أكتوبر 21.. لم..ولن .. ننساك !

عدنا كالعادة في ذلك اليوم من المدرسة الإبتدائية بأبي سعد جنوب الفتيحاب.. صغاراً نتراكض خلف أستاذتنا كما درجنا على توصيلهم الى محطة الحافلات بعد نهاية الحصص نحمل عنهم الكراسات التي ياخذونها للتصحيح في بيوتهم المرتاحة فخراً بوظيفة التعليم ..!
لم يكن أهالينا عاجزين عن دفع مصاريف الدراسة ولا العلاج لأنها كانت ببساطة كاملة مسئؤلية الدولة ..!
وذهبنا بعد الغداء للتمرين في ساحة الحي.. عمتي رحمة الله عليها كنا نشاهدها على غير المعتاد تعبر الشارع الرئيسي جيئة وذهاباً.. تسال لماذا تأخر إبنها الزبير عليه الرحمة وهو الذي كان يعود من عمله محملا بخيرات الخرطوم ظهراً..إزداد قلقلها حينما علمت أن جسر النيل الأزرق مغلق والكل محجوزين في الضفة الأخرى ..فقد إندلعت مظاهرات في جامعة الخرطوم واستشهد الطالب أحمد القرشي طه ..!
في الصباح التالي صرفونا قبل الطابور وأغلقت المدرسة .. وظللنا نشاهد الدخان من على البعد لعدة ايام يتصاعد من كل ناحية .. فالأهل يمنعون الصغار من ارتياد المعمعة..!
ثار الناس من أجل الحرية السياسية وليس غيرها من مطلب آخر..!
الحياة كانت تسير رتيبة بايقاع منتظم وهي ترفل في الرخاء والرفاهية والأمن.. لكن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ولا حتى الحيوان !
كانت العاصمة المثلثة جنة تتراقص الأزاهير في حاوياتها المنتشرة في كل الشوارع التي تغسل مساءاً بالماء والنور.. ودور السينما في كل مكان تعرض في وقت واحد ما تعرضة باريس ونيويورك ودلهي والقاهرة وروما..!
والمسرح القومي يقدم كل خميس سهرات يتبادلها عمالقة الطرب فيفوز سيد خليفة بجائزة فنان الموسم كانت الف جنيه بحالها.. ياللهول قال جدي كم جنيه تساوي هذه الرُبطة !
الرئيس عبود لم يشتم أمريكا و يعدها بالعذاب ولا قال السوفيت ملحدون .. بل طار من واشنطن لموسكو وذهب الى لندن مباشرة وجلب المعونات ..فبدأ العمل في شارع مدني الخرطوم وقام مصنعا الجنيد والقربة واستجلب طلعت فريد التلفزيون من المانيا عن طريق كينيا التي لم تكن مستعدة له !
السيدة سكينة حرم الرئيس عبود ..لم تترشح لشراء جائزة المرأة العربية المثالية مثل حرم الخليفة الحاج الراشد عمر .. أم مؤمني زمن الإنقاذ السيدة وداد وكانت سكينة تستحقها بجدارة قبل خمسين عاماً.. وقتها لم يسرق الوزراء ولم يسبوا أحداً في خطبة .. ولم يكن عبود يتمسح ضعيفاً في الصين الشيوعية بل كان يتعاطى معها بندية فيأتي شوان لاي للسودان لينحني تحت العلم السوداني الشامخ.. ولم يكن عبود يأكل في بكين سراً ويمسح فمه تحت طاولة واشنطن منكسراً بالملفات الأمنية القوشية والنافعية والقطبية والجازية !
وحينما قال الناس من خلال الشارع وجبهة الهيئات للمجلس الأعلى لحكومة عبود ..سعيكم مشكور ذهبوا ولم يتعدى عدد الشهداء أصابع الكفين..!
طلب عبود أن تلغي بعثة إبنه الدارس في لندن التي كانت حكومية ليتكفل بالصرف عليه من معاشه التقاعدي وهو 120جنية ..تماماً مثل عوض الجازالمحتجز إبنه المسكين في عشرة مليون دولار لاغير بدبي ياحرام ..!
الآن الفساد يزكم الأنوف والتسلط والعنجهية تدوس كرامة الرجال والسياط تلسع ظهور النساء والجوع يمزق أحشاء الصغار والغلاء ينهش طرقات الأسواق.. والحريات..حدث ولا حرج.. ونافع يقول كان لابد من إصطياد الأرانب بالسلاح الحي لأنهم إستهدفوا حقل الإنقاذ المجدب..فهو لم يتدرب في مدرسة بيت الأشباح على استعمال خراطيم المياه ولا بومبان تفريق الكلاب والقطط !
والرئيس يحج ..من المال العام .. و إحتراما ًلكرامته التي تمنعه كحاج طازج من ممارسة سبة التسول .إلا بعد أن يأكل ضيوفه كرامة العودة لم يطلب من السعودية تكلفة حجته العشرين تطوعاً!
وزير مالية عبود كان مأمون بحيري .. الذي لم يتعامل مع ميزانية البلاد ..
مثلما يرتب ميزانيات حيشانه الثلاثة وزير الإنقاذ الفريد علي محمود عواسة.. وإنما لنظافة يد مامون ذهب رئيساً لبنك التنمية الأفريقي بابيدجان .. في ساحل العاج وياللفخار!
معارضتنا المتعارضة عقبة في وجه الشارع الفائر.. أنظروا لمولانا ابوجلابية الذي لا يهمه في تنقله أن يموت الناس كالفئران طالما إبنه يمارس مهامه بعيداً عن سموم الدخان المزعج لعيونه الشريفة.. وإبن الإمام هو الآخرمحمي ُ ضد فيروس المظاهرات في ردهة القصرالذي أقتحمه جنود جده الكبير و حملوا منه رأس غردون في مخلاية.. ووالده اليوم يختم آخر جولات التثبيط فيؤمن على فرضية عدم وجود البديل بعد بقائه لمدة خمسين عاماً وحده في الحزب لابديل له .. والحل عنده واحد من إثنين إما الإنقاذ وإما الوجه الآخر لها!
يسقط العشرات في يومين ولم يسقط الظلم !
فهل لآن نظامهم هو الأقوى لأنهم أنكهوا ..قوة الدفع الشعبية وفقدت القدرة على رميه بعيداً ..مستفيدين من غلطة عبود الذي أشبع الناس ولما أشتد ساعدهم رموه بحثا تحت ركام نظامه عن الحرية التي ضاعت بين ..الجلابية أم ياقة .. وجناح أم جكو.. والديمقراطية التي غاب لونها خلف لوحة اليسار القانية .. ومن ثم تحنت بها لحية الكيزان الدجالة !
ومع ذلك كله ..!
إنني أومن بالشعب حبيبي وابي و..بابناء بلادي البسطاء.. الذين انحصروا في ساحة المجد ..فزدنا عددا.. وبأبناء بلادي الشرفاء الذين اقتحموا النار فصاروا في يد الشعب مشاعل.. وبابناء بلادي الشهداء الذين أحتقروا الموت وعاشوا ابدا..!
اليوم أكتوبر 21.. هل تذكرونه..؟
أنا شخصياً لم ولن أنساه وإن كنت وقتها صبياً كان همي كل همي واجباتي المدرسية .. وكان معنى الحب عندي قبلة من والديا.. !

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. برافو استاذ برقاوى والله جبت النضم السمح والنجيض وناس سيدى ديل بنقول ليهم كلام عادل امام فى شاهد ماشافش حاجة ده انت طلعت اى كلام يا جدع وفى مسرحية الزعيم اخرب بيتنا احنا يا شيخ بس الحقيقة التى يجب ان يعلمها ال سيدى فى البيتين ان اخر سيدى هو الصادق واخر سيدى هو ابو ناعم الذى هرب واخذ مفاتيح الحزب معه.

  2. لله درك أيها البرقاوي الصحفي الأديب يا مدرسة يحق لمن يريد أن يتعلم فن الحرف أن يدخلها.. والله لقد قطرت عيناى دمعاً غزيراً وأنت تعيديني الى أيام أكتوبر التي عشتها طالبة في جامعة الخرطوم و أيقظت في ذاكرتي منظرنا محتجزين عند الكوبري ولعلك تقصد كوبري النيل الأبيض المؤدي الي أم درمان
    ونحن نحاول أن نلتحم عبورا مع الشرارة التي إندلعت في أم درمان ومثلها أخرى في بحري..أه اه وياله من منظر..مات اليوم صريعا في شارع الإنقاذ الوعر..وها نحن نعيش زمن ربيع عبد العاطي يدلق الجهل فيزيد من زلقانات القلوب في دروب الحسرة على الماضي.. فنتراجع نحن أساتذة الجامعات الى مؤخرة القطار الذي يقوده في كل الإتجاهات الخاطئة ..جهلاء كسروا القلم .. وجبناء صديء السيف في اياديهم الراجفه حيال الأعداء .. و انغرس في رقاب الأبرياء .. وبخلاء ملكوا المال وأفسدوا في كل أشكال الأحوال!
    ولكن عزاؤنا في عقولكم أنتم مستنيري الوطن..في الداخل والخارج ..أنت يابرقاوي ومعاوية ياسين وشريفة و سارة عيسى و الطاهر سادتي ود/ حيدر والحاج وراق وبكري الصايغ كأمثلة فقط..فغيركم كثر لتعيدوا للحرف مجده وللوطن عزه ولاإنسانه إنسانيته المسلوبة كثوب حريته وازار كرامته..شكرا نبيلا لك يا ابني وربنا يحفظك .. خالتك الدكتورة أم عادل .من على هامش حياة التقاعد هياماً في الزمن الرديء !

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..