معوقات النمو في الشركات العائلية

تختلف الشركات العائلية عن الشركات الأخرى في أمور كثيرة ، ولكنه ودون أدنى شك فإنّ ثمة قاسماً مشترك بينهما، وهو ضرورة تحقيق النمو في الشركة، وبالنظر إلى الشركات العائلية نلاحظ ، وعلى الصعيد النظري والواقعي، وجود معوقات كثيرة للنمو قد تتلخّص في نشوء التجمعات والتكتلات الإدارية داخل الشركة، وهذه تؤثر بشكل مباشر على أداء الشركة ونموها التطوري، حيث إنّه وفي ظلّ وجود هذه التجمعات أو التكتلات يصبح المدراء التنفيذيون في الشركة أقلّ ديناميكية وأكثر بيروقراطيّة، الأمر الذي ينعكس على المردود الإجمالي للعطاء الإنتاجي للشركة. وكذلك سعي أفراد العائلة والذين هم مالكون للشركة للسيطرة على مبادرات النمو وعدم السماح لأشخاص من خارج الشركة بأنْ يؤدّوا دور أصحاب المبادرات، علماً بأنَّ النمو المولد من داخل الشركة يعتمد بشكل أساسي على عدد من مسائل الثقافة التنظيمية السائدة والتي يجب أنْ تتحلّى بالمهنية وتتخلى عن العاطفية.
إنَّ الاهتمام بالشركات العائلية ، وبدعم نموها ، يتأتي من أنّ الشركات العائلية، كانت وما زالت، تلعب الدور الأهم والحاسم في اقتصاديات العالم ، وقد أسهمت وبشكل ناجح فيما مضى، غير أنّه وفي ظلّ التطورات الاقتصادية الحادثة والتي ما زالت تعصف بالعالم، يصبح من المهم وحتى بعد المعافاة التامة من آثار العاصفة الاقتصادية، أن تنتبه الجهات الرسمية والقائمون على أمر الشركات العائلية بدراسة معرقلات ومعوقات نموّها بشكل منهجي وواضح حتى تتجنّب الشركات العائلية، وكذلك الدول، التأثيرات السالبة التي قد تصيب الاقتصاديات نتيجة لتحكم وتفشي معرقلات النمو. وسبق أنْ أوردنا في مقال سابق أنّه وإذ سمح الماضي ببعض الأخطاء فإنّه وفي ظلّ النظام العالمي الجديد فإنّ الأخطاء الصغيرة قد يكون ثمنها الثروة، ليس هذا فحسب بل وندبات كبيرة في اقتصاد الوطن.
ويبرز اليوم نموذجٌ جديدٌ لأفضل الممارسات في الشركات العائلية، وهو يقوم على التخطيط المتوازي للعمل والعائلة، ويقصد بالتخطيط المتوازي أنْ يكون هناك عدد من العمليات المرتكزة على اتخاذ القرارات، وبلورة الهدف العام للشركة والعائلة، والإدارة الإستراتيجية لهما لتكون النتيجة النهائية لهذه الأعمال هي خطة إستراتيجية موحّدة بين العائلة والعمل، وتكون قادرة على زيادة قيمة الشركة الاقتصادية إلى أقصى حدّ في المدى الطويل، وتتضمن عملية التخطيط المتوازي عدّة مراحل من خلالها يتحتّم على العائلة أنْ تسعى إلى توليد رؤية عائلية مشتركة تعبر عن قيم العائلة، وتوضح في الوقت ذاته التوقعات المستقبلية لها وبشأن نمو أعمالها. وفي نظرنا أنّه لن تتأتى عملية توليد الرؤية المشتركة للعائلة إلا عبر الاجتماعات العائلية والتواصل الحرّ مع تدوين ميثاق عائلي مكتوب يعبر بالتمام عن أساليب الإدارة التي يجب أنْ تتبع ويتعهد فيه القائمون على الإدارة بأنْ يبقوا ناشطين وملتزمين بهذه الأساليب. ومن جهة أخرى فإنّ التخطيط المتوازي يتضمن منهجية توضح الكيفية التي تتخذ بها العائلة للقرارات والأسس المتعلقة بطريقة اختيار الأفراد ومشاركتهم في التنظيم والإدارة، وهنا يتحتم على الشركات العائلية أنْ تتجنّب العواطف التي تتميز بها العلاقات العائلية وأنْ يتمّ بناء أسس الاختيار على أساس الكفاءات مع إطلاق عملية فاعلة لإعداد الأشخاص الذين سيتولون الخلافة في المستقبل.
نعم إنَّ المزج بين العائلة والعمل يثير تناقضات كثيرة، غير أنّ العائلات التي تمتلك أعمالاً ناجحة دوما هي التي توفق بين هذه التناقضات وبين التفكير غير الفطري والممارسات غير التقليدية، وتحاول عبر عدة طرق أن تتفادى معوّقات نموها لتنطلق لآفاق أرحب من الاستقرار والتقدّم والسيطرة على الخلافات، لا نقول هنا بعدم وجود الخلافات لأنّ الخلاف أمرٌ طبيعي في الشركات العائلية، ولكن تتمُّ السيطرة عليه عبر توفيق نظامي العمل والعائلية، فنظام العائلية يعتمد على العواطف والولاء والمساواة، ويمكن إنْ تستمر العضوية فيه مدى الحياة بغض النظر عن جودة الأداء ، أما نظام العمل فإنّه يعتمد على المهنية والتفكير المنظم وأنّ العضوية فيه يجب أنْ تتأثر بجودة الأداء والكفاءة وعبر التوفيق بين النظامين تستطيع الشركة العائلية أنْ ترسم طريقاً نحو النمو والاستمرارية.
أسامة رقيعة
كاتب ومستشار قانوني
[email][email protected][/email]
الاخ الاستاذ اسامة
تحياتي واحترامي و شكرا لطرح هذا الموضوع الحيوي للنقاش العام في هذه المساحة .
صحيح لقد حققت الشركات العائلية في الحقب الماضية نجاحات طيبة وصارت رافدا مهما لدعم وتنمية اقتصاديات دولها وما زالت تقوم بدورها الرائد في ظل التنافسيه المحتدمه بين الشركات في هذا العصر بما يشهده من انفتاح تجاري و اقتصادي والاقتصادي .
ومن ثم فقد آن الأوان للتفكير جديا في كيفية الحفاظ على المؤسسات العائلية وتحفيزها للمنافسه والتوسع داخليا وخارجيا والنظر الى مستقبلها في حالات انتقال ملكيتها الى الجيل الثاني او الثالث من العائلة المؤسسة لها الامر الذى قد يفضي لتهديد بقائها وإستمراريتها ومن ثم فلا مناص من البحث جديا عن الوسائل الفاعلــــة للحفاظ علـــــــى هذه الكيانات وإستحداث آليات نموّها لتنويع وزيادة فعاليتها لا سيما في ظل تحديات المنافسة التجارية التي يشهدها الاقتصاد الدولي آنئذ فضلا عن الظروف والمعطيات التي تواجهها نتيجة إنتقال ملكية هذه الشركات العئلية من جيل لآخر وما يستصحب ذلك من تحديات وتغيرات كبيرة قد تؤثر في مستقبل وجودها . إن خيار تحول الشركات العائلية الى شركات مساهمة عامة يعد افضل الخيارات المتاحة للمحافظة على استمراريتها واداء دورها في عملية التنمية وتعزيز قدرتها على النمو والتوسع والمنافسة وامامنا الكثير من الشواهد المشرقه اليوم ممثلة في شركة نوكيا وسامسونج و ابّل وغيرها .
الاخ الرقيعة
صباح الانوار
ثمة دراسة تفضل بعرضها احد الباحثين في هذا الموضوع يقول فيها ( أن الشركات العائلية ركيزة أساسية للاقتصادات في دول مجلس التعاون الخليجي وذلك من خلال سيطرتهاعلى نسبة تصل 75% من نشاط القطاع الخاص في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا وفق آراء الخبراء في هذا الصدد، حيث نجحت بعض تلك الشركات العائلية بتأسيس علامة تجارية لنفسها خلال السنوات الماضية، الأمر الذي اكسبتها شهره إقليمية ودولية مميزة وذلك بفضل اعتمادها وتطبيقها لافضل الممارسات العالمية في إداره أعمالها.
كما أن هذه الشركات تستوعب اليوم في دول المجلس ثلثي القوة العاملة، وبذلك تمثل ركيزة اقتصادية واجتماعية رئيسية، وأنها ستبقى كذلك لأمد طويل في ظل الانتشار المحدود للشركات المساهمة الكبرى، خاصة إذا نجحت في مواجهة التحديات الماثلة أمامها في عصر العولمة والانفتاح الاقتصادي، والتطور التكنولوجي ومتطلبات الاندماج في حركة السوق العالمية، وأن تواكب حركة التغيير العالمية حتى يمكنها الاستمرار والمنافسه أمام الشركات الأخرى. وقد نجحت بعض تلك الشركات في تقديم تجربتها الناجحة إلى العالمية، وتعاملت بكل حرفية مع المتغيرات والتحديات التي مكنتها من تجاوز أصعب المراحل المتعلقة بالازمات الاقتصادية عصفت العالم خلال السنوات الماضية.
ووفق بعض البيانات المتاحة فان الشركات العائليّة تشكل دعائمَ الاقتصادات العربيّة في ظلِّ سيطرة الشركات المملوكة للعائلات على نسبة 70% إلى 90% من نشاط القطاع الخاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، فيما استطاعت بعض منها في تأسيس علاماتٍ تجاريّة اكتسبت شهرة إقليميّة ودوليّة في آن بفضل اعتمادها أفضل الممارسات الدوليّة، الأمر الذي يتطلب اليوم تأمينَ استدامتها واستمراريّتها في المنافسة العالمية، خاصة وأن بعضها سُجّلت حالاتٌ التعثر والانهيار نتيجة عدم قدرتها في التكيّف بالسرعة المطلوبة والكافية في ظل العوامل المتغيّرة التي شهدتها المنطقة العربية والخليجية.
ففي دول مجلس التعاون الخليجي هناك تفاوت في عدد الشركات العائلية من دولة إلى أخرى، حيث تتراوح النسبة في الغالب لإجمالي عدد الشركات العائلية من 68% إلى 92% من عدد الشركات العاملة في دول المنطقة. كما أن بعض الأرقام الاخرى التي تتحدث عن الشركات العائلية في دول الخليج تشير إلى أن 98% من حجم الشركات الموجودة هي شركات العائلية، وأن هناك مليارات من الدولارات مجمدة في الشركات العائلية بسبب النزاعات الداخلية، أو بسبب المشاكل السياسية مع دول أخرى. كما تشير إلى أن 33% من افرادها من الجيل الثاني للعائلات تدير هذه الشركات، و15% من الجيل الثالث، و4% من الجيل الرابع من العائلات بالاضافة إلى المؤسسين. كما يرى البعض أن وفاة مؤسس الشركة أحيانا قد تسهم بشكل كبير في تشتت الشركة أو انهيارها أو فشلها أو تراجع نجاحاتها.
فالتجارب التي تتحدث عن الشركات العائلية في دول الخليج توضح أن هناك العديد من الفوائد لاستمرارية الشركات العائلية منها استمرار نمو الثروات في ظل العائلة وأثرها الفعّال على الأسرة عموماً، وهي تكون هنا أكبر مما لو كانت متفرقة بين الأفراد. ويؤدي ذلك أيضا إلى تنمية أبناء العائلة في ظل الثروات والبيئة التي حباها الله للمؤسسين، وتستطيع تلك الشركات احتواء عدد أكبر من الأجيال تحت مظلة الشركة وتوفير الوظائف لأبنائها في ظل قلة فرص العمل في المؤسسات والشركات، بالاضافة إلى أنها تستطيع المحافظة على الثروات بروح الجماعة وليس الفردية، وتزيد من الترابط العائلي، وبقاء مكانة العائلة التجارية في المجتمع، بجانب إتاحة الفرص لأبناء العائلة المجيدين في إبراز إمكاناتهم وإبداعاتهم، وتوفير الروح الجماعية والمشاركة في اتخاذ القرار والمخاطرة مما يخفف العبء على أفراد العائلة.
وفي مقابل ذلك تواجه الشركات العائلية اليوم عدة تحديات أمام في دول الخليج تتمثل في خطّة التعاقب الوظيفي بين مؤسسيها وأفرادها، وكيفية تقليص المناصب في ضوء زيادة عدد أفرادها، بالاضافة إلى تحدي السيطرة والتحكم، وكيفية مواجهة تحدي المنافسة، والخروج بأقل الخسائر في ظل الازمات الاقتصادية التي تواجه العامل بين الفينة والاخرى، بالاضافة إلى كيفية حل النزاعات الداخلية وفي اختيار المرشحين لمجالس إداراتها.
ومن هذا المنطلق فلا بد للقائمين على هذه الشركات المحافظة على استمراريتها وإنمائها لتتمكن من المنافسة في ظل العولمة من خلال صياغة وبناء الإطار القانوني المتكامل المناسب لبيئة العائلة، وتكوين نظام عائلي مؤسسي متكامل يدير علاقات أفراد العائلة فيما بينهم، فيما يتعلق بشؤون العائلة الداخلية والاستثمارية، وضرورة الالتزام برؤية واستراتيجية لمسار استثمار أموال العائلة، مع مراعاة بأن تكون لديها الرؤية والاستراتيجية الطموحة للمستقبل، فيما يتطلب من أفرادها القبول بمبدأ التضحية لتحقيق الهدف الأسمى لتلك الاستراتيجية التي يجب أن تتحول إلى خطط تنفيذية متوسطة وقصيرة الأجل، وضرورة إيجاد آليات التدقيق والمتابعة، ومواصلة العملية التطويرية والرقابية، وتوفير البيئة المشجعة لاستقطاب المتخصصين والكفاءات من خارج العائلة في وظائف قيادية وتفويض السلطة لهم.
ولا شك بأن هذه الأسس سوف تعمل على استمرارية الشركات العائلية في أعمالها وخططها، وإلا سوف تصاب بالفشل في حالات أخرى خاصة إذا ضعفت روح التأسيس لدى أصحابها، او توسعهم في مشاريع استثمار غير مجدية، أو عدم قدرة أصحابها على إدارة تلك المؤسسات من الاجيال الجديدة، أو تسرب كفاءات أبنائهم إلى خارج الشركات لعدم توافر البيئة المناسبة، أو نتيجة لانعدام نظام الحوافز العادل داخل الشركات مقارنة بسوق العمل، أو بسبب تداخل البعد العائلى مع البعد الاستثمارى أي المحاباة بين الأقارب، وعدم الإيضاح والشفافية لكثير من المعلومات بين أبناء العائلة فيما يتعلق بالشركات.
وعموما فان هناك اليوم عدة تحديات في عصر العولمة والنظام الاقتصادي العالمي الجديد الذي أزال كافة صور الحماية والدعم والاحتكار، وعمل على تنشيط أسواق مفتوحة، منافسة شرسة، الأمر الذي يتطلب تهئية الشركات العائلية لمواجهة تلك التحديات بصورة تستطيع ضمان استمرارها ونموها في هذه البيئة)
لكم مني أطيب الاماني