الأقوال وحدها لا تصنع وحدة

بشفافية

الأقوال وحدها لا تصنع وحدة

حيدر المكاشفي

في الوقت الذي شرعت فيه لاجراء بعض المعالجات الطفيفة علي مداخلة الاستاذة نجاة المنشورة ادناه تعليقاً على عمود سير سير يا بشيرالذي نشرته قبل يومين، معالجات اقتضتها ظروف ما من الخضوع لها بدُ، جرياً على مراد بيت الشعر الشهير الذي يقول (ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدواً له ما من صداقته بدُ)، إذا برسالة طايرة تأتيني مولولة من جوبا من طرف الاخت والزميلة الصغري الصحفية جاكلين، يقول فحواها (شباب من أجل الانفصال يحتفلون اليوم بمدينة جوبا)، فتحالفت المداخلة والرسالة على إفساد بقية يومي ولكن رغم ذلك لم احجبهما عملاً بالسلطات المخولة لي، وها هما منشورتان، وإلي مداخلة الاستاذة نجاة….
الأخ الكريم الأستاذ المكاشفي
لو كنت بدأت عمود الاثنين 7 يونيو بـ «إن الأقوال وحدها لا تصنع الوحدة»، لكانت الكلمات أوقع حالاً ومقالاً .. فبالرغم من احترامنا الكامل لكل الاقوال الوحدوية الا ان تجارب الأعوام العشرين الماضية لا تجعلنا متفائلين كثيراًبمثل هذه الوعود والنوايا الطيبة،خاصة عندما يتعلق الأمر بقضية شائكة ومعقدة كقضية الشمال والجنوب ، قضية صنعتها عوامل السياسة والدين والاجتماع والمعتقدات المتجذرة في وجدان شعب الشمال الجغرافي، وتراكمت حولها جبال من الممارسات الخاطئة من الجانبين .. والتفت حولها تقاطعات المصالح الداخلية والخارجية، فكيف يمكن إزالة ترسبات كل ذلك بمقولات تطلق هكذا في اليوم الأخير وكأنها عصا موسى .؟ إن الاقوال (التي تتالت حول دعم الوحدة ) كان يتبعها على الدوام تأكيد لاحترام حق الشعب الجنوبي في تغليب خيار الإنفصال، وتأكيد أيضاً على العمل على استمرار (الصلات الطيبة) بين الشعبين في حال اختيار الشعب الجنوبي للانفصال ، هكذا بكل حيادية ، فكيف نقرأ هذا مع الانحياز الفجائي للوحدة والدعوة لدعمها بما يجعلك تهتف سير سير يا بشير.. ويقوم نفسك عالياً هكذا..
إن إزالة ما جعل خيار الانفصال أكثر جاذبية لشعب الجنوب ليس مما يمكن إزالته بالهتافية العالية والنوايا الطيبة مهما صدقت .. والإحساس بالظلم والتهميش والدونية ليس مما يمكن غسله بالماء والصابون والتربيت على الأكتاف .. وفي نفس الوقت فإن الخوف مما قد يجره الانفصال من ( ويلات وخراب وإضطراب وسراب) ليس مبرراً كافياً للاستمرار في وحدة إنهارت دعائمها ولم يبق منها سوى جغرافيا المكان، فكما ظللنا نردد إن تابو المليون ميل مربع ليس كافياً تماماً للإبقاء على الأوضاع على ماهى عليه ، فلاستمرار الوحدة الجغرافية لابد من الإلتقاء حول مفاهيم أساسية لا تلغي التنوع ولكن تدعمه بنقاط التقاء لا يختلفعليها إنسان السودان في كل أنحائه شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً ووسطاً .. تماماً كما في البلدان التي تضم شعوبها إثنيات مختلفة ، والتي استطاعت عبر التعايش والاختلاط والتمازج اليومي ان تخلق تجانساً وأن تبدع أنماطاً من الممارسات أدت إلى خلق مفهوم الشعب الواحد ، بعض من هذا حدث بفعل حتمية التاريخ والتطور الطبيعي لنمو المجتمعات ، وبعضهحدث بفعل التخطيط والعمل الدؤوب من أجل إحداث هذا الواقع، وشمل هذا مراجعة القوانين والمناهج الدراسية واللوائح والنظم مما يلي الجهد الرسمي في إطار الدولة ، ومنها – وهو الأكثر فعالية – رغبة الشعوب نفسها في التمازج وخلق النسيج الاجتماعي المنسجم والمتناسق .. فأين نحن من هذا.. الجهد الرسمي تقيده كوابح العقيدة ، والجهد الشعبي تتلبسه حالات الفوارق الإثنية التاريخية ، ولاتبقى إلا النوايا الحسنة وجهود اليوم الأخير .. وليست بعيدة تماماً أخي المكاشفي صورة النعامة التي تدس رأسها في الرمال ، سواء كانت تترقب خطوالعدو أوهرباً من مواجهة الواقع..
ثم .. لست أخي في حاجة إلى وصف دعاة استقلال شعب الجنوب- من مختلف معسكراتهم – بالغباء والجبن ..الخ .. فلكل دفوعاته التي توازي دفوعات الوحدويين إن لم تكن أكثر منها واقعية وشجاعة..
أنا شخصياً ومن موقعي كداعية لاستقلال شعب الجنوب، أثبت الآن وهنا بأن الانفصال ليس هدفاً بذاته، وأن الوحدة هي الخيار الطبيعي والأفضل إذا توفرت لها المسوغات الحقيقية بعيداً عن انفعال العواطف وتناقض الأقوال والأفعال، وإذا ربط تحقيقها ببرامج طويلة الأمد وواقعية تتلاقى فيها إرادة الدولة بإرادة الجماهير، ولا ضير إذا تحققت بعد جيلين أو ثلاثة من الآن، فهذا أبقى من هرجلة يوم الوقفة هذي…
مع أماني السلام للوطن في كل حالاته.

الصحافة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..