بامكار وأوهاج

أفق بعيد
ظللت لأسابيع أؤجل الكتابة عن أستاذنا الراحل محمد أدروب أوهاج، واحد من أهم وألمع مثقفي شرق السودان، رغم أنه كان يخفي ذلك خلف تواصعه الجم، وأدبه وتهذيبه الشديدين اللذين اكتسبهما من مدرسة الفكر الجمهوري، حتى لحق به الراحل هاشم بامكار الزعيم السياسي الأشهر في شرق السودان. ربما لم يكتسب الاستاذ محمد أدروب أوهاج شهرة هاشم بامكار، لأنه لم يلج السياسة من باب الممارسة اليومية، وإنما من مدخل الفكر والثقافة، وله كتاب توثيقي هام عن تاريخ مؤتمر البجا أصدره قبل سنوات. لكن ما يجمع بين الرجلين أنهما من القلائل اللذين ولجا باب العمل العام منذ سنوات طويلة حين كان النشطاء من شرق السودان قلة تعد على الأصابع. ولأن الروح الجهوية والقبلية لم تكن مسيطرة في تلك الأزمان، فقد دخل الرجلان لقضايا السودان الكبيرة دون أن يتخليا عن جذورهما واهتمامهما بقضاياهما المحلية.
هاشم بامكار استطاع أن يحفر لنفسه مكانا في السياسة السودانية استمر لعقود طويلة، وإن كان الناس قد حصروه في طرفة الكوبري من بورتسودان لجدة، ثم طرفة الإنقاذ من الإنقاذ، فظلموه كثيرا وظلموا تاريخه الطويل، لكنه يظل رائدا فتح الباب للنشاط السياسي الذي اجتاح شرق السودان الآن من أبواب كثيرة.
الأستاذ محمد أدروب أوهاج درسنا في البحر الأحمر الثانوية، واكتشفنا من البداية أنه يخالف النمط التقليدي للمعلمين، فهو لا يلجا للتلقين ولا يعترف به كأسلوب تعليمي، ويشجع الطلاب على النقاش والجدل، وكان له ما أراد من مجموعة من الطلاب المناكفين والمشاكسين. ضمت دفعتنا بعض المنظمين من طلاب الأخوان المسلمين، الذي اعتقدوا أن الأستاذ لا بد أنه يسرب بعض الأفكار الجمهورية من خلال هذا الجدل والنقاش، فاستمرأوا مخالفته ومجادلته، وكان يتقبل ذلك بصدر رحب. ولم يكن غريبا أن يحرز أحد هؤلاء الطلاب الأخوان أعلى الدرجات في المادة التي يدرسها الاستاذ أدروب، وكان تفسيره لنا في جلسة ونسة أن ذلك الطالب اجتهد كثيرا في هذه المادة، حتى ولو من باب المخالفة للأستاذ، فاستحق الدرجة العليا.
كان غريبا علينا أن نصادف الأستاذ في سوق بورتسودان الكبير يقف على الناصية ليبيع كتب الجمهوريين، ويناقش الناس في الأفكار والآراء المطروحة، وكان ذلك منظرا معتادا في السبعينيات، وإن كان البعض يرى أن ذلك يقلل من هيبة الأستاذ والمعلم، لكنه لم يقلل من مكانة محمد أدروب أوهاج ولا من احترام الطلاب له. ثم لاحظ الناس ، خاصة الطلاب، أنه مع حبه للنقاش والجدل من الطلاب، وتشجيعه وتحريضه لهم على عدم قبول المسلمات بسهولة، إلا أنه لم يكن يستهدف التجنيد والاستقطاب، كما قد يفعل البعض، ولم يسعى لذلك، فظل احترام الجميع له في مكانه، بغض النظر عن اقترابهم او ابتعادهم من أفكاره.
قابلته المرة الأخيرة في جريدة “الأضواء” قبل حوالي خمس سنوات، حين جاء ليهديني كتابه عن تاريخ مؤتمر البجا، وبذل فيه جهدا كبيرا، لكن السلطات حينها منعت الكتاب وصادرته، وله جهد سابق في دراسة لغة وتراث البجا، اتمنى أن يجد النور بعد أن تجتمع أسرته وتلاميذه على جمع هذا التراث ونشره.
رحم الله الرجلين ونفعنا بسيرتهما ونضالهما .
فيصل محمد صالح
[email][email protected][/email]
تسلم استاذ فيصل…..عندما يتاح لنا- يوما ما- بإذن الله وتنقشع الظلمات..ويزول الجبن..وحرصنا علي سلامة عوائلنا الا يصيبهم ما اصابنا…سنكتب عنك يا استاذنا..فيصل.. وعن الاستاذ محمد ادروب اوهاج..وعن وعن..نتمني الا يطول الانتظار
انت انسان وفى ياىاستاز فيصل يديك العافى والف مبروك الجائزه