وقفة أخرى مع الجرائم الصحفية

كانت جريدة ?ذا غارديان? البريطانية، وعلى مدى نحو 70 عاماً متصلة، تتميز عن بقية صحف العالم، بأنها تعج وتضج بأخطاء الطباعة، بدرجة أنها أخطأت في اسم نفسها ذات مرة وكتبته بحيث يُنطق ?غرونياد?، وصارت معروفة لدى قرائها الكثر وموزعي الصحف بذلك الاسم.
تذهب الى بائع الصحف، وتقول له اريد غرونياد فيعطيك ذا غارديان، وعندما اشترت مطبعة حديثة قبل نحو 15 سنة وأحدثت تجديدا في ?الترويسة?، أي تصميم الاسم والشكل العام لصفحاتها، واختفت الأخطاء واحتج على ذلك عشرات الآلاف من قرائها، الذين ما كانوا يأبهون لوجود تلك الأخطاء ويعرفون أنها تنجم عن مشكلات فنية.
وقنواتنا التلفزيونية تشابه ذا غرونياد في الفتك باللغة، وتتفوق عليها في الفتك بالمحتوى، فالتنويهات كثيرا ما تحوي جرائم املائية ونحوية، بدرجة أن إحداها كتبت على شاشاتها اسم الجلالة بالتاء المربوطة. هكذا ?اللة?
في مهرجان البركل العام الماضي، وقف مسؤول رفيع، يوزع الوعود والإعطيات الافتراضية. (استدراك: أنصح الإعلاميين الذين سيغطون مهرجان هذا العام، أن يربطوا ويزبطوا علاقاتهم مع المطرب السامق الشاهق محمد النصري، الذي اكتشف العام الماضي انه ما من جهة فكرت في إيواء الصحافيين فاقتادهم الى بيته ووفر لهم القوت والمأوى). المهم أن ذلك المسؤول قال إنه يتحدث كمسؤولٌ (لُن) بتنوين بالضم على اللام.
والراجح عندي أن الرجل رأى أن تعريض مسؤول كبير مثله للكسر والجر، بحرف كحيان مثل الكاف لا يليق به، وقد استمعت ذات مرة للرئيس الراحل جعفر نميري يقول عن بعض خصومه العسكريين: ?اقتحموا? بدبابةٌ? تُن دلللل، فجاءت كلمة دبابة بتنوين بالضم، ووجدت له العذر فهو كعسكري لا يمكن أن يرضى لحرف الباء أن يجر ويكسر دبابة
وفي بلاد عربية كثيرة، يعاني الصحافيون كثيرا كي يجعلوا خطب زعماء بلدانهم مفهومة وصحيحة لغوياً، ولكنهم بذلك يفضحون الزعماء، لأن نص الخطبة يأتي بصيغة مختلفة في كل جريدة، ويقعون في مطبات محرجة لأنهم يرتجلون الخطب، بنفس الطريقة التي يرتجلون بها السياسات، فيكون لسان الواحد منهم حصاناً جامحاً يرفس ويهرس اللغة.
ومن عيوب إدارات الصحف أنها تجعل المصححين شماعة لكل خطأ فادح، مع أن المصحح يطشش من قراءة مئات الآلاف من الكلمات، ويتعرض دماغه للتربسة كلما كثرت الأخطاء، ومن ثم تفوت عليهم حتى عناوين من شاكلة: ريجان يقبل وزيرة الطاقة، بينما المقصود: يقيل استقالة وزيرة الطاقة.
والمثال السابق والأمثلة التالية عن أخطاء ارتكبها من يتولون الصف (الطباعة)، وفاتت على كبار المحررين والمصححين منقولة عن صحف عربية: الملياردير يبيع أخته، بينما كان الرجل ?يبيع يخته?.. ونتلقى إهاناتكم ومساعداتكم على الحساب رقم..، والمقصود: نتلقى إعاناتكم! والمتفجرون في الحفلة، بدلاً من ?المتفرجون في الحفلة?.
ويحكي البسيوني قصة خطأ طباعي طريف: كان أيام الرئيس عبد الناصر سفاح مصري مدوخ مصر، لدرجة أن عبد الناصر قال لأحد مساعديه وهو على سلم الطائرة مسافرًا للهند: أرجو أن أعود وقد قبضتم على السفاح! وبالفعل تم في نفس يوم سفر الرئيس ملاحقة السفاح وقتله، ولأهمية هذا الخبر تم إيراده في سطر قبل خبر سفر الرئيس، دون أن ترك فاصل بينهما، فنزل الخبر في الصحيفة وبالبنط العريض على النحو التالي ?مصرع السفاح عبد الناصر في الهند?.
أما الصحفي السعودي محمد بن عبد الله الحمدان فقد رصد عدداً من الأخطاء الصحفية الظريفة: (سيعلن أسس الدستور) أصبحت (سيلعن أسس الدستور) و(صاحب المقام الرفيع) أصبحت (صاحب المقام الرقيع)، و(عمامة ملونة) أصبحت (عمامة ملوثة)، و(الرئيس المؤمن) أصبحت (الرئيس المدمن).
الراي العام
دون أن ترك ) وها انت قد اخطأت في هذا ايها الرجل الهمام
ريجان يقبل وزيرة الطاقة، بينما المقصود: يقيل استقالة وزيرة الطاقة. اها ابوالجعافر فسرها لي