في خوض الخائضين ..!

«يا أيها الذين آمنوا كونوا قوَّامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا..» الآية الثامنة من سورة المائدة ..!
استوقفني سجال إسفيري حول مسألة قديمة متجددة هي بعض المسلمات التاريخية المتداولة عن أحداث بعينها في تاريخ صدر الإسلام.. ما أثار اهتمامي أكثر من الخبر نفسه هو ذلك الاستعلاء الفكري الذي يغلف ردود أفعال معظم المتداخلين المنتمين إلى بعض الأحزاب العقائدية.. وكأنهم ورثة الأنبياء في الأرض ..!
من آفاتنا الفكرية ذلك المنهج الإقصائي الذي توارثه – بتصرف – بعض المتشددين، ومفاده اجتناب الخوض في أحداث تاريخية بعينها بدعوى المحافظة على نقاء الدين، فميزوا بين العامة «أنتم .. ونحن .. وهؤلاء .. وأولئك» والخاصة «العلماء وطلبة العلم المحققين» فيما يجب أو يحق لكل منا معرفته من أمور هذا الدين .. وأي نقاش لتلك المسلمات المتوارثة يجعل هؤلاء وأولئك يفقدون السيطرة على منهجية علمية.. فقهية.. محققة.. حذرة.. متشككة.. ظلت طوال أربعة عشر قرناً من الزمان تقرر وترسم حدود معرفة عامة المسلمين بعلوم خاصتهم ..!
مع أننا في القرن الواحد والعشرين والأحداث والحقائق كلها مبذولة – بطريقة أو بأخرى – في الأضابير الورقية والإسفيرية.. ما الضير من تداول بعض المواقف المتباينة التي رواها ابن قتيبة والطبري حول بعض الأزمات والفتن بين الصحابة، مثل حادثة خروج الإمام الحسين التي وافقه بعض العلماء والفقهاء في المبدأ والغاية منها، لكنهم خالفوه في الحسابات السياسية، واعتبارات ميزان القوى..؟!
وما الضير في الاحتكام إلى حياد وموضوعية الإمام البخاري الذي حكَّم المنهجية العلمية في موقفه من بعض رواة الحديث من الخوارج رغم مآخذه الجادة عليهم، والتي من بينها قتل الإمام علي بن أبي طالب؟!.. بعيداً عن موقفه الخاص أخذ الرجل عنهم ما انطبقت عليه شروطه من الحديث ..!
ما الضير إذا أوغلنا قليلاً كما فعل بعض المؤرخين – أمثال نفطوية – الذين قالوا إن جل الأحاديث الموضوعة في فضائل بعض الصحابة قد افتعلت في أيّام بني أميّة تقرّباً إليهم، لكننا إذا احتكمنا إلى مواقف رسولنا الكريم عليه السلام سنجده لم يكن راضياً عن قتل خالد بن الوليد بني جذيمة، وكيف غضب عندما جاءه أسامة بن زيد شفيعاً للمرأة الشريفة التي سرقت؟!
إذا قال لك أحدهم إن رسولنا الكريم – عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم – ليس هو المقصود بسبب نزول سورة «عبس»، وإن المقصود بها هو أحد كبار الصحابة الذي عاتبه الله على عدم تحري اللطف في معاملة الأعمى الفقير.. فهل تقبل بهذا التفسير الذي يزيح عبء العتب الرباني عن كاهل سيد الخلق أجمعين؟!.. كلا بالطبع.. ستقول إنها قد نزلت في شأن رسولنا الكريم عليه السلام مع ابن أم مكتوم، لأنك تعلم أنه بشر رسول، وهو النبي المعصوم ..!
من المفارقات في هذا الشأن أن سيد قطب – نفسه – قد تحدث عن ملاحظات بعض الصحابة على مواقف بعينها صدرت عن سيدنا عثمان – رضي الله عنه وأرضاه – في تصريف شؤون الخلافة.. ومن تلك المفارقات أيضاً – أن الشيخ جمال البنا قد تحدث عن أن الصحابة ليسوا ملائكة وليست لهم عصمة أو قدسية، ولا حرج من نقد بعض أفعالهم لأن الرجال هم الذين يصنعون المواقف وليس العكس! .. الآن يملأ أحفاد طلبة علم هؤلاء الأئمة وورثة فكرهم أركان الدنيا – وفضاءات الأسافير – ضجيجاً بشأن وجوب «عدم الخوض».. بل ويتوعدون «بعض الخائضين».. اللهم افتح ..!
اخر لحظة
يكون الاستعلاء والاقصاء حينما يظن بعض من الناس انه على الحق المطلق الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وتكون دائما في الجماعات المنغلقة على نفسها عرقيةكانت او فكرية(قَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ ۖ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ۚ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) وقد قصّ علينا القرآن كثيرا من قصص الامم السابقة حتى نتجنب اخطائهم ونبني على صوابهم فهذه هي الفائدةمن دراسة التاريخ ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَاب).
(ذا قال لك أحدهم إن رسولنا الكريم – عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم – ليس هو المقصود بسبب نزول سورة «عبس»، وإن المقصود بها هو أحد كبار الصحابة الذي عاتبه الله على عدم تحري اللطف في معاملة الأعمى الفقير.)الكاتبة
واذا قال لي احدهم انه لا يوجد ثمة شىء يسمى اسباب النزول وان القرآن ليس تاريخا حتى اربطه باسباب النزول فهل اقبل بهذا الرأي؟ فالأن أٌقرأ القرآن ولا اعرف اسباب النزول فهل يؤثر هذا على فهمي للقرآن؟ ومن افضل ماسمعت عن اسباب النزول (للدكتور محمد المجذوب) (اطلاقية القرآن واشكالية اسباب النزول).
سيد قطب تكلم عن سيدنا عثمان رضي الله عنه وغيره من الصحابة في كتابه( العدالة الاجتماعية في الاسلام) ولذلك وجهت له انتقادات عنيفة من بعض السلفيين وحراس القديم الذين يظنون ان تاريخ الصحابة جزء من الدين وليس لاخذ العبرة والعظة فقط.
المهم عندهم تجهيل الناس لينفردوا مع السلطان بالذهب والفضة وما لذ وطاب والحريم والغلمان بلا حد اقصى.
مقالك جيد وما قدحتي به هو الوسطية والتفهم بل وتحسس مواضع الفائدة العظيمة من الكتاب والسنة …وكلنا يعلم أن ديننا الاسلامي الحنيف وقرآنه العظيم مع رسالة الدين الخاتمية تصلح لكل زمان ومكان الى يوم قيام الساعة فتعبير تصلح اي تتوآم مع الاحداث كأن ان تكون هنالك حادثة حدثت في زمن الصحابة قد لا تتوافق مع زمانناهذا بل ولا يمكن وضعها كمبدأ او حل لمشكلة حديثة تخالف طرق ووسائل اليوم ولكن يمكن تطبيق المعنى مع اختلاف التناول او التناصح او العمل في حد ذاته بمخرجاتها…وما الغريب في التحقق عن صحة حديث من عدمه؟ ما يؤكد صلاحية الدين الاسلامي لكل زمان ومكان .لابد ان يكون الحديث مسند وصحيح ومقنع ومتوافق مع الحدث والمضمون لا ان يكون الحديث مفصل حسبهوى النفس او الاعتقاد بأن ما يروى عن الصحابة مسلم به او هو قاعدة لا يجب مخالفتها .والله نسأله صلاح الحال وتثبيت القلوب على الايمان.