متاهة افريقيا في الجزاء الدولية

بعض الزعماء الافارقة اجتمعوا فى العاصمة الاثيوبية اديس ابابا فى قمة طارئة مخصصة للنظر في إمكانية انسحاب جماعي لدول القارة من المحكمة الجنائية الدولية وصف رئيس الوزراء الإثيوبي رئيس الاتحاد الأفريقي لهذه الدورة هايلي ميريام ديسيلين مطاردة المحكمة الدولية لعدد من الرؤساء الأفارقة بأنها خطوة «عنصرية» حسنا الا تتم محاكمة اى قاتل او مجرم او متهم بالابادة الجماعية فى اية دولة خارج مواعين العدالة المحلية . ولكن الغريب فى مطلب الرئيس الاثيوبى انه اولا وصف المحكمة بانها عنصرية ولم يحدد عنصرها اوعنصرتها هذه اذا افترصنا انها عنصرية اوربية اوغربية كما نتصور ان الرئيس الاثيوبى قد عنى ذلك .عموما نذكّره بان هذه المحكمة وجهت اتهامات وادانت قتلة ليس من افريقيا فقط كما يدعون عنصريها وتحيزها ضد افريقيا فعلى سبيل المثال فقط قررت محكمة الجزاء الدولية عدم محاكمة الرئيس السابق للمخابرات الليبية عبدالله السنوسي وتركت المسؤولية للمحاكم الليبية المختصة إستنادا على قوانينها التي تمتنع محاكمة أي متهم يحاكم في الوقت نفسه في بلاده .كما قامت ذات المحكمة بتقديم اتهامات ومثل امامها مجرمى حرب من غير افريقيا برأت من لم تثبت ادانته وادانت بعضهم وقضت بسجنهم مددا طويلة امثال ترافكو توليمير ورادوفان كاراديتش والجنرال الصربي السابق زدرافكو توليمير و أنتيه غوتوفينا وملادن ماركاتش الجنرالان الكرواتيان السابقان وسفّاح البوسنة الجنرال راتكو ملاديتش: ?والصربي فويسلاف شيشل وغوران هاديتش القائد العسكري لصرب البوسنة ورئيس وزراء كوسوفو السابق راموش هارديناي وعدد من المتهمين الآخرين . انا لم امر مطلقا على مثال اصدق تعبيرا عن دعوة الافارقة الانسحاب من الجزاء الدولية من “دعوة حق اريد بها باطل ” ولأنه لا احد فى افريقيا ينكر اعمال القتل المرتكبة ولا احد يستطيع الدفاع عنها لم ترفض القمة الافريقية محاكمات الخارج سواء العدل الدولية او الجزاء الدولية او اية محكمة تقول بها الامم المتحدة ولكنها فقط تطالب بعدم محاكمة زعماء الدول والحكومات اثناء وجودهم في السلطة حتى يستطيعون الاستمرار فى ترويض شعوبهم و ابادتهم دون ان تطالهم العدالة المحلية او الخارجية واذا نظرنا للزعماء العرب والافارقة فليس فى التاريخ المسجل والمنظور ان ايا منهم سواء أكان مطلوبا للمحاكمة الدولية اوغير مطلوب قد تنازل عن السلطة والحكم طوعا حتى يقاد للمحاكمة. كما انهم ظلوا على استمرار يتسترون على جرائم سدنتهم ومفاسدهم ولم تعقد اية محاكم محلية لهم وينسون ايضا ان الجرائم ضد الانسانية على مختلف انماطها اكثر ما تتركز فى الدول الافريقية والعربيةبما فيها الانقلابات العسكرية . ولعلم المتابعين للقمم الافريقية ان هذه القمة ليست الاولى التى تطلب الانسحاب الجماعى من الجزاء الدولية ولم يتجاوز عدد الرؤساء المشاركين فيها احد عشر رئيسا من مجموع اربع وثلاثين رئيسا . لقد ظل الوطنيون المخلصون يتنادون منذ وقت طويل الى تفعيل دور اجهزة العدل المحلية وإمضاء الاجراءات العادلة في حق كل من تشوب قراراته وافعاله شائبة الخطأ المؤدى للظلم بكل انواعه والى إهدار حياة الابرياء على اية صورة جاءت. و ان تمضى العدالة على اي كائن غض النظرعن مركزه اومحتده . والمؤتمر الوطنى الحاكم لم يظهر منه ما يشي برفض هذا الامر، بل وإن كل ألسنته تلهج باسم العدالة والجزاء وأضاف إليها احد مرشحيه فى فترة من الفترات شعار”القصاص بالرصاص”.وكوّن لذلك لجان التحقيق و انجزت ما كّلفت به . و حتى الان لم نر طحنا لكل ذلك . فإلى متى ينتظر السودانيون العدالة الداخلية على المتهمين ؟ وما هى الدلائل والاشارات الى إمكانية تحقيقها في ظل نظام مجير بكامله لفئة صغيرة من المجتمع السودانى لا ترى في غيرها من هو جدير بالاحترام دع عنك ان يكون حاكما او مشاركا اصيلا في الحكم . وما زالت تمضى فى سياسة السيف والنطع وفعلت آلتها العسسية ما فعلت فى شباب الانتفاضة الاخيرة فى سبتمبر. لقد ظللت ومنذ بداية ازمة الجزاء الدولية انادي مع المنادين برفض تقديم اي سودانى الى الاجنبى لمحاكمته صغيرا كان ام كبيرا. ولكن يجب ان تجرى العدالة الداخلية مجراها وان يقدم إليها كل من تحوم حوله الشبهات سواء أكانت جرائم حرب او جرائم ظلم او فساد . الان البلاد موضوعة مباشرة امام البند السابع الذى يتيح للمجتمع الدولى التدخل العسكرى والحرب . بل يمكن لاية دولة منضمة لمجلس الامن ان تباشر ذلك منفردة ان أرادت . فهل يستحق السودان ان يكون في هذا الموضع ؟ سؤال مطروح للصحفيين الكتبة الاجابة عليه.لو كانت مواقف المؤتمر الوطنى على درجة كافية من الثبات والصدقية . او ان سيرته و مساره في العمل السياسي قد ترافقت مع ركائز بناء الثقة . ولو كانت الثقة هى احد مفردات تعامله مع الاخرين ايضا.او ان مكونات قراراته السياسية مبنية على الدراسة والتمحيص والمؤسسية . لما احتاجت الدول الافريقية الاعضاء في محكمة الجزاء الدولية في اجتماعها الاخيرفي اديس ابابا لكبير عناءا في اتخاذ موقف واحد موحد من قضية الانسحاب الجماعى من تلك المؤسسة الدولية تضامنا مع دعوة السودان لعدم الاعتراف بها ، وتراجعت عن توقيعها على نظام روما المؤسس لها و لمفارقتها لمبادئ نظامها الاساسي الذى اعتمدته معظم هذه الدول الافريقية لما وجدت فيه ما يوافي و يتجاوب مع تطلعاتها نحو الحق والعدل والمحاسبة . ولكان موقف الانسحاب الجماعى هذا بمثابة الضربة القاضية التي لن تقوم بعدها لهذه المؤسسة قيامة. ولان الحكومة السودانية انجرت وراء الاصوات والهتافات والايقاعات المصاحبة للمسيرات والمواكب والمهرجانات التي نظمها اصحاب الشركات والمنظمات المتخصصة وتغافلت وصمت اذانها عن الاصوات المنادية بالتبصر وتقدير الموقف بموضوعية . وحسبت ان نجاعة ممارساتها ضد معارضيها الداخليين قد تجوزعلى المجتمع الدولى وقراراته ومنظماته وعقدت القضية بصورة اكبر. والان ها هو اجتماع الدول الافريقية في اديس ابابا يخرج بقناعة انه لا يمكن النكوص عن ما وقعت عليه من اعتراف بهذه المحكمة ونظامها الاساسي. وبالتالى لا يمكن الانسحاب عنها هكذا لانها طالبت بتوقيف احد قادتها.لان في ذلك ما يشير بداهة الى ان قادتها يخشون المحاسبة على خطاياهم . بل قد يذهب التفسير الارجح الى انهم يؤكدون هذه الخطايا بصورة مباشرة ، لان القادة الحقيقيون لا يخشون العدالة والمحابسة التي وافقوا على تشكيل المحكمة الخاصة بها ووقعوا على نظامها الاساسي. وفى الاجتماع السابق لهذا الاجتماع لم يقرر وزراء العدل الافارقة في الدول الموقعة على نظام روما الانسحاب من المحكمة مع إقرارهم بعدم ملائمة قرار توقيف الرئيس البشير للظروف التي يمر بها السودان و اثره على مشكلة دارفور .وكانت فرصة مواتيةللقيادات السياسية و الدبلوماسية السودانية لبذل المزيد من الجهد في انفاذ الحلول المطروحة . وان كانت غير مستساغة للمؤتمر الوطنى و لكنها تصب في مجرى المصلحة العليا للوطن .ولكن بكل أسف مرّ عام التأجيل المطلوب دون تقدم في تغيير نمط المعالجات الخاسرة السابقة ؟ و هاهو الاجتماع الاخير وتخسر الدلوماسية السودانية رهانها على انسحاب الافارقة من الجزاء الدولية .
[email][email protected][/email]