر لا يمكن أن نعلم ما في السرائر، لأنه وحده يعلم السر وأخفى وما في الضمائر. ولا يمكن لأي أحد منا أن يعرف نيات الناس أو أن يفتش ويبحث فيها. فلذلك فاليتقرب أي أحد إلى الله العلي كما يشاء. فمهما فعلت من أفعال فأنا لا أدري مافي نيتك، ولكن أقيس فقط ما تفعله كيف يصب عكس أم في فائدة الناس ومصلحة البشر وتمام مكارم الأخلاق. فإذا كان في أحمد الله وراقب نيتك. وإذا كان عكس، فراجع سريعا نيتك ونفسك لكي لا تندم فتلومنها لوما كبيرا. وأرجوك لا تنصب نفسك حاكما على الناس، وتبحث في دواخلهم. فبدلا من أن تسأل أحدا عن عمله و خلاص نيته، تأكد أنت من صحة عملك وإخلاص نية نيتك.
اللهم إنتهي بنياتنا إلى أخلص النيات وبأعمالنا إلى صحتها وتجويدها.
[email][email protected][/email]
مقال جميل ، ولكن سبق وان كتب صاحب المقال امور غير صحيحة في الدين ، ويظهر ان الحكاية موضة فكل صحفي او كاتب صار يكتب في الدين كما يريد ، ونسى او تناسى ان للدين اهله ، فليتحفنا الكاتب بالمجال الذي يعرفه بدلا خلط المقالات (دين ، سياسة ..الخ)
يقول المثل السوداني : النية زاملة سيدا
اقتباس من حريات الالكترونية منشور بتاريخ: 6 سبتمبر 2013
((أكد نائب بالمجلس التشريعى بولاية الخرطوم ما ظلت تردده (حريات) من ان نظام المؤتمر الوطنى لا يكتفى بما يسببه من تفسخ اجتماعى واخلاقى فى البلاد وانما كذلك يستثمر فيه بتصوير نفسه ترياقاً لما ينتجه .
وقال إدريس علي مصطفى النائب والقيادى بالمؤتمر الوطنى ان خروج الأسر لشارع النيل ومكوثها هناك لوقت متأخر سلوك لا أخلاقي .
وأضاف أثناء مداولة المجلس التشريعي امس الخميس ، بحسب ما اوردت (الاهرام اليوم) ، أن (بعض الأسر تعرض بناتها على شارع النيل كموديلات السيارات) ? حسب ادعائه .
وقال أن شارع النيل تحول لمكان تسكع الشباب غريبي الشكل لساعات الفجر الأولى دون رقيب ولا حسيب. واعتبر ذلك سلوكاً (غير حميد ومصادم لقيم الدين) ، وطالب الأجهزة (المختصة) بالتدخل لحسم الظاهرة .
وغض النظر عن الخلل الواضح فى تعميمات نائب المجلس التشريعى بادعاء ان كل اسرة تخرج ليلاً الى شارع النيل ? حتى ولو كانت تستنشق الهواء او تهرب من قطوعات الكهرباء وازدحام المنازل ? ترتكب خطيئة اخلاقية ، غض النظر عن ذلك فان ما يتجاهله النائب ان ظواهر التفسخ الاخلاقى والاجتماعى فى كل شوارع العاصمة نتيجة من نتائج سياسات سلطته . فقد ادت هذه السياسات إلى تفاقم ظاهرة النزوح ، وإقتلاع الملايين من جذورهم الإجتماعية والثقافية ، كما أدت إلى إفقار الغالبية ومراكمة الترف لدى الاقلية ، وإلى خراب الريف وتحطيم الضوابط التقليدية دون ان تقام مكانها ضوابط حديثة ، وإلى تصفية دولة الرعاية الإجتماعية ، مما ادى اى تشويه النسيج الاجتماعى والاخلاقى ودفع الكثيرين لتجارة بيع الكرامة والجسد . فضلاً عن نشرها ثقافتها القائمة على الطفيلية وإستسهال الربح والعنف وعداء واحتقار النساء ، وعلى المنافقة اللفظية بالاخلاق وانتهاكها عملياً ، وعلى تشوه وتشويه الجنس ? مابين الكبت المهووس وفى ذات الوقت الانغماس الفعلى فيه باسراف شبق المترفين مع ما يتصل بذلك من تضخم الاحساس المرضى بالذنب والعدوانية ، اضافة الى تقديمها غطاء سياسياً وامنياً وقانونياً للشائهين والمنحرفين والشاذين يحوقلون بالدين والاخلاق فيما يرتكبون أسوأ الموبقات مستظلين بسلطتهم ! فكانت نتيجة ذلك كله ان تفشى (الايدز) الاخلاقى وقامت قيامة السودان قبل أوانها.
وإذ فسخت الإنقاذ المجتمع وقيمه ، فإنها في ذات الوقت تستثمر في هذا التفسخ ، فتشرعن نفسها بإعتبارها ترياقاً ضده في حين انها التي تنتجه ! وفيما تحتاج البلاد لإستعادة عافيتها بصورة عاجلة إلى الرفاه العام فإن الإنقاذ لا تملك سوى شرطة النظام العام . ))