المعترك القبلي: نزاع أرضي أم إنحباس عقلي 3 / 3

(ولاية شرق دارفور نموذجا)

وإذ إن الخاصرة تنزف فلا مجال للتريث، الرأي عندي أن يتوافق الرزيقات (لآنهم أصحاب قوة عسكرية ضاربة) مع شعب دارفور وشعوب السودان الأخرى ويقرروا الاتجاه شمالاً للتخلص من دولة المركز التي تستمد قواها من تفتيت الهامش، الذي لم يعد لديه وسيلة للتنسيق الا علي اساس قبلي رغم الادعاءات وكثرة المسميات. لقد فرضت العصابة واقع التشييئ حتي انعدمت سبل التغيير السياسي والمدني ولم يبق غير التغيير العسكري (من هنا نفهم صحة الزعم القائل بأن السودان سيتبع أنموذج شرق إفريقيا وليس شمالها). أخطأ المثقفون السودانيون إذ ظنوا أن تفادي القضايا الساخنة هو السبيل الامثل لحلها. من هذه القضايا: الاستقطاب الاثني الحاد الذي أعاق إمكانية تقدم الجبهة الثورية وهيئ للعصابة التعويل علي مخاوف الجماهير من “الزرقة”. هذه المخاوف منها ما هو وهمي وما هو حقيقي. فالعصابة تزعم أنَ الجبهة الثورية عنصرية وإلا فلماذا لم يكن من بينها “اضان حمرة”؟ الواقع يقول أن الجبهة الثورية لم تسع لإلحاق العرب ككيان إنما كأفراد يمكن التخلص منهم مجرد ما تصل الي السلطة (التي لن تستقر حينها لأن القتال سيتجدد حينها مع العطاوة والحيماد)، كما أن العروبة عجزت حتي الان عن بلورة موقف أخلاقي من النظام وجرائمه ولم يلحظ لها نبذا واضحا للنخب التي جيرت إراداتها لصالح الانقاذ.

حالما تتوافق قوي الريف السوداني وتستطع تكوين جبهة ثورية حقيقية لها جناح سياسي تسنده هيئة فكرية راشدة وقادرة علي التواصل الروحي مع الجمهور فإن شعب الجنوب سيناصرها لأنه لا يري استقرارا له ولغيره من شعوب القارة في ظل هذه الفئة الحالمة، بل إن شعب مصر العظيم –الذي ما زال يبرهن علي عبقرتيه كل دهر وحين– سيوافيها بالمدد لأنه يعلم الا مستقبل للسودان او للمنطقة العربية قاطبة الا اذا تحلل من الاستقطاب الأيديولوجي الذي اصطنعته فئات بعينها والذي اعاق إمكانية التواصل الفكري وعقَد كفالة النظم الادارية.

إن انشقاقات الاسلاميين وخلافتهم لم تعد تعني السودانيين في شيء لأنها خلافات وقائعية ، لا تشير البتة الي ان هناك منهجية فكرية او إبستمولوجية قد استحدثت من قبلهم لمراجعة منظومتهم التراثية البالية ولا يستنظر ان يكونوا قد تهيئوا نفسيا او ذهنيا لاستقبال حجج الاخرين. ولنستعرض الموقف: ما الذي تغير من موقفهم تجاه التنمية، الحرية، الهوية، الفدرالية، المواطنة، الدستور، الي اخره؟ لم يتضح لي بعد إن كان هناك ما استجد (لا يهم دخول فئة او غيرها)، وقد عرفنا أراءهم في الخلافة (لم يتجاوز نفوذهم “شجرة ود عريض”)، البيعة (شملت فقط اصحاب الاموال)، اهل الذمة (لم يعد لدينا اهل ذمة)، الاقتصاد الاسلامي (انعدمت الطبقة الوسطي وانسحق الفقراء)، المسيح الدجال (وقد ظهر)، النقاب (وقد خبر)، الي آخره من المساجلات الصبيانية التي لا تعني رجل الدولة قدر ما تلهي طلاب الثانوية (ربما الخرطوم القديمة).

إن الاقتتال الذي نراه اليوم في الريف السوداني وحرب الابادة التي تستخدم الدولة فيها عناصر محلية لتأزيم الموقف، حدثت نتيجة الفكر الاحادي والفاشية التي لم تجد بدا من استخدام العنف وسيلة لإحداث انصهارا يخفي معالم المظلوم ويبدد حجته عبر الايام. فهل يمكن ان تضيع حجة الفور والمساليت ولو بعد الف عام؟ هل يمكن ان تغمر قري الحلفاويين وتندثر اثار الحضارة النوبية، هكذا ودونما حسرة؟

لقد دمرت الشلة وذويها في سنوات ما انجزه اسلافنا من تدامج في قرون. فهل اصابت رضوي عاشور في روايتها الطنطورية يوما ان وصفت محنة فلسطين (والتي لا تختلف عن كآفة المحن التي تعمَد المغتصب استنساخها في كل الاقطار) قائلة:

خمسة رجال لا غير، كأنهم عشيرة من الجن (ص: 316)

تتبدل التحالفات بين الكبار ويدفع شبابنا الثمن (ص: 272)

مجرد زعران يستفيدون من الفوضى القائمة لتكوين ثروة سريعة (ص: 273ً)

ختاماً، أقول ما أقول عملاً بقولة تعالى “من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها، ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله علي كل شئ مقيتا” (النساء: 85)، صدق الله العظيم. إن للرزيقات حق في الانتصاف ممن اعتدى عليهم (من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)، لكن الاقتتال

سيطال الاصهار والجيران فالله الله في الرحم. ومن تملكه الحنق فليذكر قوله (صلي): لزوال الدنيا اهون عند الله من قتل إمرئ مسلم.

إن للمعاليا ذمة وجوار وجب ان يرعوه وإلا ضيع الميثاق وانتقضت العهود. فقد ظلوا فكهين منذ مقدمهم حتي استخف بعقول بعضهم إبراهيم احمد الطاهر (شيخ “المجانين” الذي لم يأتي حتي الان لمواساة ذويه)؛ فأنَى لهؤلاء ان يعطوا ما ليس لهم أو ان يستثنوا من وضع إداري سيتم إجازته من قبل أهل دارفور حالما تنقشع سحابة الصيف (التي كدنا نظنها عارض ممطرنا) فيزول الوضع الاستثنائي الذي جعل السلاح وسيلة الزغاوة للاستيلاء على أراضي البرقد أو الرزيقات على أراضي الفور والمساليت، أو الزيادية على أراضي البرتي، إلى أخرة. ونستطيع حينها ان نستعيض بالمنطق عن الحيل والدسائس التي لم تمتثل للأعراف ناهيك عن الاحتكام للقانون والدستور.

إن دولة الانقاذ دولة عاجزة وفاشلة، عاجزة لأنها لا تملك سلطة أخلاقية تمارس بها القوى الشرعية وفاشلة لأنها لا تملك الالية، هي تخشى إن ارسلت جيشا ان يصطدم به الاعراب فيتزودن من ذخيرته، ولا تملك حق التوسط لأنها لم تكن محايدة منذ البداية. لقد كان ديدنهم منذ الأول استهداف الكيانات الكبرى والاستقواء بالصغرى التي لا تستطيع الخروج عن طوعهم كما لا تملك التعقيب عليهم لقلة شأنها وضعف شأوها. وهذا هو منطق العصابة، إذ إن منطق الدولة هو الانتصار للمظلوم مهما قلت حيلته والانتصاف من الظالم وان استبد بقوته.

نحتاج هذه البسالة وتلك لحل الازمة الوطنية، حينها لن نلجأ إلى النخب المركزية في حسم قضايانا الخلافية بالقوة العسكرية، فقط التعويل على الحكمة الشعبية والاستبصار قدر الإمكان برؤية وطنية والاستعانة بالمتخصصين في إنفاذ استراتيجية تنموية وطنية لعام 2050م.

دكتور الوليد ادم مادبو

تعليق واحد

  1. التضامن النيلى هو سبب كل مشاكل السودان انا وصلت لهذه المعلومة فى بدايات التسعينات عندما كنت فى القوات المسلحة اتخذت قرار بعدم القتال فى الجنوب لاننى كنت ادرك فى داخل نفسى بعدالة قضيتهم كان فى ذلك الوقت اهلنا فى كردفان ودارفور يتدفقون الى الجنوب وكنت اتناقش معهم لماذا يقولون انهم يستهدفون العرب والاسلام قلت انظر الى مفاصل الدولة هل فيها عدل هناك تلاتة قبائل تسيطر على كل شى لقد جعلونا نحارب قصبا عنا خوفا من الانتقام منا بعد التخلص من الجلابة, دعنا نبدا من انفسنا نتحد مع بعض اولاد عطية هم الاغلبية فى كردفان ودارفور وبعض القبائل الاخرى التى تريد الحماية مع خلق جناح عسكرى قوى هنا فقط يكمن التنسيق مع الجبهة الثورية او التحالف والتنازل من المشاريع العنصرية مثل الافرقة او العروبة وتبنى السودنة عندها الزحف للخرطوم مثل الذهاب للتسوق لسقوط خرافة طرد العرب وسيطرة الزرقة, واقامة دولة العدل والديوقراطية على اسس علمانية تسقط العرق والديانة وتتبنى السودنة

  2. Reply, Reply All or Forward | More

    افتتاح الطرق الرابطة بين محليات دارفور المحررة

    كبكابية من شادية على ابوسخلة

    اعلن عبدالله حماد البشارى منسق العمليات بقوات الشرطة الظاعنة لمحليات شمال دارفور المحررة ان كافة الطرق الرابطة بين المحليات قد تم فتحها وهى طريق سرف عمرة الجنينة وسرف عمرة السريف والسريف كبكابية والسريق جبل عامر قندليات ابوقمرة وكبكابية كتم وكبكابية زالتجى وكبكابية كوجا نيالا وسرف عمرة وادى بارى زالنجى وطريق سرف عمرة جبل مون كلبس تشاد المعروف بطريق الهواء وبشر عبدالله المواطنيين بفتح طريق كبكابية طويلة الفاشر عبر جبال كاورا المغلق منذ سبع سنوات محزرا من اقامة نقاط الجباية والضرائب فى الطريق من قبل مليشيات الوالى كير وقوات مايسمى بالحركات الموقعة على الاتفاقيات الوهمية على حد تعبيره مثمنا جهود الشيخ موسى هلال والناظر عبدالباقى عبدالرحمن عبدالباقى ناظر عموم الزبلات والشرتاى ابكورة شرتاى الفور ووكيل ناظر البنى حسين محمد اسماعيل الجدى وقيادات القبائل المشاركة فى صناعة السلام والاشتقرار بالمحليات المحررة وكذلك معتمد كبكابية المنحاز لارادة الجماهير مؤكدا وقوف قوات الشرطة الظاعنة الى جانب اطروحات الشيخ موسى هلال الاصلاحية وتمسكها باقالة الةالى كبر طوعا او كرها وكشف البشارى عن مرافقة قواتهم لمتحركات الشيخ موسى هلال المتجهة الى كتم والكومة ومليط عبر كتيبة الشهيد مكاوى اضافة للمحليات الشرقية لبناء ورتق النسيج الاجتماعى وتوفير الامن واقامة مؤتمر الرعاة والمزارعين الذى جاء بطلب من الطرفين وطالب البشارى الحركات المسلحة وابناء القبائل وحكومة المركز بدعم الصلح والوقوف الى جانب المواطن والتخلى عن الاجندات القبلية والمصالح الذاتية والانية والتكتيكات المرحلية

  3. ننبه الكاتب والقراء ألا ينجروا وراء فرية عنصرية الجبهة الثورية لأنها كذبة بلقاء على وزن معاداة السامية عند اليهود تبنتها عصابة المركز عبر كل الأنظمة تجاه دارفور خاصة والهامش عامة ولتفكيك قوى المقاومة،، لقد تولى كبرها الصادق المهدى فى محاولة يائسة لصرف أهالى الغرب من هذه الجبهة وإستعادة ما فقده من نفوذ وإلى الأبد فى غرب السودان وسرعان ما تلقفتها عصابة المؤتمر الوطنى لإغتيال شخصية هذه القوة الفتية التى نازلتهم وهزمتهم إلى الدرجة التى قال فيها نافع إن المعركة الآن بين الأصلاء والدخلاء،، وهل هناك سودانياً أكثر أصالة من عقار، عبدالواحد، الحلو، عرمان ومينى ميناوى؟ الجبهة الثورية قامت بحيثيات معلومة وخاطبت المجتمع السودانى وتركت الباب مفتوحا لكل من يريد الإلتحاق بها فى الوقت الذى ظلت فيه الكثير من القبائل العربية تنام مع المؤتمر الوطنى فى سرير واحد ودونك مثقفى قبيلة المسيرية الذين تنازلوا حتى عن أرض أجدادهم فى لاهاى وبشروا الشعب عند عودتهم بحصولهم على مناطق البترول،، لكن صار الأمر الآن واضحا للجميع وما يفعله موسى هلال بالرغم من موقفنا من جرائمه يدل على أن العيون قد تفتحت ووعت بالمصير المظلم الذى يساق إليه الوطن، عليه يجب أن نكون موضوعيين ونصوب سهامنا نحو طغمة المركز بدلا من أن نجعلها ترتد إلى نحورنا.

  4. د الوليد ،، انت موهوب عندما تلجم عمك الكهنوت عند حد دروشته وعنصريته ، وغير ذلك انت صفر كبير‎ ‎ مجرد جنجويدي قاتل كأخوانك الجنجويديون ،، قال الجبهة الثورية عنصرية لا تقبل العرب ،، يا شيخ الجنجويد معقولة لكن ، اذا افترضنا جدلا ان هناك عرب في السودان ونأخذ حسب حديثك ، فأن الجبهة الثورية لم ترفض اطلاقا لشخص عربي او حتي اضان احمر ، بالمناسبة انا سمعت انو رزيقات السود هم الاصل والحمر ديل طبعا ذي ما بقولوا اسبير هههههه ،، اولا يا جنجويدي يا مهبول بالمناسبة اسم الجنجويد تاني ما بتمحي منكم ملتصق فيكم كدا ليوم تفرون ،، اولا العروب او ام باغة ناس غير ثوريون بطبعهم وقد اوجدهم الظروف في مكان قوة دائما اما بسلطة او دعم لوجستي كما لتجمعكم العروبي له دعم من دول عدة ، وطبعهم الانساني ضعيف جدا ، واي عروبي اذا التحق واصبح ثوريا فأن ثوريته لا تتعدي حدود مكاسب ومصالح كعلي وافي ،، والعروب طبعهم كذلك ليس لهم صبر ثوري لو قدرنا نطلق عليهو كدا يعني هم دايرين النتائج بأسرع وقت ممكن بأي طريقة كانت ، وكل ذلك بالاضافة الي توهم أغلبيتهم بأن الدولة حاليا في يدهم طالما المركز عربي جلابي اسلامي فذلك يعني انهم في موضع قوة ، ارجو ان تكون قد فهمت يا جنا عرب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..