الحركة الشعبية تبيع جبال النوبة في «سوق مواسير» نيفاشا..!ا

شئ من حتي

الحركة الشعبية تبيع جبال النوبة في «سوق مواسير» نيفاشا..!!

د.صديق تاور

في الوثيقة التي تحمل عنوان «الموقف المشترك للمؤتمر الوطني والحركة الشعبية بجنوب كردفان بشأن الانتخابات والشراكة السياسية» بتاريخ 02/2/0102م والتي تُنسب بحسب الموقعين عليها الى كل من رئيس المؤتمر الوطني أحمد هارون ورئيس الحركة الشعبية عبد العزيز الحلو بالولاية، نقرأ على صعيد الشراكة السياسية فقرتين مهمتين، تقول اولاهما: يعمل الطرفان على الحفاظ على الشراكة القائمة بينهما ويسعيان لتعزيزها وتقويتها لادارة المرحلتين الحالية والمقبلة، أما الفقرة الثانية المهمة فتفيد بأنه: اتفق الطرفان على خوض الانتخابات القادمة وفقاً لتنسيق انتخابي كامل يضمن استمرار الشراكة التنفيذية، وقد الحقت هذه الوثيقة بميثاق شرف وضعته اللجنة السياسية المشتركة بتاريخ 51/3/0102م يُنسب التوقيع فيه إلى كل من سكرتير الحركة الشعبية بجنوب كردفان «أرنو نتو لودي» ونائب رئيس المؤتمر الوطني لشؤون الحزب بجنوب كردفان «محيي الدين التوم» تسير في نفس اتجاه الوثيقة الاولى. والى الآن لم يصدر من أي طرف ما ينفي حقيقة هذه الوثائق او يكذب محتواهما، الامر الذي يرجح صحتهما. وأهمية هاتين الوثيقتين أنهما تكشفان بوضوح ما يريده شريكا نيفاشا «مركزياً وولائياً» لولاية جنوب كردفان مستقبلاً، بعد أن انتهى مولد نيفاشا فيها بلا حمص. فهما يريدان استمرار الشراكة التنفيذية والسياسية بذات الركائز والوسائل الى مرحلة مقبلة تضمن لهما استمرار مصالح نفس المنظومة المسيطرة حالياً على الأمور في المؤتمر الوطني أو في الحركة الشعبية «الراتب الشهري للوالي ونائبه والمستشارين والدستوريين في الولاية 426.400 مليون أي ما يعادل الراتب الشهري لمجموع العاملين في محلية بحالها، «اكثر من عشرين ألف عامل وموظف». وهي مصالح لا بد انها تتعارض مع مواطني الولاية الذين لا يزالون يتحصلون على مرتباتهم منتصف كل شهر تقريباً. والغريب في امر الاتفاق بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية على صعيد ولاية جنوب كردفان، انه تم في تكتم شديد حتى على نطاق دوائر الحزبين نفسيهما.
والبحث عن استمرارية الشراكة السياسية والتنفيذية وبذات المنظومة هي ليست بمعزل عن مستقبل العلاقة التي يجري ترتيبها على المستوى المركزي بين الشريكين بإشراف أجنبي اميركي واضح. خاصة اذا وضعنا في الاعتبار اقتراب قطار الاتفاقية نحو محطته الاخيرة في 1102م وما يرتبط بهذه المحطة من موضوعات تهدد مستقبل البلد بكلياتها.
وعلى الصعيد المركزي لا تهتم الحركة الشعبية الآن بغير الجنوب والاستفتاء وما بعد الاستفتاء. وكل ما يصدر عن قادتها يحسم المواقف من قضية الانفصال والوحدة بشكل قاطع، بعد أن ظلت الحركة الشعبية طيلة السنين الفائتة من عمر نيفاشا تراوغ في امر تحديد موقف واضح من قضية وحدة السودان وشعبه. وفي كل مرة تجعل من المؤتمر الوطني الذي يتناغم معها شماعة لتعليق النوايا الانفصالية، وكأنما الأخير هو معادل لوحدة البلد، بينما حقيقة الأمر أن المؤتمر الوطني هو حزب مثله مثل الاتحاد الاشتراكي السوداني سابقاً، يحكم بالقبضة الاستبدادية ويغذي الفتنة الجهوية ويؤذي كل الجسم السوداني بلا استثناءات ويذيق الشعب الأمرين في قوته ومعاشه، وبالتالي فهو لا يصلح معادلا موضوعيا للسودان واهله، حتى يتم تأسيس الموقف من وحدة البلد قياساً على الموقف من حزب المؤتمر الوطني الحاكم حالياً، والذي يمكن أن يزول حكمه في أية لحظة.
يقول لوكا بيونج إن شعب الجنوب غير مستعد لتأجيل الاستفتاء ليوم واحد. ويضيف: الدعوات الى التأجيل ستقود البلاد للمربع الاول.. «الصحافة» 5/6/0102م كما استدعت حكومة الجنوب قنصل اريتريا وجنوب افريقيا لاستيضاحهما حول دعوة الدولتين لتأجيل الاستفتاء. «الصحافة» 7/6/0102م.
أما باقان أموم فيقول إن رئيس الحركة الشعبية سيشكل خلال الايام المقبلة حكومة استفتاء هدفها واولوياتها التحضير للاستفتاء ليجري في مواعيده، وادارة التحديات في هذه المهمة. وفي معرض رده على اسئلة صحيفة «الشرق الأوسط» في الحوار الذي نقلته صحيفة «الاهرام اليوم» 7/6/0102م- العدد 961 وفي سؤال عن هل ستختفي الى الابد خارطة السودان الحالية؟ يقول باقان: على ما اعتقد ان المستقبل سيقود الى تجاوز خارطة السودان الى خريطة افريقيا. ولا توجد امكانية لوحدة سودانية لانه لا يوجد مشروع وطني الآن في السلطة، قادر على ان يبني امة متعددة الاعراق والاديان. امة سودانية مبنية على القواسم المشتركة وليس على الجزئيات كما تحاول الحركة الاسلامية في السودان فرضها. وفي موضع آخر من ذات الحوار يقول: لا توجد امكانية او اية فرصة حتى ولو ضئيلة لتحقيق وحدة السودان، الا اذا قام المؤتمر الوطني باعادة احتلال الجنوب والسيطرة عليه بالقوة العسكرية. وستكون خطوة دموية وبذلك لن تكون وحدة ولكن احتلال «انتهى».
إذن فموقف الحركة الشعبية على صعيد الجنوب من حيث الانفصال والتهيئة له هو اكثر وضوحاً من اي وقت سابق، بغض النظر عما يصاحب هذا الموقف من مبررات، وهذا يجعل اسئلة المستقبل المتعلقة بجنوب كردفان أكثر الحاحاً من اي وقت مضى سواء من ناحية وضعيتها كمنطقة محاددة جغرافياً، او كمنطقة منتجة للنفط ومعبر لخطوطه، او كمنطقة لها بروتوكول خاص بها في اتفاقية نيفاشا شهد اخفاقات كبيرة في تطبيقه بما جعله يتحول الى ازمة في طور الانفجار، او ايضاً كمنطقة لها وجود كبير في صفوف الحركة الشعبية في الجنوب ضمن قواتها بشكل اساسي، جعلت لهؤلاء حقوقاً على الجنوب ودولته. ورغم كل ذلك الا ان قيادة الحركة الشعبية الحالية في جنوب كردفان تتعامل بشكل غريب ومريب في نفس الوقت، أولاً بوضع يدها على يد المؤتمر الوطني بشكل كامل، وثانياً باستهوانها الشديد بالقضايا التي يمكن ان تفجر الازمة بصورة أشد في المستقبل. في سؤال من صحيفة «الشرق الاوسط» نشرته «أخبار اليوم» بتاريخ 42/5/0102م لعبد العزيز الحلو: ماذا عن أبناء جبال النوبة داخل الجيش الشعبي؟ او في حال الانفصال، هل سيتم التعامل معهم باعتبارهم لاجئين ام اجانب، ام ان واضاعهم ستظل كما هي عليه؟ اجاب بأن هذه وضعية يتوجب معالجتها في وقتها.. ولكن الى ان يأتي ذلك الوقت ستظل عالقة.. وهذا لا ينفي باية حال انها من القضايا الكبيرة والمهمة.
وفي سؤال لاحق عن الترتيبات الامنية المتوقعة لابناء جبال النوبة، خاصة انهم يشكلون نسبة كبيرة داخل الجيش الشعبي؟ اجاب الحلو مرة اخرى بأن «هذا جزء من القضايا العالقة التي يجب مناقشتها، خاصة انها ذات صلة بما بعد استفتاء 1102م. والى الآن لم نتطرق لها سوى عبر النقاش او التفكير.. فهناك مشاغل أكبر ذات صلة بالعلاقة بين الشمال والجنوب..الخ الخ».
وهذه إجابات غريبة للغاية، فعبد العزيز الحلو هو رئيس الحركة الشعبية في ولاية جنوب كردفان، وهو طرف أساسي في حصولها على هذا البروتوكول الباهت في الاتفاقية. وهو شريك في الظلم الجنوبي على اقليم جبال النوبة واهله. ولكل هذه الاسباب فيجب أن يكون شغله الشاغل هو الاجابة «العملية» على هذه الاسئلة التي يعترف هو نفسه بأنها قضايا كبيرة ومهمة. اذا كانت هي كذلك فلماذا يتم تجاهلها والتعرض لها بالنقاش والتفكير فقط، دونما اجراءات عملية، خاصة ان الزمن في تناقص، وان مصير الآلاف ما يزال مجهولاً بسبب هذه القضايا العالقة. ما الذي فعله الحلو بحكم منصبه في الحكومة وفي الحركة لحسم هذه القضايا العالقة الكبيرة والمهمة؟! واية مشاغل اكبر من هذه بالنسبة لابناء الاقليم واهله وبالنسبة لرئيس الحركة في الولاية؟ بتقديرنا ان الترتيبات التي تجرى ولائياً ومركزياً بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني على صعيد مسرح جنوب كردفان، هي ذات صلة مباشرة بعملية توقيف اللواء تلفون كوكو في جوبا لأكثر من شهر بحجج واهية، على الرغم من انه المبعوث الخاص لرئيس حكومة الجنوب لولاية جنوب كردفان، وعلى الرغم من انه قد حصل على موافقة السفر وبرنامجه من الرئيس سلفا نفسه.
وحدوث اي حراك سياسي فاعل على صعيد ولاية جنوب كردفان سوف يكشف ظهر الشريكين هناك تماماً، ويفضح القصور الكامل في البروتوكول وتطبيقات نيفاشا، وبالتالي يمكن أن ينعكس ذلك على نتيجة الانتخابات لمنصب الوالي والمجلس التشريعي، ومن ثم يسحب البساط من تحت أقدام الذين يبحثون عن استمرارية لمنظومتهم ومصالحهم في الولاية على حساب مواطنيها ومستقبلها. وهذا يفسر ما تسرب من معلومات مفادها أن اللواء تلفون كوكو جرى اعتقاله بناءً على تقرير صادر عن ولاية جنوب كردفان. ويعزز ذلك أيضاً أن القيادة السياسية للولاية في الحركة والمؤتمر الوطني لم تفعل اي شيء من أجل اطلاق سراح اللواء تلفون كوكو باعتباره من القيادات المفتاحية المهمة للازمة في هذا الولاية، ولم يدل باي شيء للرأي العام حول هذا الخصوص.
لقد فرطت قيادة الشريكين في حقوق كثيرة لمواطن الولاية مركزياً او على الجنوب، فبعد البروتوكول الباهت، هناك ضعف في نسبة ميزانيات التنمية المركزية للاقليم، ونسبة تمثيل ابناء الاقليم في الخدمة المدنية والمناصب الدستورية، والابتعاث وتوظيف الخريجين ودعم طلاب الجامعات، وأسر الشهداء وضحايا الحرب في الجنوب والشمال، والبنية التحتية، وغير ذلك، كما فرطت في المعالجات اللاحقة مثل تقرير «04» مقعداً برلمانياً للجنوب و«4» فقط لجنوب كردفان، ولا ندري على اي معيار تم تحديد ذلك، وكيف قبلت قيادة الشريكين بهذه المعالجة المهينة ولماذا ارتضت الحركة مركزياً للجنوب بعشرة امثال ما ارتضته لجبال النوبة، بينما تعترف الحركة بأن تضحيات أبناء الاقليم في صفوفها تضاهي تضحيات أبناء الجنوب.
لقد باعت الحركة الشعبية إقليم جبال النوبة في «سوق المواسير» نيفاشا، ولا تزال تريد الاحتفاظ بأبناء الاقليم لاستخدامهم في مراحل لاحقة بعد الانفصال، لأغراض جنوبية صرفة لا صلة لها بجبال النوبة ومظالمها وحقوقها.

الصحافة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..