الإخوان المسلمون… من عنف الخطاب إلى عنف الممارسة

لماذا هذا التحول التاريخي في الممارسة السياسية لدى جماعة الإخوان المسلمين؟ لماذا التحول من خطاب دعوي – أو دعوي سياسي – إلى الجنوح لاستخدام العنف، ثم إلى ما هو أبعد من العنف، أي الإرهاب؟ يشغل هذا السؤال وما يحيط به من أسئلة المراقبين والمهتمين بدراسة الجماعات الدينية. ويزداد الإلحاح في البحث عن إجابة عندما نسمع أن الخطاب الاخواني- على رغم العنف الظاهر في الممارسات السياسية الاحتجاجية وغير الاحتجاجية – لا يزال خطاباً مثقلاً بادعاءات السلم واتهام الآخرين بالعنف اتهاماً ينطوي على كثير من المغالطة والعنف. تحدث هذه الادعاءات على أصداء أصوات السلاح الذي يستخدم بأيدي الإخوان ليردي القتلى من المدنيين والعسكريين مع إسراف شديد في القتل يصل إلى حد التمثيل بالجثث وعرضها على الملأ. وبصرف النظر عن بعض حوادث العنف التي قامت بها الجماعة والتي كان أشهرها حادثة اغتيال النقراشي باشا عام 1948، فإن ثمة ادعاء دائماً بالسلمية، وثمة ممارسات تعتمد على التحالفات السرية والعلنية وعلى ممارسات أدائية ? وسيلية تضع مصلحة الجماعة فوق كل اعتبار. ولكن ما لبث هذا الوجه أن اختفى أمام تحول تاريخي إلى استخدام العنف ليس فقط ضد الدولة وإنما ضد الشعب الأعزل أيضاً. وهذا التحول هو الذي جعل طرح السؤال أمراً ملحاً ومهماً.
وأغلب الظن أن الميل إلى العنف ? وتبرير استخدامه ? متجذر في الخطاب الإخواني؛ وأن الدعوة إلى استخدامه ظهرت في هذا الخطاب، على نحو ضمني في الصياغات الأولى وعلى نحو صريح في بعض الصياغات التالية. ونفترض هنا أن الممارسات السياسية الصراعية بين الإخوان والدولة قد أفرزت ميلاً نحو التشدد والتطرف، ومن ثم الجرأة على تحويل هذه الصياغات الفكرية إلى ممارسات عملية بمجرد أن أتيحت لهم أول فرصة. وقد نحتاج بداية إلى أن نتأمل بعض الصياغات الفكرية الإخوانية في ما يتصل باستخدام العنف كوسيلة جهادية.
وعلى رغم أن المؤسس الأول للجماعة (حسن البنا) لم يناد باستخدام العنف، وكتب عن ضرورة الخلاف، وأهمية التجميع من دون التفريق، وأهمية أن نتعامل مع أعداء الجماعة (أطلق عليهم المتحايلين بلغته) بالدعاء والنداء والرجاء، وأن تعتمد الجماعة في دعوتها على الأساليب الحديثة من «نشرات ومجلات وجرائد ورسالات ومسارح وحاكٍ ومذياع». نقول إن على رغم ذلك، فإنه قد تحدث في نصوص كثيرة عن الجهاد وعن أهمية استخدام السيف إذا فشلت الحجة والبرهان، وعن حراسة الحق بالقوة، مستشهداً بقول الشاعر:
«والناس إذ ظلموا البرهان واعتسفوا
فالحرب أجدى على الدنيا من السلم».
ولقد تحولت هذه الجذور العقدية، التي كانت تنسج في شكل غير مباشر وفي سياق الحديث عن الجهاد في الإسلام، تحولت إلى دعوة صريحة في الصياغات التي قدمها سيد قطب في كتابات السجن، والتي كان أهمها كتاب «معالم على الطريق». ثمة أربع نقاط جوهرية هنا أحدثت تحولاً نوعياً في الخطاب الإخواني: الأولى هي نزع الإسلام عن الحضارة الإسلامية في ما بعد دولة الراشدين، وعن الحكام المسلمين المعاصرين، بل وعن الشعوب الإسلامية، حيث يعيش العالم كله اليوم في «جاهلية… تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض وعلى أخص خصائص الألوهية وهي الحاكمية». والثانية هي الدعوة الصريحة إلى القطيعة مع المسلمين؛ فأولى خطوات الطريق هي الاستعلاء على المجتمع الجاهلي وقيمه وتصوراته وألا يتم التصالح أو المهادنة معه «إننا وإياه على مفرق الطريق وحين نسايره خطوة واحدة، فإننا نفقد الطريق». والثالثة هي منح أولئك الذين يسيرون في هذا الطريق سلطة رسوليه لتغيير المجتمع بانتزاع السلطان» من مغتصبيه من العباد وردّه إلى الله وحده» من طريق مجتمع حركي يكون «تمثيلاً صحيحاً وترجمة حقيقية للتصور الاعتقادي»، ويكون أقوى في قواعده النظرية والتنظيمية وروابطه وعلاقاته ووشائجه من المجتمع الجاهلي القائم فعلاً. والرابعة هي تقرير استخدام القتال لتحرير الإنسان من مجتمع الجاهلية:
«وَمَنْ لَـمْ يَـذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلاحِه
يُـهَدَّمْ وَمَنْ لا يَظْلِمِ الـنَّاسَ يُظْلَمِ».
وعلى رغم أن هذه الدعوة التي تنتصر لاستخدام العنف وتكفير المجتمع قد لاقت رفضاً من بعض قادة الإخوان (أنظر كتاب الهضيبي بعنوان «دعاة لا قضاة»)، فإنها لاقت قبولاً لدى بعض الشباب، الذين التفوا حول سيد قطب وظلوا يكافحون العزلة داخل الجماعة إلى أن تربعوا على عرشها فهم يشغلون مواقع القيادة الآن (كان منهم محمد بديع ومحمود عزت). لقد كون هؤلاء تياراً متشدداً داخل الجماعة كان له الانتصار في النهاية، وأصبح الشباب الذين آمنوا بأفكار الجاهلية والتكفير والحاكمية قادة للجماعة؛ وتحولوا من فئة معزولة داخل الجماعة إلى فئة قوية تحكم قبضتها على التنظيم. وتعد العدة للانقضاض على المجتمع والدولة (ربما يفسر لنا ذلك التسرع الشديد في القرارات والإجراءات الذي وسم فترة حكم الإخوان وعجّل في سقوطهم).
ليس غريباً إذاً أن يكون العنف وسيلة جوهرية من وسائل هذه الجماعة، وهو عنف لم يظهر فقط بعد أن فقدوا حكم مصر، ولكنه ظهر قبل ذلك وأثناء الثورة نفسها. فإذا كان لنا أن نقرأ مشهد العنف المعاصر لجماعة الإخوان، فإننا يجب أن نرجع بهذا المشهد إلى الأيام الأولى للثورة، ونتتبع مساراته حتى الآن. وأستطيع أن أرصد في هذا المشهد ثلاث استراتيجيات لاستخدام العنف، اختلفت باختلاف السياق: الأولى استخدام العنف لإحداث فوضى وإرباك مؤسسات الدولة في بدايات الثورة لكي تتحول الثورة من السلمية إلى العنف وتتمزق العلاقة بين الجيش وقوى الأمن والشعب (نستدعي في هذا السياق فتح السجون، والاعتداء على أقسام الشرطة والمؤسسات الرسمية).
وتمثلت الإستراتيجية الثانية في استخدام العنف الرمزي للدولة أو الاستقواء بها أثناء فترة حكم الإخوان «30 حزيران (يونيو) 2012- 3 تموز (يوليو) 2013» وذلك لتفكيك أواصر الدولة «الكافرة طبعاً»، والعمل على إحكام قبضة الإخوان عليها (نستدعي في هذا السياق الحصارات الشهيرة لمدينة الإنتاج الإعلامي والمحكمة الدستورية، وقتل المتظاهرين أمام قصر الاتحادية، وإرباك السلطة القضائية والشرطة)؛ وكانت الإستراتيجية الثالثة هي الكشف عن الوجه السافر للعنف بعد فقدان كرسي العرش. لقد كان العنف هنا طاغياً يسرف في القتل ويختلط بالإرهاب على نحو ظاهر إذ يحاول ? بطريقته في القتل والتمثيل بالجثث ? أن يلقي بالخوف في القلوب وأن يروع الناس؛ (ومن المعروف أن التخويف والترويع هو الخط الفاصل بين العنف والإرهاب) وهو ما يحول العنف إلى الإرهاب.
وبناءً عليه، فإن استخدام العنف في ما بعد فض الاعتصام لم يكن جديداً، بل كان استمراراً لاستراتيجيات عنف مبيتة ومستخلصة من فكر متطرف. لقد كان الجديد فيه هو السفور، أعني الكشف عن الوجه السافر للعنف. لقد كان السلاح في بداية الثورة يوجه من خلال أيادٍ خفية تضرب من وراء ستار، وكان أثناء الحكم يوجه من خلال أنصار ومؤيدين وبلطجية، أما الآن فإنه يوجه مباشرة ? وفي العلن وأمام الكاميرات ? إلى وجه الدولة والمجتمع. وهنا نطرح أسئلة الختام: هل يمكن القول إن الإرهاب يتخذ وجهاً جديداً؟ وهل هذا الشعور يصنع بداية النهاية؟ وما موقف التنظيم الدولي من هذا التحول؟ وهل يمكن أن يستعاد موقف الهضيبي، ويظهر من بين جماعة الإخوان من يقول لهم نحن دعاة لا قضاة؟ أم أن رفع السلاح يعني خفض الخطاب بل موته؟ وقبل هذا وذاك كيف يكون موقفهم من الوطن الذي رعاهم ومنحهم الفرصة لكي يتعلموا، ولكي يكون لهم خطاب وتنظيم، فلما شبّوا عن الطوق رفعوا في وجهه السلاح واعتبروه لا وطن؟

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. فلماشبوا عن الطوق إعتبروه لاوطن ورفعوا فى وجه شعبه السلاح ورموا كل سلم من بعدهم حتى لا يصعد ،أو يتعلم أو يتعالج أو و يتاجر أو يستثمر أو يكتب أو ينشر أو يتزوج أو يعمل أويفتى أو يحكم او يتوظف أحد غيرهم من المتحايلين شعب مابعد الفتح…

  2. كل جماعات الاخوان المسلمين شرقا وغربا ومنذ زمن سئ الذكر مؤسس جماعة الاخوان المسلمين وعرابها حسن البنا كان كل اهتمامهم بالدين الاسلامي وتعاليمه السمحة اهتماما شكليا وقشريا وانحصر جل دور الدين الاسلامي في حراك حركة وجماعة الاخوان المسلمين لمجرد التاصيل فقط وتم اتخاذه كستار وحاجز مقدس يمكن الاحتماء والتمترس خلفه لتنفيذ خطط وأفكار واطماع وتطلعات منظري وقادة الحركة البشرية التي لا علاقة لها البتة بصحيح الدين فطوال حراكها المتنامي مده وانتشاره حصرت جماعة الاخوان المسلمين كل النهج الاسلامي القويم والدين الاسلامي وشريعة الله وجعلتها طوع فكرتها واتخذت الدين الاسلامي ستارا لتمرير اجندتها واهدافها البعيدة كل البعد عن الدعوة الاسلامية او حتى المساهمة في الجهد الدعوى الاسلامي وانتشار الاسلام بين الشعوب التي لا تدين بدين الاسلام بل كانت جماعة الاخوان المسلمين في كثير من الاوقات معول هدم لانتشار الرسالة الاسلامية والدين الاسلام عبر نشرها للمفاهيم والرسائل المغلوطة عن الدين الاسلامي وماهيته وطريقة تفكير من يدينون بالاسلام زورا وبهتانا عب افعالها التي لا تليق بدين يدعي معتنقوه انهم دعاة انسانية ورحمة بل عملت الجماعة عبر نشاطها على نشر اشكال عظيم ولغط مريع في مفهوم الاسلام كدين انساني قويم وخاتم للأديان السماوية الامر الذي عمل على ابتعاد الكثيرين ممن كانوا يرغبون في الدخول الى الاسلام ونفورهم من الدين الاسلامي ومعتنقوه ناهيك عن اعتناقه فكانت حركة الاخوان المسلمين اشد خطرا على الاسلام من كثير من المنظمات التي كانت تعمل على محاربة انتشار الدين الاسلامي بل ساهمت حركة الاخوان المسلمين في تعضيد جهود تلك المنظمات وانجاح برامجها بطرق غير مباشرة لكن ربما كان ذلك أشد فاعلية من الجهد المباشر والمساهمة في تعويق انتشار الدين الاسلامي في بقاع العمورة فنجد ان الجماعة وطوال تاريخها اهتمت بالكم ده الكيف فلم تهتم يوما من الايام في تثقيف عضويتها ومدهم بالزاد الروحاني أو لم يكن التدين اصلا من شروط عضويتها او حتى جعله المرتكز والمنطلق في نهج وفكر الجماعة لذلك انضم الى جماعة الاخوان المسلمين كل صاحب مصلحة وغرض وهوى واضحت فكرة الاخوان المسلمين مرتعا للفساد واللامبدا والانحطا ط الاخلاقي وضمت الجماعة بين دفيتها ودون غربلة الكثير من العناصر المشبوهة التي ارتات لمصلحتها الانضمام للجماعة فكل ما على احدهم هو اطلاق لحيته قليلا والتشدق ببعض الكلمات المتداولة في اوساط الجماعة دن حتى أي تغيير لسلوكه الشخصي او اتجاهه للتدين فشوهت تلك الحشود والجحافل المنضوية تحت لواء الحركة قويم الدين الاسلامي وعملت عبر تصرفاتها في كثير من المواقف على تنفير الناس من الدين

    هذا الشعب السوداني المسلم وعبر تلبيس حركة الاخوان المسلمين ونهجها المشوه وتاريخها المسخ خلال الـ 24 عاما العجاف التي انصرمت عانى ما عانى وقاسى الامرين

    فهل من الممكن ان يتقبل مجددا أي جماعة أو حزب سياسي اسلامي ان يحكم هذا البلد ؟؟؟

    شئ مؤكد ستاتي الاجابة قاطعة ونافية في عدم رغبة أي أحد بأن تتحكم هذه الجماعة الاسلامية او أي تيار يرتكز على دين الاسلام في حكم السودان اوحتى مجرد التفكيرفي ان يشارك في الحكم من جديد

    إذن بلا جدال اجحفت حركة الاخوان المسلمين في حق حركات الاسلام السياسي او حتى التي تريد ان تمزج بين السياسي والدعوي لخدمة البلاد والعباد وجعلت البون بينها وبين بلوغ كراسي الحكم شئ شبه مستحيل وهذا لعمري ظلم عظيم

    فالدين الاسلام براء من هذه الجماعة التي أساءت لكل مفاهيم الدين الاسلامي وجعلت الدين مجرد منهل جانبي لحركتها تنهب وتغترف من اضابير مكتبته الآيات والاحاديث والآثار التي تأصل بها لأفكار منسوبي الجماعة حتى تلقى القبول من القاعدة الشعبية ولو الى أجل قريب ريثما تكون الجماعة قد مضت بمخططها المعنى الى حيز التنفيذ والتمكين ويبتلع الشعب الطعم الشرعي المزيف ويقع في شراك سوء طوية فكر وخطط الحركة التي لا تهتم بالدين الاسلامي ولا بحياة الناس ومعايشهم وكل همهم هو انتشار مد حركتهم الهلامية التي حانت لحظات انحسار مدها وانتشارها فكل من جرب هذه الجماعة عرف انها لاتبتغي سوى مصلحة منسوبيها الدنيوية
    اللهم جنب شعبنا كل المتاجرين بدين الاسلام وحرر العباد من هذا الطاغوت انك ولي ذلك والقادر عليه

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..