وثيقة زواج على ورقة طلاق!

(1)
التاريخ الحديث والوقائع الطازجة في ذاكرة شعوب المنطقة تثبت بأن قوى الإسلام السياسي تظلُّ تنظر لطبيعة تحالفاتها الاضطرارية مع التيارات العلمانية “يسارية كانت أم ليبرالية” وفق “فقه الضرورة”، وتعتبرها وسيلةً للوصول إلى غاياتها، وهي “السلطة”، ومن ثمَّ عليها فض هذه التحالفات، والتخلص منها حالما تصل لغاياتها السلطوية، أو تغدو في مركز قوة، ممَّا يدل على أنَّ التيارات الإسلامية لا تؤمن بجوهر المشاركة والديمقراطية، وإنما تتخذها مطيةً، وتعقد تحالفها مع الآخر على أنها “وثيقة زواج يتم تحريرها على ورقة طلاق”.
(2)
فالغاية تبرر الوسيلة، وفي هذا التوجه تتفق جميع أطياف تيارات الإسلام السياسي، حيث لا فرق بين التيارات السنية بشقيها المعتدل والسلفي والشيعية بطوائفها المختلفة، وجميعُ التجارب الماثلة في الأذهان تؤكد هذه الحقيقة المحزنة، وآخرها تجربة الثورة المصرية التي لم تنتهي فصولها ولم تستقر على حال حتى الآن.
(3)
وعلى هذا المنوال سار تحالف قوى الإسلام السياسي مع القوى المدنية الأفغانية، الذي تأسس في أواخر سبعينات القرن الماضي لإزالة النظام الموالي لموسكو، ومقاومة تدخل الاتحاد السوفيتي في الشأن الأفغاني، وما لبث أن اختطفت ثماره القوى الدينية بعد الانتصار وقامت بتصفية بقية التيارات السياسية المدنية والديمقراطية الحليفة.
(4)
وهذا أيضا ما انتهى إليه تحالف ملا لي الشيعة مع قوى اليسار في إيران، الذي نجح في إزالة سلطة الشاة العتيدة، بَيْدَ أنَّ اليمين الديني كعادته ما لبث أن سطا على مجمل العملية الثورية، وأفرغها من جوهرها، والتف على شعاراتها، واتبع عملية السطو على الثورة بأبشع جرائم القتل، والتصفية لتيارات اليسار الحليفة.
(5)
لقد انكشفَ في الآونة الأخيرة الدور الخبيث الذي كان يجب أن تقوم به تيارات الإسلام السياسي في تنفيذ مخطط “الشرق الأوسط الكبير” -المعد من قبل الامبريالية والصهيونية العالمية – بالوقفة الشجاعة والصلبة لشعب مصر وثواره الذين تداركوا الأمر وأسرعوا بإطلاق الموجة الثالثة من الثورة المصرية المجيدة التي ضربت مخطط الشرق الأوسط الكبير الشرير في مقتل يوم 30يونيو 2013م وأفشلت تبعاته المدمرة.
(6)
واليوم وبعد أن أطاحت تلك الهبَّة الثورية المجيدة بآمال الامبريالية والصهيونية العالمية ومن خلفها “التنظيم الدولي للإخوان المسلمين” يعود أفراد هذا التنظيم المشبوه للتَّباكي بدموع التماسيح على الشرعية والديمقراطية وحقوق الإنسان التي لم يراعوها أو يحفظوها في أي بلد تمكنوا من فرض هيمنتهم عليه ابتداء من أفغانستان وإيران مرورا بالصومال والسودان.
(7)
يحاول اليوم “ديمقراطيو الشرق الأوسط الكبير” مناصرو الإسلام السياسي في السودان المحافظة بالحديد والنار على السلطة التي اغتصبوها بالليل، حتى لو أدى ذلك لإزهاق المزيد من الأرواح وسفك الكثير من الدماء، فشيوخ السودان أصابهم الذعر والهلع وهم يرون ما حاق بإخوانهم في مصر الذين تَفَرَّقُوا أَيْدِي سَبَأ – ما بين هارب ومعتقل – على يد الموجة الثورية الحاسمة التي قصمت ظهرهم في 30يونيو 2013م.
(8)
بَيْدَ أنَّ الثورةَ الشعبية -التي تتكامل شروط اندلاعها على مهل في مرجل الشعب السوداني الخبير بقيادة الهبات والانتفاضات الشعبية- لن تتيح لهم فرصة الاستمرار في الحكم وتنفيذ ما تبقى من مشاريع الشرِّ التي مزقت الوطن، وشردت أبناءَهُ في أرجاء البسيطة، وهو لا شك باعثهم عما قريب إلى مزبلة التاريخ، مع النظم الفاشية والعنصرية التي على شاكلتهم، غير مأسوف عليهم (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ).
** الديمقراطية قادمة وراشدة لا محال ولو كره المنافقون.
تيسير حسن إدريس06/10/2013م

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. دائما في القمة يا تيسير
    تشخص الامراض المستعصية وتضع العلاج وترفع الاصر والبعض يريد ان يخدرنا بالمسكنات
    مقال خمس نجوم
    لذلك اهل لحاضنة الاصطناعية-النخب العربية- الذين لا يرون المكونات الافريقية في السودان مصرين على شرعنة النظام الحقير الحاكم-الاخوان المسلمين- على حساب الهامش الثاني-الاقاليم
    ونحن في السودان عندنا لبرنامج السودانية والمفكرين السودانيين وليدما اتفاقية نيفاشا والفرز مستمر والامر بقى بين وعيين
    سودان جديد×سودان قديم
    هذا هو التناقض والديالوكيتك الحقيقي
    والتناقضات الزائفة هي التي تخلق الفوضى الخلاقة وتمرر المخطط الجهنمي..باعادةتدوير-نفس الناس- ونفس الوعي ونفس السلوك “اهل القبلة”…

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..