الأمطار والسيول معاناة المنكوبون وتأخر المسؤلون

بداية نسوق التعازي الحارة لكل من فقد عزيزا بسبب السيول والمطار الغزيرة التي اجتاحت البلاد ونسأل الله ان يجيرهم في مصابهم وان يعوضهم خيرا وعاجل الشفاء للمصابين والمرضى والدعوات ايضا لكل من فقد بيته أو تشرد هو واسرته.
ونرجو ان تنتج من معاناتهم ما ينفع الناس من دراسات وخطط واسترتيجيات تحول دون تكرار ماحدث.
ان الحكم قد افسد الكثيرين وللأسف فإن معظم أولو الأمر هم من القرى والحلال وتمتد اصولهم إلى الأقاليم وأهل الأقليم أهل شهامة ومروءة ونجدة. ولكن كثير من المسؤلون تمترسوا وراء مناصبهم وسندهم الرسمي من قرابات وعلاقات بدلا من ان يشمروا و يتمترسوا مع اهلهم ضد الأمطار والسيول.
بالطبع هنالك استثناءات ولكن الحديث هنا عن الهاربون من واجاباتهم التى أخذوا الكثير مقابلها .وأيضا عن المتقاعسون الذين وقف الناس معهم وتراخوا في الوقوف مع المنكوبين حتى ولو بصالح الدعاء.أما من سعى وقدم وأحتسب فنسأل الله أن يثيبه خيرا مما أنفق من جهد أو مال ولا تخفى على الله خافية.وهو على كل شيئ قدير.

الكثيرون من اهل السلطة هم من الريف. مشبعون بالقيم الفاضلة قبل ان تتغول عليها السلطة وتبدل الكثير منهم. كانوا في الأحوال العادية سيهرعون لنجدة اهلهم وجيرانهم واصدقائهم . حتى لو مجرد عابرون فإنهم كانوا سيهبون لنجدة المنكوبين .لكن السلطة اغدقت عليهم القروش حتى برزت الكروش و تنعمت الجلود ودخلهم الطمع والجشع والهلع فتقاعسوا كمواطنين وانزوا كمسؤلون .
لو لا فتنة السلطة لشمر كثير منهم عن ثيابه واسرع يساعد المنكوبين .لكن السلطة اركبتهم السيارات فارهة ألبستهم الثياب الفاخرة والأحذية الغالية واعطتهم الهواتف باهظة الثمن واموالا لا تحصى. فخافوا على ملابسهم واحذيتهم من البلل من وعلى هواتفهم من العطل وحتى سياراتهم خافوا ان تتلطخ بالأحوال وهم الغائصون في اوحال الفساد بأكثر مما يتصورون.
وكما شعر الناس بالجوع والعطش وحرمان ومعاناة المساكين والمحرومين في شهر رمضان .فإن في نزول هولاء المرفهين من دورهم العالية وسياراتهم الفارهة إلى الأرض الغارقة في الماء ومشاركة الهموم مع الفقراء الغارقين في المعاناة عملا طيب بعون الله.
كان أحرى بهم الإسراع لنجدة اهلهم والوقوف معهم في محنتهم فهنالك من فقد عزيز ومن اصيب ومن فقد بيته وماله وكل ما يملك وتشرد هو واطفاله.كان الأحرى بالمسؤلين ان يكونوا على ظهور الجرافات والتراكتروات سائقون أو موجهون و معضدون.

ان العمل مع الفقراء ومساعدتهم يزيل الشحوم واللحوم التى نبتت بغير حق ويريض الأجسام والعقول ويصفى النفوس ويمنحهم خبرة و ثقة واجساما قوية تعينهم على شئون الحكم بدلا من البحث عنها في وسائل الإعلام ومكاتب العلاقات العامة وصالات الجيمنازيوم المغلقة .
هذه فرصة طيبة ليتلوثوا بالطين والأوحال مع اهلهم البسطاء الفقرا والمساكين فربماغسلوا مع ثيابهم وسياراتهم ذنوبا متراكمة .هذه سانحة يدعون الله فيها ويؤمنون مع دعاء الفقراء المنكوبين أن يخفف الله عنهم ويغفر ذنوبهم. ومن يغفر الذنوب إلا الله.

الأمطار والسيول تتكرر ومنذ 1988م ولم تفعل الحكومة ما يحول دون تكرار هذه الكوارث.
ولا يعاني السودان من قلة في المهندسين أو الأطباء أو السائقين او العمال أو الأموال . ولا يعاني من شح في المواد الغذائية ولا الأدوية. وهنالك الكثير من الآليات الثقيلة من كراكات وبلدوزرات و صهاريج المتحركة (شاحنات الفناظير).
ان السودان يعاني من سوء الإدارة.الأدارة الذكية تعرف كيف تستغل الموارد كأفضل ما يكون وتضع الخطط الصحيحة والبديلة في حال تعذر تنفيذ الأولى. ولكننا نعاني من قلة الخطط ورداءة ما يتم تنفيذه.ونعاني من ضعف نفوس بعض المتنفذين.الذين يسرعون نحو الخطط التي تصب أكبر قدر من الأموال في خزائنهم. وهي غالبا خطط هشة تلد معالجات مؤقتة تكلف المواطن أكثر من الخطط الناجعة التي تعطي حلولا ناجحة.تؤسس لتنمية دائمة.
هل يعقل انه لا يوجد في ملايين السودانيين من يملك رؤية تلد خطة فعالة ضد هواجس الخريف السيول كل عام؟
هنالك المهندسون والخبراء وشيوخ القبائل والدارسين والباحثين والجيلوجين والباحيثن عن الأجر وغيرهم. وكثير من هولاء قالوا ونصحوا وكتبوا ولكن حين تتعارض مصالح البعض الشخصية مع مصلحة الوطن العليا فإنه وياللأسف تتغلب المصالح الشخصية ويالأسف الشديد لا يجد ذلك الردع ولا حتى الإستنكار!
ان السيل لا يغير مجراه و ابسط قروي يمكن ان يشير إلى مجاري المياه . وأى طالب هندسة يمكن ان يحدد كمية الماء الذي يحتمله المجري و يبني الجسر المناسب في المكان المناسب وبالحجم المناسب .لكن المشكلة تكمن في ان كثير من المسؤلين غير المناسبين يحتلون الأماكن المناسبة ويتشبثون بكراسي ازمنة طويلة . لا يقدمون خططا ولا يمررون حلولا. يحدث ذلك في حكومة تأتمر كل فترة أياما وتصرف ببذخ في مؤتمرات عن خطط ربع قرنية ولا تستطيع التصدى لأمطار سنوية في بلد شبه صحرواية.
كيف تنشئ الشركات الطرق وتسفلتها ولا تنشئ كباري تمرر مياه الأمطار وان فعلت فكباري صغيرة وفي غير أماكنها الصحيحة؟ وكيف تعطييهم الحكومة اموالا ولا تراجع معهم مواصفات وشروط التسليم عقب الإنتهاء من الطرق؟ الا تعي الدولة ان ضرائب المواطن المتضرر والرسوم التي يدفعها هي التي تبني هذه الطرق وتعيد بنائها ثانية عندما تجرفها السيول التي تجرف بيته وتتركه هو واسرته في العراء؟
سقطت عشرات الآلاف من بيوت الناس في الطين مثل قطع السكويت لأن مسؤلا ما لم يقم بعمله في فتح المجاري والإعداد للخريف. وهو فصل يجئ كل عام في مواعيده وتجري مياهه في نفس مجاريها. ولكن بالنسبة لبعض المسؤلين فإن مياها كثيرة تمر تحت الجسر لكنهم يظلون بنفس أفكارهم. وهي أفكار محددة وغير متجددة .مقيدة بمفاهيم قديمة لا يبدعون ولا يتبنون ابداعا. لا يسعون ولا يشجعون من يحمل أفكارا تنتج حلولا فعالة لمشكلات تتجدد كل مرة. والأدهى والأمر لا تحاسبهم جهة ولا يحاسبون أنفسهم نسال الله السلامة.
ألا يعلم هؤلاء انهم مبعوثون؟ ألا يفكرون للحظة بتحليل ما يقترفونه بغير حساب من أموال الشعب ألا يدفعون ثمن رفاهيتهم؟ انهم ماهرون في انتهاز الفرص فكيف لا يفكرون في إغتنام هذه السوانح ليسددوا عبرها لكل من أعانهم منذ صغرهم وساهم في تربيتهم وتعليمهم وتأهيلهم و..و. كيف لا يسعون لتخليد أنفسهم بذكرى طيبة؟
اسأل الله ان يعين أهلنا المنكوبين وأن يجبر كسرهم ويفرج كربهم وأن يجزي خيرا كل من أعانهم أو وقف معهم أو دعا لهم بخير.ِ
والله ولي التوفيق

منير عوض التريكي
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..