أثر النوم والتنويم المغنطيسي على المسؤولية الجنائية

اتجهت المادة (10) إلى الإعفاء من المسئولية الجنائية لمن يتركب سلوكاً مادياً جنائياً وكان في حالة نوم أو إغماء ، ولم تميز المادة بن النوم الطبيعي والنوم الاصطناعي أو ما يسمى بالتنويم المغنطيسي ، فقد ترتكب الجريمة في حالة النوم الطبيعي ؛ على سبيل المثال؛ هناك بعض الأشخاص الذين يسيرون أثناء نومهم وقد يؤدي ذلك إلى ارتكابهم لجرائم بدون وعي ، فهؤلاء غير مسئولين جنائياً عما اقترفوه . إلا أن التساؤل يثور حول بعض الوقائع التي يختلط فيها نفي المسئولية بالخطأ ، ومثال ذلك ، أن تنام جليسة أطفال إلى جانب الطفل ، ثم وأثناء نومها تنقلب على الطفل فيختنق ويموت . أو ، يقوم سائق شاحنة سفرية بقطع مسافات طويلة دون نوم ، ثم يداهمه النوم فجأة أثناء قيادته للشاحنة فتـنحرف الأخيرة عن مسارها وتصطدم بسيارة نقل ركاب فتودي بحياتهم . فهل تكون المساءلة في المثالين السابقين عن قتل خطأ ، أم أن المسئولية تنتفي تماماً ، وبمعنى أدق ؛ هل نفي المسئولية في المادة (10) نفي مطلق أم نسبي ؟
والراجح في رأينا أن النفي للمسئولية نفي جزئي وليس كاملاً ، فإذا تبين أن الجاني لم يتخذ الاحتياطات اللازمة رغم علمه باحتمال نومه فإنه يسأل عن جريمته مسئولية مخففة أي وفقاً للخطأ غير العمدي .
وهناك حالة السير والتكلم أثناء النوم : وقد اعتبرها بعض الأطباء مظهر من مظاهر الهستيريا ، يقول بيير راكو ، إنه فعل حقيقي ولكنه لا شعوري . ويبقى الشخص متيقظاً لشيء واحد : إنه الحلم الداخلي . فهو ينهض ويسير ويأكل ويقوم بأفعال متنوعة . فهو يعيش منامه فعلياً ويطيع بصورة عمياء الأوامر التي توجه إليه في الحلم . ومما تجدر الإشارة إليه ، أن السائر والمتكلم في نومه لا يمتلك شعوراً حقيقياً ، لذلك فهو لا يعرف الخوف . وهذا ما يفسر قدرة النائم على القيام بأفعال خطرة دون خشية وهو ما لا يستطيع القيام به في الحالات الطبيعية . وعندما يعود إلى رشده فإنه لا يتذكر أياً من أفعاله الشاذة . ولكن قد تمتد هذه الأفعال اللاشعورية لفترة طويلة وذلك يصل إلى حالة الازدواج في الشخصية . وفي هذه الحالة يعيش الشخص في اثنين من (الأنا) كل واحدة لها حياتها الخاصة . الأنا الأولى تخضع للوعي العادي والتي توجه من قبل القشرة الدماغية والثانية توجه بواسطة (الأنا) اللاشعورية الموجودة في المراكز العصبية للحياة اللاواعية بكل عاداتها وغرائزها .. الخ ” . ووفقاً لشرح بيير فيمكننا أن نعتبر الحركة أثناء النوم نوعاً من المرض العقلي الذي ينفي المسئولية تماماً .
النوم السريري : ( التنويم المغنطيسي ) :
اتجه بعض الأطباء النفسيين إلى تعريف التنويم المغنطيسي Hypnosis بأنه : ” حالة يكون فيها لدى الفرد قابلية للإيحاء وبنصف وعي ، أي ما يسمى بـ TRANCE ويقوم تكنيك التنويم المغنطيسي على زيادة الميل التركيبي للمريض نحو قابليته للإيحاء . وينفذ التنويم بجلوس المريض على الكرسي أو الاستلقاء على الفراش ، أيهما يرتاح المريض فيه شريطة أن يكون مسترخياً . ولكن هذا الاتجاه لم يفصل فيما إذا كان بالإمكان توجيه المنوَّم إلى ارتكاب الجريمة ، فقد جاء : ” أظهرت الأبحاث أن التنويم قادر على تحريض الرد على الانخراط في سلوك مضاد للمجتمع ، وفسَّر أورن و ايغانز (1965) ذلك بأنه خلال التجريب العلمي تم ضمان عدم قيام أي فرد بهذا العمل ضد غيره من المجرَّب عليهم . واتضح لهما بعد التجريب ومن خلال الاستعلام والاستجواب لهؤلاء الذين طلب منهم القيام بفعل مضاد للآخرين أن معظمهم كانوا يعتقدون أن الموقف عموماً أمين وسليم حيث اطمأنوا أنهم لن ينفذوا شيئا ً .
واستمر هذا الاتجاه المتذبذب ، في بعض الدراسات الأخرى فيقول بيير داكو ” وخلال النوم المغنطيسي نعرف أن الشخص موضوع البحث يبدي كثيراً من الانصياع ? إلى حد معين ? نحو الشخص المنوَّم غير أننا لم نكتشف قط أن إتمام فعل من هذا القبيل قد يكون في تناقض صميمي مع المشاعر الأخلاقية للشخص ” .
ويستمر “إن الشخص لا يفقد مطلقاً سيطرته الإرادية ونتيجة لذلك لن يرد بدون تبصر على كافة الأوامر التي يوجهها له المنوِّم” ويستند بيير إلى قول بالتسكي وهو متخصص آخ :
” في الحالات الجدية يصبح المنومون مغناطيسياً مجدداً سادة أفعالهم كما لو أنهم كانوا في حالة يقظة ” .
ويدعم ذلك بواقعة (جانيه) ؛ فعندما قدم المنوِّم ، مريضة منومة مغناطيسيا إلى تلامذته في كلية الطب وطلب إليهم تقديم بعض المقترحات . أحد هؤلاء الطلبة اقترح أن تخلع (جانييه) ملابسها . وبعد هذه الكلمات استيقظت المنومة مغناطيسياً فجأة وخرجت غاضبة … وهو أمر مطمئن جداً في نهاية المطاف . وينطبق الشيء ذاته على إمكانية إقناع شخص بارتكاب جريمة قتل وهو تحت تأثير التنويم المغنطيسي . ولكن إذا كان للشخص ذاته استعداد داخلي نحو ارتكاب الجرم ؟ التجربة بمفردها فحسب تستطيع الإجابة على هذا التساؤل” .
وقد أعادنا تساؤل بيير الأخير إلى الدائرة المفرغة ، كما أنه تساؤل خطير ؛ لأنه يقوم على مفهوم الاستعداد القيمي للشخص والكابح القيمي له أيضاً ، وهذا ما يصعب علينا كفقهاء في القانون أن نسبر أغواره ؛ فعلى سبيل المثال ؛ إذا كانت بعض القبائل تعتبر الزواج عبر خطف النساء شرف لها ، فإن أي فرد من أفراد هذه القبيلة ? ولنفترضه (أ) ? يحمل استعداداً طبيعياً للقيام بجريمة خطف . وفي فرض مقابل ؛ إذا كان (ب) من قبيلة تعتبر الخطف سلوكاً لا أخلاقي ، فإن (ب) يحمل كابحاً قيمياً ضد هذا السلوك .
فإذا ما تم تنويم (أ) و (ب) مغناطيسياً ، وأعطيت الأوامر لكليهما بخطف إمرأة ، فإن (أ) سينفذ الأمر مباشرة . في حين قد يمتنع (ب) عن تنفيذه .
وبما أن القانون لا يكترث بالقيم الخاصة سواء (الفاعلة أوالكابحة) ، بل يكترث فقط لهتك النص القانوني ، فإن القضاء لن يحفل بدراسة قيم الشخص ، وإنما بمدى تدخل التنويم المغنطيسي في إرادة الشخص وبالتالي تحديد المسئولية الجنائية .
ومن مجمل تردد الاختصاصيين في الفصل في هذه النقطة واتجاههم غير الجازم نحو عدم تأثير التنويم المغنطيسي على إرادة الشخص ؛ فإن القانون سيتجه إلى عدم الأخذ بالتنويم المغنطيسي كنافٍ للمسئولية . ومع ذلك نرى أن الشك يظل قائماً ، وأن الفصل في المسألة يرجع لطبيعة كل واقعة على حده من حيث قوة تأثير التنويم المغنطيسي والطبيعة العقلية للمتهم والقيم السائدة في مجتمعه .. الخ وذلك لتحديد موقف القانون من مسئوليته تجاه سلوكه الجرمي .
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. مقال علمي ثري ..
    ولكنني أسأل عن المادة المذكورة أول المقال أهي مادة في القانون السوداني أم ماذا؟
    إذا كانت مادة في القانون السوداني ، فهو نتاج عدم معرفة دون شك ، فمواد التحرش ومواد خدش الحياء العام مواد غير دقيقة الصياغة وليس لها ضبط قانوني ، وكذلك إذدراء الأديان

    لك الشكر الجزيل

  2. مقال علمي ثري ..
    ولكنني أسأل عن المادة المذكورة أول المقال أهي مادة في القانون السوداني أم ماذا؟
    إذا كانت مادة في القانون السوداني ، فهو نتاج عدم معرفة دون شك ، فمواد التحرش ومواد خدش الحياء العام مواد غير دقيقة الصياغة وليس لها ضبط قانوني ، وكذلك إذدراء الأديان

    لك الشكر الجزيل

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..