المنهج البُسطامي

٭ مما لا تنتطح فيه عنزان ولا يجب أن يختلف حوله اثنان ولو كانا من أهل الحكم والصولجان، أن بلادنا هذه . أقال الله عثرتها وأبدلها حالاً وأوضاعاً تستحقها أفضل مما هى عليه، ماتزال تعايش من الآزمات ماهو كفيل بإفنائها وزوالها وليس فقط تفكيكها الى دويلات، ولكن الأسوأ من الآزمات والذي يستديمها ويجعلها مقيمة فينا بلا فكاك أو حل، هو أن من وهبهم الله ملك وحكم هذه البلاد مصداقاً لقوله تعالى ( يعطي المُلك من يشاء وينزع المُلك ممن يشاء)، يتركون الاسباب الحقيقية التي فجرت هذه الأزمات الخانقة وجلها إن لم نقل كلها ذات منشأ داخلي ومحلي، خلف ظهورهم ويهربون للأمام يبحثون عن مشاجب خارجية لتعليقها عليها وتحميل الخارج وزرها، بينما هى في حقيقتها قابعة هنا بالداخل مصنوعة في السودان وبأيدٍ سودانية، وليس للخارج دخل فيها إلا بعد أن نصدرها اليه أو بالأحرى نهديها له فيتقبل الهدية بصدر رحب ويبدأ سلسلة التدخلات، مبعوث رايح ومبعوث جاى وبعثات ومبادرات تتخابط واتفاقيات تتناسل وتتناسخ ووسطاء وأجاويد داخلين مارقين ومسهلين وحكماء ومحكمّين ومحاكم، وهل يُلام الضيف على تلبية دعوة المضيف، الاجابة الطبيعية والتلقائية والمنطقية هى أن لا، ولهذا يبدو غريباً وشاذاً اذا بدر من المضيف أى تصرف أو قول يبدي فيه ضيقه أو تذمره من ضيفه الذي دعاه بنفسه وأعد له مائدة عامرة بشتى الاصناف، ليس من اللباقة والذوق والاتيكيت أن يحدد المضيف للضيف ( المعزوم) ماذا يأكل ولا يأكل من المائدة، كأن يقول له يمكنك أن تتناول هذا الصنف وهذا وهذا ولكن لا يجوز لك أن تمد يدك ناحية ذاك وذاك من الاصناف، هذا الموقف البايخ والوضع الشاذ غالباً ما يضع حكامنا أنفسهم فيه، يعدون مائدة سودانية عامرة بالقضايا والأزمات ويدعون لها الأكلة من الخارج، وعندما يتكالبون على قصعتها يصعقها المشهد فتتبرم وتبرطم وتحمبك، وآخر من برطم وحمبك كان هو وزير الخارجية علي كرتي الذي طالب أمريكا بأن ( تسيبهم في حالهم) وحاول أن يرسم للمبعوث الامريكي خارطة طريق على طريقة إفعل هذا ولا تفعل ذاك، ولن نسلب وزير خارجيتنا حقه في أن يطالب من يشاء بأن (يسيبونا في حالنا) ولكننا سنطالبه هو ورفاقه أن يصلحوا ويغيروا حالنا هذا الذي لم ( يسيبنا) الخارج بسببه….
قيل إن العابد الزاهد والصوفي المتبتل أبا يزيد البسطامي لما ساءه ما آل اليه حال بلده بسطام، خرج منها يضرب في الارض بحثاً عن الحق والحل والحقيقة، فصادفه من سأله عما أخرجه من دياره، وعندما أعلمه به نصحه قائلاً عد الى ديارك فما خرجت من أجله تركته خلفك في بسطام، فانتصح أبا يزيد بما قاله الناصح وعاد الى دياره ولزم بيته فَفُتح له، ومثل أبا يزيد تظل حكومتنا في حاجة مُلحة لأن تستجيب لنصح الناصحين لها بأن ما تعانيه البلاد من أزمات ليست من صنع عمرو ولا بيده وإنما هى من صنعها والحال بيدها وفي الخرطوم، فلتعد الى الخرطوم وتلزم الجابرة وتجبر الخواطر المكسورة وترمم المكسور وتضمد الجراح المفتوقة وعندها فقط (حيسيبنا العالم في حالنا)…
وسنغني مع ابراهيم عوض (لو عايز تسيبنا جرّب وإنت سيبنا، لو عاوز تحب حب وأنساه ريدنا، ولو ترجع تصافي نسامحك يا حبيبنا)….

الصحافة

تعليق واحد

  1. وسنغني مع ابراهيم عوض (لو عايز تسيبنا جرّب وإنت سيبنا، لو عاوز تحب حب وأنساه ريدنا، ولو ترجع تصافي نسامحك يا حبيبنا)….
    هؤلاء الثعالب لو بفهموا وبتذوقوا مثل هذا لما وصلنا لهذا

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..