اْبكِ يا نيالا البحير … فقد اغتال “التتر ” رمز المدينة!

بسم الله الرحمن الرحيم
(كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون )
صدق الله العظيم
الموت حق بلا شك وكل نفس ذائقة الموت ، وتتعدد الاسباب والموت واحد ، هكذا سنة رب العباد ويبقى فقط وجهه الاعلى . روايات طاحونة الموت فى نيالا عاصمة جنوب دار فور تتوارد بشكل يومى ، ودائما الضحايا نوعان : ضحايا السرقات العشوائية بربط الطرق نهارا جهارا وسلب الناس ما خف وزنه وغلى ثمنه كالمبالغ النقدية والهواتف النقالة ، وهذا النمط من الاجرام يقوم به الجنجويد (الاكالة ) المسلحين بالاسلحة الخفيفة ، والذين يعلمون تمام العلم ان لا سلطان للمدينة الا لقادتهم وهم مفوضون لذلك ما دامت الحكومة احجمت عن دفع الرواتب لهم ، اما النوع الآخر من الضحايا فهم فئة مختارة من رجال الاعمال الذين ينتمى اغلبهم الى عرقية الزغاوة بالمدينة ، وهؤلاء يتم التعامل معهم على مرحلتين ، المرحلة الاولى تهديدهم و ابتزازهم ماليا ولو اقتضى ذلك اختطافهم ومطالبتهم بدفع فدية مالية حسب الوضع المالى للضحية ، وقد تبلغ احيانا الفدية المليارات من الجنيهات وقد يضطر مثل هؤلاء الى مغادرة المدينة فى النهاية ، وهذا هو الهدف النهائى و”المرسوم ” للعصابة ، اما المرحلة الاخرى فيتم التعامل بها مع الذين يعاندون ويتحدون طلبات العصابة ويرفضون الابتزاز ومغادرة المدينة فيتم توجيه التهديدات النهائية والجادة لهم ، اما بمغادرة المدينة او مواجهة التصفية الجسدية ، وهذا كان نصيب رجل الاعمال الاشهر فى نيالا الحاج / اسماعيل ابراهيم وادى والذى اغتيل مع اثنين من افراد اسرته مساء الاربعاء 18 سبتمبر 2013 م عندما كان فى طريقه الى منزله حيث تم اعتراض سيارته بواسطة سيارة لانكروزر بمسافة 500 متر فقط من منزله ، وخرج من السيارة ستة رجال مسلحون يلبسون زى شرطة ابوطيرة و ملثمون وامطروا سيارة الشهيد بالاسلحة الرشاشة ولم يغادروا الموقع الا بعد ان تأكدوا ان الشهيد قد فارق الحياة .
تبقى هنالك سؤالان هامان واترك الاجابات لفطنة القراء :
السؤال الاول :
اين السلطات الامنية برئاسة الولاية ودورها فى حماية المدينة ومواطنيها ولماذا هذا التراخى الامنى الذى يجرؤ من فرطها مليشيا معروفة وتابعة للحكومة من ايقاف سيارات المواطنين فى الشوارع الرئيسية بالمدينة فى وضح النهار واغتيال رموز المدينة دون ان يرمش لهم جفن ودون ان تتوقع اى مساءلة او ملاحقة من السلطات الامنية ؟
السؤال الثانى :
لماذا يتم افراغ مدينة مثل نيالا من رجال الاعمال الكبار من ابناء قبيلة الزغاوة والذين كان آخرهم هو الشهيد الحاج اسماعيل وادى والذى تحدى ورفض كل التهديدات لمغادرة نيالا الى العاصمة اسوة بزملائه واخوانه الذين صفوا اعمالهم وانتقلوا الى العاصمة ليس حبا لها ولكنهم اٌجبروا على ذلك حتى لا يكون مصيرهم كمصير الشهيد اسماعيل ، ولمصلحة من يتم هذا التطهير العرقى المنتقاة ؟
ولكن بقى ايضا ان نعرف من هو اسماعيل وادى الذى نبكيه اليوم والذى بكته مدينة نيالا عن بكرة ابيها للدرجة التى سير فيها مواطنو المدينة مظاهرات صاخبة منددة بفشل الحكومة عن فرض الامن وترك البلطجية لاستهداف رموز المدينة ؟
اسماعيل ابراهيم وادى رجل عصامى ابن مزارع بسيط ، بدأ تجارته ببدايات متواضعة جدا مستفيدا من الطفرة التجارية التى لازمت دار فور من افتتاح الطريق التجارى البرى بين ليبيا ودار فور فى بداية السبعينات من القرن الماضى وسجل نجاحات تجارية باهرة فى فترة وجيزة بمدينة نيالا ، ولكن ما يميز الرجل من غيره هو مساهماته الاجتماعية فى كل اوجه الحياة فى المدينة ، فهو عضو قيادى فاعل فى الغرفة التجارية بالمدينة لاكثر من ربع قرن من الزمان ورئيس سابق وقطب دائم لنادى المريخ بالمدينة ورجل تتحدث المدينة دائما عن كرمه واعماله الخيرية واستضافته واكرامه لاى ضيف جديد بالمدينة ، رجل خصص العديد من البيوت فى مدينة نيالا فقط لطلاب المدارس الذين لا يستطيع ذويهم من توفير مستلزمات الدراسة والصرف عليهم فى هذا الزمن الصعب ، رجل زار بيت الله الحرام حاجا ومعتمرا لاكثر من عشرة مرات فى حياته العامرة ، لماذا ولمصلحة من يُختار لمثل هذا الشخص هذا المصير الاسود له ولاهله ومحبيه ؟
اختم مقالى (مرثيتى ) فى اخى وصديقى الشهيد برواية من احد الاخوة المصريين (الصعايدة ) والذى كان زميل عمل لنا باحدى دول الخليج البترولية ، وكان يدهشنى دائما برواية القصص المرعبة عن ممارسة الصعايدة لعادة اخذ “التار” عن قتلاهم ، فيحكى ان اهله الصعايدة ، وعند اخذ التار لقتيل عزيز فان الاسرة المعنية تعقد جلسة سرية لاختيار (هدف موجع) من الطرف الآخر لاخذ القصاص ، ويوكلون للمهمة احد افراد الاسرة لتنفيذها وهو امر نافذ لا محالة ، وقد ذكر لى بهذا الصدد ان احدى الاسر قد ارسلت احد افرادها الى احدى المدن المشهورة فى الولايات المتحدة الامريكية بعد ان اخذوا على عاتقهم اجراءات الفيزا العويصة فى السفارة الامريكية فى القاهرة ، وذلك لغرض اخذ تار “موجع” من احد افراد الاسرة القاتلة ، و قد تم اختيار الهدف بعناية ، وهو استاذ جامعى فى احدى الجامعات العريقة هناك ، وكان بالفعل فقد موجع للاسرة الاخرى ، عبر له القاتل المحيطات للنيل منه رغم وجود المئات من نفس الاسرة فى قريتهم المجاورة وقد تمكن منه بالفعل وسلم نفسه للسلطات الامريكية !
اورد هذه القصة المأساوية لاسأل حكومة المؤتمر الوطنى فى اعلى مستوياتها (لقناعتى بان قرار اعدام الشهيد اسماعيل وادى قد صدر فى الخرطوم ) واقول لها : ماذا جنت قبيلة الزغاوة حتى تٌصاب فى “اوجع” رجل عزيز من ابنائها ، والذى ليس فقط ابن للقبيلة وبل رمز محبوب من رموز مدينة نيالا بكل قبائلها ؟
ولانى لا اتوقع اجابة شافية ، على الاقل بوجود هذه الحكومة على سدة الحكم ،
فلا املك غير القول :
ابك يا نيالا البحير ………….. فقد اغتال “التتر ” رمز المدينة !

محمد بشير ابونمو – لندن
الخميس 19 سبتمبر 2013 م
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. استشهد الشهيد وبكأه السودان من البدو الي الحضر لكن الثأر هو رحيل هذا النظام الذي حاول مرارا وتكرارا من جر قبيلة الزغاوة الي قضايا وصراعات انصرافية مع قبا ئل دارفور الاخري واسماعيل وادي ينتمي لكل قبائل دارفور ليس الزغاوة وحدهم

  2. حقاً ياأخ محمد/ان أمثال هولاء الكرام،الذين يكرمون الضيف ويغيثون الملهوف ،ويساعدون طلاب العلم،ويكفلون اليتامى ،فهولاء نسأل الله العظيم أن يكونوا برفقة المعصوم صلى الله عليه وسلم لأنهم أهل لذلك ،بدلاً من العيش مع الرجرجة الدهماء،الذين حضروا لم يستشاروا واذا غابوا لم ينتظروا،فهنيئاً لهذا الرجل العظيم ونسأل الله أن يلزم اسرته الصبر وحسن العزاء،وانا لله وانا اليه راجعون.

  3. سوف تندمون كثيرا على جريمتكم يا كلاب يا حتالة مجتمع تعرفونا كويس زي جوة عينكم احنا شنو هتدفعوا ثمن غالي ما عندنا كلام كتير معكم كما تدين تدان و البادي اظلم

  4. اللهم اغفر له وارحمه ومن معه واجزه خيرا بقدر ما قدم لاهله
    ومدينته
    اللهم وعجل خلاصنا من هذه الحكومة الظالم اهلها

  5. الشهيد اسماعيل وادي كان ابنا بارا باهله ومجتمعه، وهو فقد لكل اهل دارفور.
    الشهيد كان رمز لرجال الاعمال الوطنيين الذين سخروا اموالهم وحياتهم لخدمة مجتمعهم وتوفير احتياجاته في الازمات الصعبة وفك الكرب عندما تضيق بهم المعايش وتنعدم السلع، فكانت تجارته وبضائعه ملك لكل أهل المدينة وأريافها. الشهيد كان رمزاً لكبرياء أهل دارفور وصمودهم لمواصلة الحياة رغم الموت والقتل الذي يجري على مدار اليوم والساعة والدقيقة منذ عشرة سنوات حسوما.

    بفقدك يا إسماعيل وادي فقدت دارفور وكبرى مدنها نيالا أحد ركائزها الشوامخ ورجالها البررة.
    إسماعيل وادي أخاف قتلته حياً وأرعبهم ميتاً عندما خرجت نيالا عن بكرة أبيها في جنازته تبكيه وتزرف شلالات الدموع. إسماعيل شيعته اليوم كل دارفور بكل نسيجها ولسان حالها الوحش يقتل ثائراً .. والارض تنبت الف ثائر.. يا كبرياء الجرح ان متنا لحاربت المقابر.

    ألف رحمة ونور على روحك الطيبة يا إسماعيل وادي وأنا لفقدك لمحزونون.
    وإنا لله وانا إليه راجعون.

    إعلام شباب ومثقفي البقارة – جنوب دارفور

  6. رحم الله هذا الرجل القامه..فهو ليس فقدا للزغاوه فقط بقدرما هو فقدا لكل الشرفاء والانقياء بنيالا..هكذا تسير الامور..الحق لا يهزم..تبا للقتله..ستندمون..وتدفعون الثمن

  7. نترحم على روح الفقيد وابنه ونحسبهم من الشهداء باذن الله …أسئلتك منطقية الاخ محمد فالامر واضح مخطط من داخل النظام والدليل ليست الحادثة الاولى فقد سبقتها حوادث كثيرة نهاراً جهاراً ، في رأي الأمر برمته مسئول منه حكومة الولاية ولا أدري إن كانت هخنالك تنسيق بينها وبين المركز ” الله يكضب الشينة ” على الحكومة التحرك على جميع الاصعده والقبض على عصبته وأن يوقف الفوضى فوالله إذا لم يحسم الأمر في إطار حكومته فتأكد ما حصل من مظاهرات وحرق وقتل وتدمير لنشئات الدولة يوم أمس الاول فالقادم سيكون اسوأ.
    ختاماً نسأل الله أن يجنبنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يحفظ دارفورنا آمناً مطمئناً .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..