أخبار السودان

الخرطوم من مريم ماكيبا وأم كلثوم.. إلى عائشة أم ضنب..!!..أحياء بإسم حكومة دقست وقانون مافى و حدائق مثل حبيبى مفلس وابوى بيشوفنى والكشة جاتنا..!!

كانت خرطوم الستينيات والسبعينيات زينة المدائن.. جميلة ونظيفة تسر الناظرين.. كان سكانها محدودين وحدودها معروفة والجمال يمتد حتى لاسماء الاحياء والحدائق.. العمارات وحى الزهور وحى الصحافة واسماء الحدائق الريفيرا والنيلين والقرشى … ولم تكن هناك احياء مثل حكومة دقست وقانون مافى ولا حدائق مثل حبيبى مفلس وابوى بيشوفنى والكشة جاتنا..!! وكان سكان كل حى يعرفون بعضهم، بل وحتى سكان الاحياء المجاورة وبالرغم من انهم من قبائل مختلفة، فقد صهرتهم الخرطوم واصبحوا كاسرة واحدة متعاضدة متكاتفة لها كبارها ومضحكوها وحتى صعاليكها.. والمواصلات متوفرة والشوارع معبدة والمواطنون يحبون ويتعاطفون مع بعضهم البعض، والسواقة كانت ذوقاً، وكان من الطبيعى ان تتوقف عربتان فى تقاطع وكل سائق يعزم على الآخر ان يتقدم اولاً.
وكان التعليم الحكومى هو الاصل، والفصول غير مزدحمة والتعليم مجاني، والمعلم مؤهل ومؤتمن ويؤدى واجبه بالتزام. وكنا لا نعرف الدروس الخصوصية. وكانت درة التعليم وسنامه الجميلة ومستحيلة جامعة الخرطوم التى يدخلها الطالب بالبوكسنق ولا يدخلها لانه دباب فرقع دبابة «حسب افادات مدير الجامعة الاخيرة» ولم تكن الجامعة مؤسسة تعليمية فقط وانما كانت منارة ثقافية.
وكانت الندوات الادبية تعقد فى منتديات العاصمة، وتعطر أجواءها كلمات محجوب شريف وتاج السر الحسن وعثمان خالد وهاشم صديق، والليالى السياسية فرسانها الشريف حسين الهندى وعبد الخالق محجوب والمحجوب.
وكانت المستشفيات فى العاصمة مؤهلة واطباؤها مميزين ومخلصين، والعلاج مجانى، ولا يسافر المرضى للخارج لطلب العلاج، ولم تعرف الخرطوم المستوصفات والعلاج التجارى.
وكانت الخرطوم تعمل نهارا وبجد ونزاهة، وتسهر ليلا على انغام مصطفى سيد احمد ووردى وكابلى وابو عركى البخيت مع البنت الحديقة والحنينة السكرة ويا هاجر.
وكانت حدائق الخرطوم تتفتح فيها الازاهر وتفوح منها العطور، وهى تحتضن قصص الحب البرئ، لا تكدرها شرطة شعبية او مجتمعية او نظام عام، فقد كانت الخرطوم آمنة ونظامها محفوظ قبل هذه المسميات.. فالخرطوم كانت تبارك كل الاديان الاسلام والمسيحية واليهودية، وحتى المجوسى يمارس طقوسه فى حرية.. والخرطوم كما احتضنت كل الاديان كانت تحتضن وفى حنان كل الاجناس الامريكى والاوربى والآسيوى والافريقى يتمازجون فى مؤسساتها العلمية وفى اسواقها، ويسهرون سويا فى النادى اليونانى والالمانى والامريكى والهندى، وكانت صالة غردون «جى. ام. اتش». تستقبل اعرق فرق الموسيقى الاوربية لتنشر الطرب الراقى فى اجواء الخرطوم.
والخرطوم استضاف مسرحها القومى فريد شوقى وفهد بلان وطربت بغناء مريم ماكيبا والست ام كلثوم. وفى قاعة الصداقة سعدت الخرطوم بنزار قبانى وعبد الرحمن الابنودى.
ولم تكن ايام الخرطوم كلها لهو وطرب.. فالخرطوم كانت مناضلة وتاريخها حافل بالمواقف الوطنية، وكان رجالها ابطالا لا يعرف الخوف طريقه الى قلوبهم، فقد اسقطوا نظامين عسكريين وسكبوا دماءهم رخيصة من اجل الحرية والديمقراطية، ووقفوا مع لوممبا، وساندوا مانديلا، واستقبلوا عبد الناصر بعد النكسة استقبال الابطال، فكانت اللاءات الثلاثة، واسسوا بموقفهم هذا للصمود ورد العدوان.
وكانت الخرطوم مسالمة لم تتلوث يداها بكثرة جرائم القتل واغتصاب الاطفال.. واذكر اننا احصينا جرائم القتل فى سنة من السنوات فى كل منطقة الثورات فكانت اربعا كلها ارتكبت فى منازل الخمور، اى ان مرتكبيها كانوا فاقدى الوعى.
أما خرطوم اليوم خرطوم الانقاذ، فهى خرطوم اخرى خرطوم مشوهة.. خرطوم مسخ.. خرطوم شيطانية.. ترتدى لبوس الرهبان وتفعل افعال الشياطين.. خرطوم كسيحة متسخة تمتلئ شوارعها بالعربات وحوادثها نهارا، وبالرعب ليلا، حيث تنتشر فيها عصابات النيقرز التى تهاجم الحدائق العامة والاحياء فى تحالف مع حيوانات مفترسة مجهولة الهوية، وقيل ان احدهم اتى بها لتزداد ملياراته، وعندما فشل مشروعه كما فشل مشروعهم الحضارى، اطلقها فى شوارع العاصمة لشىء فى نفسه ونفس يعقوب، فعضت واكلت ومازالت تسرح وتمرح تنشر الخوف المطلوب.
خرطوم اليوم تتطاول فى البنيان الحرام، ورغم هذا الشغب العمرانى «كما اسماه منصور خالد»، فإن المئات من الاطفال ضحايا الحروب يعيشون فى المجارى ويأكلون من النفايات.. وخرطوم اليوم بلا قلب وبلا ضمير، فالمئات من اطفالها الأبرياء غير الشرعيين يلقون حتفهم فى مكبات النفايات وتأكلهم الكلاب.. ويا لعار الخرطوم التى حجزت فى أحد مستوصفاتها جثمان القاضى العادل العالم صلاح حسن، ورفض المستوصف دفن الجثمان الا بعد الدفع، ولم يشفع للجثمان الطاهر ان اليوم جمعة والبنوك مغلقة.
خرطوم اليوم نضب فيها الابداع وجفت فيها منابع الشعر، واصبحت تكشف مع أغنية القرد… القرد… والنبق.. النبق.. وترقص على انغام راجل المرة حلو حلا.. وانقطع سيل المبدعين عن زيارتها، وأصبح زوارها رجال غسيل الاموال وتجار المخدرات الدوليين.
وترهلت الخرطوم واصبحت لها كروش وشلاضيم وبلا حدود.. وتفوح منها رائحة الفساد النتنة والمال الحرام.
وغاب عن الخرطوم دورها السياسى.. والخرطوم التى هزت نظام نميرى عندما زاد السكر قرشاً صمتت فى لا مبالاة عندما زيد السكر الف جنيه !!
لقد افتقدنا الخرطوم الجميلة الرائعة الشجاعة التى كانت تخيف الحكام، ونحن نعيش اليوم فى خرطوم تنام مبكرا خائفة مرتجفة من كلاب مفترسة ومن عائشة ام ضنب !!
وكما قال المبدع الطيب صالح: الخرطوم الجميلة مثل طفلة اصبحت تنام منذ العاشرة، تنام باكية فى ثيابها البالية ينيمونها عنوة…… لا أضواء من نوافذ البيوت لا حركة فى الطرقات ولا ضحك فى الحناجر.. الأمن مستتب.
من هؤلاء؟
ومن أين أتى هؤلاء؟
٭ قاضى سابق

محمد الحسن محمد عثمان
الصحافة

تعليق واحد

  1. يا سعادة القاضى
    الف شكر على هذه التخريمة الى ذلك الزمن الجميل الذى عشناه والحمدلله الذى لايحمد على مكروه سواه ,, بالله شوف الفرق بين ذلك الزمان وهذا الذى يعيشه ابنائنا ,, كانت امدرمان حكاية يرويها الكحلاوى وكان كل شىء جميل ,, الله يرحم ذلك الزمن الجميل ,, وهل من عودة ؟ لا أظن .
    اكرر الشكر فقد جددت فينا الذكريات .;)

  2. قريب ده حتسمعوا اغنية جديدة من تأليف (قدوا أضانا) و ألحان (جلد كديس) و تؤديها المرهبة العياطة ( فرامة مربع 47 باللفة زلط) ن قام بالمتويل الشليك النيجيري و لا عجب أن تعتزل الغناء حنان النيل مع إعتذاري لذكرها في هذا المقام.. و مع الطفح الحاصل بالفنانات و رحمة بالمستمعين فتحنا مكتب استشاري للتعافي من الإستماع الضار و لدينا أدوية فرز يعني اليبلع الحبوب دي أضانو بتبقى طرشه من الغناء الهابط

  3. زمنا……………؟الزمن الجميل ؟ياحليل زمان ؟طيب ماكفايه فكونا خلاص والنتيجه اهى ازمات سياسيه فنيه رياضيه فكريه .اجيال النقه والمنضمه.

  4. يفترض أن يقدم كل الجيل المترف إلي محاكمة بسبب ما جنوه في حق السودان الوطن
    وبحق الأقاليم التي كانت تمثل البقرة الحلوب للخرطوم التي يتباكى هذا على ما آلت إليه من تدهور وانحطاط , فلو أن (المثقفين) هولاء اعطوا الاقاليم حقها من التنمية مقابل ما ترفدهم به من خيرات لما تجشم أحد الي خرطومكم هذة التي تتباكون عليها . ولكن هذه سنة الله في عباده (واذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً ) هذا ما جنته أيديكم يا ناس خرطوم الستينات والسبعينات!!!.
    نحن أبناء اليوم ــ الشؤم ــ فلا الخرطوم حالها يسر ولا الاقاليم والسبب هو نظرة المتنفذين طوال فترة الحكم التي مر بها السودان بأن السودان هو الخرطوم , نأمل يعود المجتمع بكليته لمواجهة هذا الكابوس الذي يسيطر على الكل, من يسكن الخرطوم أو الاقاليم النائية التي تفتقر لأبسط سبل الحياةالتي تفتقر لأبسط سبل الحياة
    التي تفتقر لأبسط سبل الحياة, أين الطرق , أين المستشفيات, أين المدارس والمعاهد ,أين وأين….وأين.؟؟؟ هل تعلم أن البعض إذا أراد أن يسافر من خرطومكم هذه يلزمه عسرة أيام بلياليها حتى يصل الي داره في ظروف الخريف هذه؟؟؟ وبرضوا تتباكوا على خرطومكم!!!!
    نعيب زماننا والعيب فينا / وما لزماننا عيب سوانا

  5. وهل اضاع السودان الا هولاء من الذين اضاعو السودان واورثوه لنا جثه هامده اليسو هم من تمتعو بالزمن الجميل فكونه عليكم الله بلا زمن جميل بلا لخمه معاكم

  6. انت اخر واحد وافد الى العاصمة ناس الكوم زيدو ردوم واجعك كلام الراجل هو ما قاصدك انت لكن الفيه ابو الحرقص براه بيرقص

  7. اكتر اللحظات اللي بكجن فيها الزمن الجميلو سيرتو لما اكون مسافر و يقعد جنبي عمك كبير في السن ويكون واحد زعاااااط ومعاط ويقعد يحكي ليك عن زمان وايام زمان وقت السكر كان بالراس واللحمه كانت بالوقّّه وما عارف شنو داك كان بقرش وداك بمليم , لو بقيت شايل كتاب يحميك القرايه ولو عاوز تنوم يحميك الغمضه…
    الله يرحم الزمن الجميل ويرحمنا من سيرتو….

  8. صدقنى يا سيادة القاضى ان الخرطوم ستعود الى حالتها بعد الانفصالات القادمة وسيعود ذلك الزمن الجميل ..

  9. الاخ المحترم زكر الحقيقة كاملة لقد شوه هؤلاء العتقالة الحهلاء مدينة الخرطوم الوديعةالهادئة شوهوها بدجلهم ونفاقهم واوهامهم حقا من ابن اتى هؤلاء الابالسة ان حواء السودان التى انجبتالامام المهدى والازهرى والمحجوب وابوعنجة فرانسيس دينق وبابكر بدرى وخالدة زاهر لا يمكن ان تنجب مثل هؤلاء الجلاوزة الزين اضروا بالبلاد والعباد مناين اتى هؤلاء المجرمين ليدنسوا تراب الخرطوم النفىء ازهبوا الى مزبلة التاريخ ارحلوا عنا لا نريد ان نرى وجوهكم واشكالكم البائسة

  10. ما هذا يا مولاهم القاضي السابق ؟ يبدو أنك من الذين يفسرون مجريات الأحداث مادياً ( التفسير المادي للتأريخ ) الا يعجبك أي شيء غير ما ذكرت من أصحاب الزمن الجميل ( والكاس الجميل ) ؟ إنكم تريدون أن يتفرمل التاريخ والزمن عندكم ويصبر حتى ينقرض جيلكم والذي يليه وتظل الخرطوم ( بااااااااردة لكم ) حتى تتمهلوا وتسهروا وتشبعوا وتتشيوعوا وتستريحوا لقصائد ( شاعر الشعب ) ( وتشربوا ) وتسمعوا حتى الثمالة لأغنيات ( فنان إفريقيا الأول !! ) وتقرأوا كما تشاءون مع التلذذ من ( كتاب رأس المال ) وتراجعوا السوابق القضائية في ( راتنلال ) والأولد بيلي ( وفيبسون إن إيفيدنس ) وتستمتعون بذكر هذه الكلمات التي هي عندكم طنانة ورنانة وترطنون اللغات الأعجمية لمواطن أمي لم يفك الحرف ولا يعرف ( الواو الضكر) لأنكم تريدون أن يتوقف التعليم عندكم !! وتصدرون مع ذلك الأحكام القضائية باللغة إياها وتدونون الأحكام النهائية في ال ( إس إل جي آر ) بنفس اللغة !! يا هؤلاء إرعووا !! والإستحوا ماتوا;) :o

  11. لك منى ومن اوفى كل التحيه مولانا , هى ام لنا هذه المدينه الجميله الخرطوم
    قد تراعرعنا بين اذقته ونلنا ما يكفى من حنينها , ولقد تعلمنا من شوارعها واهلها الاصيلين معنى الكفاح وعلمنا نيلها الصبرز
    ثم قالت لنا بعدها .سوف ياتى ذمن جديد قد لا تعرفنى فيه كما كنتم .؟ للحبى لكم اتركونى وتتلذو بما بقى من الزكرى انتم وابناكم . عفوا لقد اسرونى واستباحو دماءى فى منتصف اليل ولاكن اعلم انكم سوف تتاتون غريبا ابناءى للتفكون اسرى و تعطو لك من قمعنى وشوه ما هو جميل فى انثوتى درسا من الماضى… اعلمك تماما وباسماءكم كلها فانتم ابناءى الذى انجبتكم من ضلعى…. اسفا اسفا لاحتضانى ليس طوعا لمن هم غير شرعييين منكم طواله هذه السنين …..
    اخيرا وليس اخرا… لاننا سوف نبدا من جديد تقول :-
    (ولا هذى ولا تلك ولا النيا بما فيها , يساوى ملتغى النيلين فى الخرطوم يا سمرا)-

    تحياتى من الخارج مع عشقى لك يا وطن .

  12. الى النواهي الحامدي
    ماهذا الكلام الذي يقطر عفنا وحقدا وتفوح منه رائحة الانقاذيين البغيضة
    ماذا فعلت الانقاذ للقضاء
    لقد ذبحت القضاء في مجازر الاحالة للصالح العام
    وعندما احتاجت للقضاء المحايد النزيه عند ازمة المحكمة الدولية لم تجده ولم يغفر لها العالم مجزرة القضاء
    ماذا يوجد الان بعد ان ذهب القضاء
    يوجد الفساد الذي لم يجد من يردعه … نامت نواطير مصر عن ثعالبها
    صدق من سماكم نظام الملوص
    وستعرفون بهذا لاسم عبر التاريخ
    قبح الله وجوهكم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..