تجليات أبي جمال اليعقوبابي

*(إذا تعرَّيت من الدنيا لبستَ الله..).
– راجي الراعي-
.. تاهت الحيرة في رحلة البحث عن الحقيقة. فألقينا عصا الترحال، نطلب الإمداد من مالك النور…. فأخذ بنا الحال في شهود صاحب الوصول إلى “قاب قوسين”، وحضر أمامنا “لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم” فسلمنا عليه أو علينا في الحضرة الإنسانية الجامعة، وسألنا عن الطريق.
فقيل: لابد من الهجرة.. رفيقاً مثل أبي بكر الصّديق السابق بما وقر عنده في القلب..
أو عمرياً، اتحد مع اليقين فصار اثنين وإن كان واحداً في مرآة العين..
أو عثمانياً، سمح اليد، رقيق الفؤاد، يستحي من القيل والقال، فكان الشهيد..
أو بالوقوف على باب مدينة العرفان عند علي صاحب الأسرار، الدائر مع القرآن حيث دار.
فسألت طامحاً أن أكون عند الجميع بعد أن ذبت في شهود حضرات الجمال والجلال في سير الأصحاب.
فقيل لي: عند نهاية الطريق تشاهد المصطفى صلى الله عليه وسلم…. وعندها تشاهد الجميع بالقلب…. وتفتح لك كنوز الأنوار.. ولكن لابد من المصاحبة في أول الطريق.. لابد من دليل.. لأن الطريق صعب المسالك… والأشواق العاصفة قد تقتل عقل الطالب قبل الوصول.. فيصبح مثل قيس مجنوناً في حب المحبوب… فلا تغامر بالسفر وحيداً… ولكن لا تكن مجنوناً بليلى إذا كانت هي الدليل، وكن عند المالك لا الملك…
فطلبت من الناصحين اختيار الحكيم.
فسألوني من تحب…
فقلت لهم: سلطان العارفين محي الدين بن عربي.. لو كان حياً.. فكلامه بالنسبة لي دواء، ولا أعرف حكيماً مثله سقاني من رحيق الجمال، حتى حرت من شهود الحروف على شفتيه وقد صارت جلال…
فقالوا لي: اذهب إليه، واطلب منه الإمداد.
فسألتهم: إلى أين وهو بين الأموات من مئات السنين.
فقالوا لي: إن الحب يصنع المعجزات. لو طلب الفقير بالحب بنت ملك الملوك ستعطف عليه، وتنظر إليه… فكيف بمن يريد رفيقاً للوصول إلى المالك الرحيم… وحبنا ليس سوى فيض من اسمه الرحيم.
أما سمعت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال عن سلمان الفارسي:”سلمان منا أهل البيت” فصار الفارسي عربياً. بل صار هاشمياً. ثم إن الشيخ كان حاتمي العطاء في الدنيا، فكيف سيكون وقد صار روحاً في السماء.
فتوجهت إلى المقام أطلب الإمداد، وأنا حيران بين بحار الأسئلة.
فغبت في بحر الظلمات… ثم أشرق نور…. وصار سماء …. وتكونت شموس…. وفاضت الأسماء… فغبت في بحر الحيرة، وأنا أصلي على المصطفى صلى الله عليه وسلم خير الأسماء، وسر النور المتجلي من صفاء الحقائق، بعد أن كان أغصاناً وأزهاراً وطرائق. فقطفت من الثمرة اليانعة التي أزهرت بالإيمان…. وفهمت أن العبودية هي السلطان… وأن الأمي لا ينطق ولا يكتب إلا بأمر الحق، وإن كان يعرف أسرار الكتابة والبلاغة والكلام. فقرأت “وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى”. ثم سألت وقد أذهلتني المسألة: هل المشكلة في السمع، أم في البصر لمن لا يسمع الكلام…… ولا يبصر الألوان..
فقيل لي: إنها في قلب الإنسان… وقلب الشيء حقيقته. فلا تغتر بصلاة من صلى، أو صيام من صام، إذا كان العقل في السوق يحسب الأموال… أما قرأت قول الله تعالى: “ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه”.
فحقيقة الإنسان إما عند الله، وإما في السوق.. فكيف سيصل الراكض في كل الدروب.
واقرأ هذه الحكمة في إنجيل لوقا: “ما من خادم يستطيع أن يخدم سيدين. فإما يبغض الواحد ويحب الآخر، أو يلزم الواحد ويرذل الآخر. لا يمكنكم أن تعبدوا الله والمال”..
ثم تجلى لي الشيخ وقادني إلى من قال: “إذا أردت أن تدخل حرمي فلا تلتفت بالملك والملكوت ولا بالجبروت، لأن الملك شيطان العالم، والملكوت شيطان العارف. والجبروت شيطان الواقف”.
فسألت، أي محال سنطلب إذا ذبنا، وذاب القلب…
واستولت عليك سبحات الوجه المحرقة كلما امتد البصر…
وأشرقت في ليلك أقمار العاشقين تلوح لك، بأنها البداية، لا القصد…
وليس للغايات منتهى….. وكل غاية درب….
أي محال سنطلب، إذا خرجت من ملكي وملكوتي والجبروت…!
فقال لي الشيخ، إكسر كؤوس الوجد….
ولما كسرت كؤوسي… صار الوجود كأساً لغرامي،
فشربت… وشربت… وشربت… فما ارتويت
فأدركت أن عالم الهوى لا يحاط به وإن ذاقه القلب
فقال قلبي…. إنها الدنيا… وهذا الجمال
وأنت تطارد المستحيل…
تشرب إن ظمأت…
وتظمأ إن شربت…
وتظل في يديك خيال…
وقال الوجود… الآن جاء دوري
فكن لي كأساً لأشرب فيك أنواري
وكن لي خمراً لأنشد في جمالك أشعاري
لتعرف أي زهرة أشرقت حين كنتَ
وأي مجد فاضت فيه أكواني حين ظهرت…
ثم تجلى لي الشيخ في “الفتوحات” فقرأت:
” الإنسان الكامل الذي يدل بذاته من أول البديهية على ربه هو تاج الملك، وليس إلا الإنسان الكامل، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:”عن الله خلق آدم على صورته”، و”هو الأول والآخر والظاهر والباطن”، فلم يظهر الكمال الإلهي إلا في المركب فإنه يتضمن البسيط، ولا يتضمن البسيط المركب. فالإنسان الكامل هو الأول بالقصد، والآخر بالفعل، والظاهر بالحرف، والباطن بالمعنى، وهو الجامع بين الطبع والعقل، ففيه أكثف تركيب، وألطف تركيب من حيث طبعه، وفيه التجرد عن المواد والقوى الحاكمة على الأجساد، وليس ذلك لغيره من المخلوقات سواه.
ولهذا خص بعلم الأسماء كلها، وبجوامع الكلم. ولم يعلمنا الله أن أحداً سواه أعطاه هذا إلا الإنسان الكامل. وليس فوق الإنسان مرتبة إلا مرتبة المَلكْ في المخلوقات، وقد تلمذت الملائكة له حين علمهم الأسماء. ولا يدل هذا على أنه خير من الملَكْ. ولكنه يدل على أنه أكمل نشأة من الملَكْ. فلما كان مجلى الأسماء الإلهية صح له أن يكون للكتاب مثل التاج لأنه أشرف زينة يتزين بها الكتاب. وبذلك التتويج ظهرت آثار الأوامر في المُلْكْ.كذلك بالإنسان الكامل ظهر الحكم الإلهي في العالم بالثواب والعقاب، وبه قام النظام وانخَرمْ، وفيه قضى وقدَّرَ وَحكمْ.”.
ثم همس صوت في أذني: لا تخلع تاج العقل بطاعة أهواء الجسم، فيصبح عقلك خادماً في إمارة صبيانِكْ. قابل كنز حقيقة الجود، بحقيقة الحق الممدودة إليك لتعرف من أنت، وماذا أراد الحق منك قبل أن تدخل جنة حيرة العرفان، لا حيرة الضلال. لتشاهد ما خبأ الله للإنسان من الملْك، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب…
فسبحان من لم تتسع له السموات والأرض، ووسعه قلب الإنسان العبد، فسخرها له ليظهرها المالِك… ويظهر الملْك.
إنها قصة الإنسان… وهو يبحث عن حقيقته في الوجود.
فأين كان قبل أن يكون….
وإلى أين سيمضي عندما لا يكون….
هل كان، ثم لن يكون….
أم إنه كان، ثم جاء، ثم ظهر بالأسماء، ثم مضى، فكان له في كل مكان وزمان.. صورة.. واسم..
ولكن الناس تاهوا في الخبر عندما فقدوا الأثر….
إذ كيف ستبصر العين وجه الحبيب المسافر….
وهي عين لا تبصر غير الصُورْ…!…
[email][email protected][/email]
اسمائهم الكنى و القابهم القرى
لى ملاحظة بسيطة ولكنى أرى أهميتها حول العنوان الذى ينبغى أن يكون كالتالى (تجليات أبو جمال اليعقوبابى .. مع تقديرى