أخبار السودان

«ثور» في مستودع خزف سوداني

معاوية يس

لم يحدث في تاريخ السودان السياسي الحديث على مدى ستة عقود أن تولى حكمه رئيس يجيد زلات اللسان بطلاقة يحسده عليها سكان المدن الشهيرة بألسنة سكانها الفالتة، ولم يمر على السودان يوم نجح فيه رئيس يحكمه في استقطاب كم هائل من العداوات والثأرات والغيظ المكظوم حدّ الانفجار، ولا عرف السودانيون منذ رحيل الاستعمار البريطاني من بلادهم رئيساً يمكن إعطاؤه الدرجة الكاملة في تقسيم صفوف مواطنيه، وتفتيت حدودها التي ورثها من أسلافه ومن المستعمر.

وحده المشير عمر حسن أحمد البشير حقق تلك الأرقام القياسية التي ستضاف إلى سجل أدائه في رئاسة بلاده، فقد سمعه السودانيون يصف مواطنيه المعارضين لحكمه بأنهم أنجاس وسكارى، وأن عليهم الاغتسال بماء البحر قبل أن يمد يديه إليهم، وحين وُوجِهَ بصدور قبض دولي بحقه إثر اتهامه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية لشعب دارفور، ردّ بأن على المجتمع الدولي أن يبلّ ورقة القبض عليه بالماء ويتجرّعها!

ويوم طالبت فرنسا وبريطانيا المجتمع الدولي بتنفيذ أمر القبض الدولي الذي جعل الرئيس السوداني يرقص في «قفص» محدود، فوجئ السودانيون برئيسهم يعلن أمام عشرات الآلاف من مواطنيه أن فرنسا وبريطانيا وغيرهما من الدول الغربية تحت حذائه!

وأمس القريب سبّ البشير مواطنه مالك عقار، الحاكم المُقَال لولاية النيل الأزرق، القيادي في الحركة الشعبية المعارضة، في خطاب أمام الجماهير، واصفاً إياه بأنه «ثور» وبأن بدنه ضخم لكن رأسه صغير.

كل تلك الردود والطلقات اللفظية الطائشة ليست من شيم السودانيين وأخلاقهم في شيء. صحيح أن السوداني عرف بحميَّته وهبّاته من أجل كرامته وإنسانيته، لكنه في الغالب العميم حكيم ذو بصر وبصيرة، ولا يتفجر مرْجّلُ غضبه إلا إذا استغلق الأمر وانسدت أبواب الحلول أمامه. وكان مأمولاً في حال البشير أن يبقي على القليل مما لم يقضِ عليه نظامه من أخلاق الرجال وشيم القوم وآدابهم. منذ متى أضحى الرجال يعابون ببدانتهم، أو كبر أعمارهم، أو الخلقة التي سوّى بها الله وجوههم وأجسامهم؟ ومنذ متى يتعارك السودانيون في مسرح السياسة بالألفاظ غير المهذبة والنعوت الجارحة؟ تلك أشياء لم يعهدها السودانيون منذ أول حكم وطني انتخبوه في عام 1953، وحتى في عهدي الحكم العسكري السابقين بزعامة الفريق إبراهيم عبود والمشير جعفر نميري.

أن يفقد البشير أعصابه، ويتخلى عن ديبلوماسية رجل الدولة وزعيم الأمة السودانية بشعوبها وأعراقها المتعددة، ويكرَّس صورته قائداً لا يطرف له جفن حين تفلت السهام الطائشة من كنانته، أمر يدل على أن أزمات الرجل تكاد تحكم خناقها عليه. فقد انتهى به الأمر خاطباً ود الحزبين اللذين انقلب عليهما وكال لزعيمهما محمد الميرغني وصادق المهدي السباب والشتائم، أضحت خزانة نظامه خاوية من مال النفط الذي ذهب جنوباً، فلما صَعُب عليه استحصاله أمر بسرقته، بحسب اتهامات قادة دولة الجنوب السوداني، وصار محاصراً في قصره الخرطومي، عاجزاً عن التوجه إلى أي دولة صديقة، حتى كينيا التي تجاور السودان جنوباً أمر قضاتها بالقبض عليه إذا وطئ أرضها، باعتباره مطلوباً جنائياً دولياً.

ولما اشتد حصار المتظاهرين الغاضبين في جامعة الخرطوم ومنطقة «المناصير» في الشمال السوداني، قال الرئيس لمواطنيه إن من ينتظرون ثورة «ربيع عربي» في السودان سينتظرون طويلاً، لأن الربيع العربي اجتاح السودان ليلة الانقلاب العسكري الذي أتى به إلى السلطة في عام 1989. وكان لافتاً الاستغراب على وجوه سامعيه الذين صعب عليهم الجمع بين الربيع وما هم فيه منذ 1989 من شظف وتقشف وفساد ومتاجرة بالدين وقتل للأنفس، وكذب وتدجيل على الشعب، تحت مسميات ما أنزل الله بها من سلطان كالثورة التعليمية، وتوظيف الخريجين، والتمويل الأصغر، والنهضة الزراعية، ونأكل مما نزرع. وكل مرة ينطلق الإعلام الحكومي المسعور باصطلاح فضفاض جديد، تنقض آليات النظام وأجهزته الأمنية على الحريات والتجمعات المشروعة، وتنهار السياسات الاقتصادية فيكتوي السكان بنار الغلاء وندرة السلع.

وكلما ازداد الشعب فقراً وذِلَّة وضياعاً، أعلن البشير أن الفترة المقبلة ستشهد تطبيق الشريعة الإسلامية، كأنها الترياق لسموم الفساد والانحلال والفشل التي يصرف وصفتها النظام نفسه، واثقاً مطمئناً من أن آلة القتل وسلاح الجيش وميليشيات الجبهة الإسلامية «النافقة» ستكتسح كل الغاضبين والمعارضين والراغبين في التغيير.

سيجد البشير أن حبل الإساءات ليس طويلاً، وأن سيف محكمة الجنايات الدولية أمضى من ادعاءات الحصانة والتهديد بالقتال حتى آخر قطرة دم، وأن من سيتصدون لكتابة تاريخ السودان والوطن العربي سيكتبون أنه الرئيس الذي أدت سياساته لفصل الشطر الجنوبي، وجعلت منه قاعدة لإسرائيل في خاصرة العالم العربي، وأن بوابة الإسلام إلى أفريقيا غدت حصناً منيعاً لصد الإسلام عن التمدد في أعماق القارة السمراء… بل سيكتبون أنه أول رئيس في العالم يصدر بحقه أمر قبض جنائي بتهمة إبادة شعبه أثناء جلوسه في كرسي الحكم. ولو حَمَتُه أسلحة وميليشيات حزبه من المغبونين من أبناء شعبه، فهي لن تحميه من سطور كتب التاريخ.

* صحافي من أسرة «الحياة».

[email protected]

تعليق واحد

  1. الشماتة مامن شيم الشعب السودانى الطيب العطوف ولكن البشير لم يترك لنا شبرا ندافع من اجله
    البشير رجل متهور وللاسف الشديد باقى الشلة بعيدة منه كل البعد لا نصيحة ولا تناصح
    الكل غارق فى فساده وحرامه ويريد الذياده .. والبشير مخنوق شديد والدليل على ذلك زيارته
    لليبيا .. هذا الرجل غير عادى ابدا … لك الود اخى معاوية وربنا اسلم ماتبقى من الوطن
    وحسبنا الله ونعم الوكــــــــــــيل

  2. اتعودنا نبتسم بداوخلنا( لعمر البشير) واعمرانا يلملم أساوير الشجون .. وآهاتنا يصرخ يستغيث* *ونحن محاصرين لدرجة تمنينا ان نطير لوطن من غير الاسلامين وانحصر افكارنا بين افاق الذكريات وماضى رهيب .. * *انغرس منذ الطفولة همسات المؤتمرجين من الهم والوهم* *عالم غريب .. ارتبك الأسئلة من حولنا .. ابتعد عنا لحظات الوفاء .. وتناسي عننا لحظات الدفئ ..الحنين*
    بدون عنوان

  3. كيف تتوقع كلاما دبلوماسيا مهذبا من شخص جده كان "يدق الدلوكة" فى الأنادى؟ هل فاقد الشئ يعطيه؟

  4. Thanks so much dear Mawia for the realities, I hope all people to speak out like you and share realities without scariness, for sure this NCP regime will not stay longer. so let us keep struggling !!!

  5. للأسف ترك الشعب السوداني بلد مساحته مليون ميل وشعب طيب وكريم وعلى سجيته على يد رئيس يعد من أغرب البشر الذي عرتفهم الأرض .. يقولوا السياسية فن الممكن وكياسة لكنه حكم البلد بالسب والشتم واللعن والغضب والطلاق بالثلاثة !!!!!! السودان بحكم مشاكله المعقدة وجغرافيته وسكانه كان يحتاج إلى رجل حكيم عاقل حليم بل رجل في أخلاق الأنبياء ولكن للأسف ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

  6. هذا قدر كل الشعب السوداني والله الواحد حزين على كل ما يجري وما سوف يحدث في المستقبل ( هي خطاً كُتبت علينا ومن كُتبت عليه خطاً مشاها ) . اللهم إنا لا نسألك رد القضاء بل نسألك اللطف فيه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

  7. هذا الثور الهائج سيتم التضحية به في اقرب منعطف تاريخي في السودان لاعادة انتاج الازمة السودانية باتفاقات جديدة وتسويات سرية مع معظم القوى التى ستنادي حينها بوقف العنف وهو سيناريو متوقع للحفاظ على مكتسبات ابالسة الانقاذ الذين يجيدون المؤامرات والاغتيالات السياسية والمادية وهذا الثور يشعر في قرارة نفسه بانه التالي في القائمة ولكنه لايدري من الذي سيطعنه لذا فهو يخور خوارا ثقيلا اللهم الطف بالشعب السوداني فهو شعب مسالم يكره العنف وفاحش القول والعمل

  8. ظل البشير دوما يتحف آذاننا بعباراته ومفرداته الغريبة ولكن الأدهي والأمر أن بعض وسائل الأعلام الخارجية تسخر من هذه المفردات ،والعبارة التي كانت ترددها أذاعة البي بي سي عند صدور مذكرة التوقيف ضد البشير (خلي أوكامبو يبلها ويشرب مويتها) خير شاهد علي ذلك.

  9. البشير يعلم انه وصل نهاية الطريق . وان حكمه الى زوال قريبا جدا .. ولن تحميه اجهزة امنه لانه يعلم انها تتربص به اكثر من اعدائه . كلهم بروتس وكلهم يحملون الخناجر الطويله ويتحينون الفرصة .. اعداءه هم اقرب الناس اليه وفى سبيل مصالحهم يستعدون للتضحية به . وهى نهاية كررها التاريخ كثيرا .. الى الجحيم سلطة الكهنوت الدينى وتجار الدين ايامكم كملن ..

  10. ال23 عاماً التي تحكم فيها عصابة المؤتمر الوطني الفاسدة الشاذة أهل السودان الطيبين ببيوت الأشباح ومعسكرات التعذيب ..وكل أنواع أدوات القمع والإرهاب وبنفس اسلوب النازي هتلر ضد كل من وقف ضده أو عارضه لأتزيد الشعب السوداني إلا إصراراً ..ومايجري الأن في السودان ماهو إلا هلوكوست القرن ال21 يفوق ماجري في روندا وبروندي وخير دليل علي ذالك مايجري الأن في دارفور وشرق السودان والنيل الأزرق .. هتلر أباد اليهود في المانيا بحجة أنهم كانوا يشكلون قوة إقتصادية خلال الحرب العالمية الثانية ..البشير وعصابتة القذرة الفاسدة يبيدون أبناء عشيرتهم الطيبين من أجل البقاء في السلطة بأسم الدين الإسلامي السمح والعالم العربي والإسلامي يتفرج علي هذه المجازر بأسم الدين تاركين الأمر لله سبحانه وتعالي والذي بيده وحده الملك وهو الذي يعز من يشاء ويزل من يشاء وينزع الملك منمن يشاء وسبحانه وتعالي يمهل ولايهمل..وهذا ما أكده الفاسد المجرم علي عثمان محمد طه الاعر خريج مدرسة الترابي الذي تلقي منه طعنة في الصميم ..وهذا هو حال جماعة الأخوان المسلمين في السودان أو بالأحري أخوان الشياطين الفاسدين أصحاب التاريخ الداعر الفاسد .. علي عثمان محمد طه عند زيارته الأخيره لمصر قال وبالحرف الواحد.. بأن الحكومات يأتي أجلها مثل الإنسان تماماً عندما يريد ذالك الله سبحانه وتعالي ذالك.. وهذه أول مرة يصدق فيها هذا الفاسد..لكن نسي أن يذكر بأنهم ينتظرهم عذاب الآخرة علي مارتكبوه في حق الشعب السوداني الطيب…يجب علينا أن نتذكر جيداً أخلاق أجدادنا وأهلنا الطيبين وديننا الإسلامي السمح العظيم ونعود إلي رشدنا وترك الركض وراء المصالح الخاصة الدنيئة وجمع المال بأي صورة أوأخري والتي تودي في النهاية إلي ما نحن فيه من حزن وألم وفرقة وتكون تربية أجدادنا العظماء لينا مجرد تاريخ نحن الأحياء وهم يتألمون في قبورهم لما وصل أليه حال أبنائهم في الدنيا. كما نود أن نحذر بعض الشاذين الفاسدين من أنصار كلاب المؤتمر الوطني ومرشدهم رجل الأمن في السفارة السودانية في فينا الفاسد الكردفاني وتكفي فضائحه في دبي عندما كان يمثل سفارة أخوان الشيطان هناك.. رحم الله شهداء مذابح عصابة البشير وأفرج الله كربة الموقوفين في بيوت الأشباح أمن عصابة المؤتمر الوطني الفاسد .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..