هل بدأت وجهات المشروع الحضاري تتهاوى؟: (التأصيل) اختفاء المستشارية وغياب المستشار

الخرطوم: الهادي محمد الامين

اقتضى التقليد في التعديلات الوزارية في العشر سنوات الماضية على احتفاظ الشيخ الدكتور أحمد علي الامام بموقعه كمستشار رئيس الجمهورية لشئون التأصيل التابعة للقصرالجمهوري باعتبار أن قضايا التأصيل والاسلمة والتعريب ركائز وأعمدة أصيلة وأساسية تؤسس للمشروع الحضاري لدولة الانقاذ. وأيضا باعتبار أن الرجل أيضا يعد واحدا من ابرز المرجعيات الدينية في أوساط الاسلاميين، حيث كان الشيخ الدكتور من أوائل القيادات التي قامت على أكتافها كلية القرآن الكريم ? وكان معه الدكتور يوسف العالم – والتي تم ترفيعها في عهد الانقاذ الاول لتتحول الى جامعة القرآن الكريم والعلوم الاسلامية، ويكون الشيخ أحمد علي الامام أول مدير لها ثم التحق الرجل برابطة العالم الاسلامي، وأسس مع آخرين من رموز الحركة الاسلامية منظمة الدعوة الإسلامية والمركز الاسلامي الافريقي، والذي تحول هو الآخر فيما بعد لجامعة إفريقيا العالمية.
غير أن التشكيل الوزاري قبل الاخير شهد اختفاء مستشارية التأصيل التي يقف على قيادتها الشيخ الدكتور أحمد علي الامام والذي فاز في عهد الديمقراطية الثالثة لدوائر الجمعية التأسيسية في العام 1986م بدائرة دنقلا الجغرافية، وتردد ان عدم إيراد مستشارية التأصيل كان بسبب اتفاقية نيفاشا للسلام التي وقعت مع الحركة الشعبية في العام 2005م، حيث لم يتم الاشارة إليها في أي تشكيل لاحق، لكن احتفظ الشيخ ( الامام ) بموقعه كمستشار فقط دون أي أعباء أو تكاليف ومهام، كما جرت العادة بوجوده كرمزية دينية أوكلت لها مهمة التأصيل للقضايا التي تطرأ أو تستجد في الساحة ومحاولة ربطها بأصول الدين واستنباط أحكام فقهية جيدة يكون من شأنها مواكبة الدولة ومؤسساتها لقضايا العصر ومجاراة إيقاعه المتسارع بالنوازل والطوارئ وردها الى الاصول والقضايا الكلية وموازنة الاصل بالعصر والسند الشرعي مع الواقع الظرفي أو ما يسمى بفقه الواقع.
غابت مستشارية التأصيل لكن لم يغب المستشار أما في التشكيل الجديد فقد اختفت المستشارية وغاب المستشار (المؤتمن)، ليطل السؤال لماذا مسحت الانقاذ وبـ( الاستيكة ) مستشارية التأصيل؟ هل انتهى دورها؟ هل استغنت الحكومة ومؤسسات ودوائرالدولة عن التأصيل؟ هل كانت قضايا التأصيل مرتبطة بشخص الشيخ أحمد علي الامام ? إذا غاب غابت المستشارية؟ أم ان الضغط الخارجي الذي وقعت تحت سطوته ووطأته الحكومة جعلها تراجع الى حين عن بعض واجهات مشروعها الحضاري؟ أم أن انشغالها بتعقيدات الحكم وصراعها السياسي مع خصومها ما أنساها التأصيل ؟.
من المعروف أن الحركة الإسلامية لم تكن مولعة بشيء كولعها واهتمامها بقضايا الأسلمة والتأصيل لدرجة أن ثورة التعليم العالي قامت من أساسها علي منهجية التأصيل خاصة في العلوم والتدريس وتعريب المواد كافة التي كانت تدرس بمؤسسات التعليم العالي والجامعات ولم تسلم حتى الكليات التطبيقية من ثورة التعريب، وتم إدخال مادة الثقافة الاسلامية كمادة رئيسية في كل الجامعات.
ولم يقف قطار التأصيل عند محطة الجامعات بل زحف نحو القوات المسلحة في محاولة لاختراق الجيش وتنظيفه بادخال كودرها فيه وبث روح التأصيل بداخله خاصة في معسكرات التدريب فتم تغيير ( الجلالات والمارشات العسكرية ) القديمة واستبدالها بأخري مشحونة بالتراث الاسلامي والشعر الجهادي والنشيد الحماسي الذي تهتف ويردده الاسلاميون، فغابت على سبيل المثال جلالات كانت تردد سابقا مثل: (بت الصول حريقة.. سمحة يازول حريقة .. واللوري هينو 8 طن.. شال الطالبة حلاتا .. وأوو مريم شن بلم ما هية مافي). وتم الاستعاضة عنها بأناشيد اسلامية مثل يـ(السودان هنيئا بالفتح المبين نحنا سلاح معمر ضد الخارجين) وغيرها من الجلالات ذات الصبغة الاسلامية .
وكذلك تغيير من الامكنة التي تحمل مسمى بدلالات بعيدة عن روح الاسلام باطلاق أسماء بديلة مثل تغيير اسم سوق أبو جهل بالابيض بسوق ابن مسعود وتبديل اسم بعض القرى باسماء أخرى جديدة مثل (اضان الحمار) بلدة المستشارالرئاسي السابق ووزير الاعلام الحالي عبد الله مسار باسم ( الفردوس ) بل، وواصلت الإنقاذ ثورتها حتى داخل ملاعب الكرة وميادين الغناء والموسيقى، فمُنع جهازا الاذاعة والتلفزيون في فترات سابقة من بث وترديد بعض الاغاني مثل (لا وحبك) و(الباعبدا) و(ومين علمك يا فراش تعبد عيون القاش)، وغيرها كثير.
وكان اهتمام طلاب الاتجاه الاسلامي بقضية التأصيل مصدرا لسخرية وتندر طلاب اليسار من جهة وطلاب أنصار السنة من جهة أخرة، حيث يحكي أن كادر مؤتمر الطلاب المستقلين (أحمد القرشي) قال يوما في أحد أركان النقاش انه وجد لافتة لمخبز وفرن يتبع لاحد الاخوان المسلمين كتب علي لافتته (مخبر الهدى) فقال: (هو يعني بطلع رغيفة محجبة) بينما دار نقاش وجدل مطول بين طلاب انصار السنة و(الكيزان) حول مدى مشروعية وجواز الغناء والموسيقى والمعازف، فبينما يحرم طلاب الجماعة السلفية الغناء ابتداءا، نجد أن طلاب الاتجاه الاسلامي كانوا مع مبدأ ( الحل ) وأوردوا واقعة لتأييد وجهة نظرهم الداعية لتحليل الغناء والرقص متعلقة بأن الرسول (صلى الله عليه وسلم )، حمل السيدة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها على كتفه لترى رقص الأحباش بالحراب.. في محاولة منهم لتبرير موقفهم، فرد عليهم أحد كوادر أنصار السنة قولهم بغير رفق.
و ينسب للشيخ عبد الجليل النذير الكاروري وفي جامعة الجزيرة قال لمن يمنعون الحب والرومانسية بين الجنسين: إن هذه القضية موجودة في التاريخ الاسلامي، واستدل بقصة ابنة شعيب التي قالت: ( يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الامين ). وواصل هذا يعني ان ابنة شعيب رضي الله عنه كانت مفتونة ومعجبة بسيدنا موسى،( وهذا هو الحب).
عودا على بدء فإن قضية التأصيل التي بدأت في عهد الانقاذ تراجعت شيئا فشيئا، وكانت اتفاقية نيفاشا واحدة من عوامل انحسار قضايا التأصيل، لكن كانت كل التوقعات تشير الى رجوع التأصيل بتجلياته ليحكم الحياة العامة بالبلاد خاصة بعد انفصال الجنوب. لكن المفاجأة تمثلت اختفاء مستشارية التأصيل وغياب مستشارها. وقد سألت الشيخ سعد أحمد سعد القيادي بهئية علماء السودان عن سر ذلك فرد قائلا: (الانقاذ أصلا ما محتاجة للتأصيل؛ لأنها ليست مشغولة به ومستغنية عنه تماما، وليس مهما أن يكون هناك تأصيل أو لا يكون)، ثم يواصل (الأمور ومنذ فترة ليست بالقصيرة ماشة بدون تأصيل ) وحينما سألته عن سبب ذلك أجاب بقوله: ( الحكومة أصبحت غير معنية به؛ لأنه باختصار غير مهم بالنسبة لها وان وجود التأصيل والمستشاية عبارة عن ذر الرماد في العيون)، أما البروفيسور عبد الرحيم علي حينما طرحت عليه هذا السؤال اكتفى بالقول إن كثرة مشغولياته وزحمة برنامج أعماله لم ينتبه لذلك !!.. فهل الأمر هو إلغاء المستشارية أو غفلة وعدم انتباهة؟ الانقاذ وحدها تجيب عن هذا التساؤل.

الاحداث

تعليق واحد

  1. ياخى كتر خيرك كتير لانك ازحنت عنى هم التفكير فى الوضع الذى اصبحت علية قرية اضان الحمار فعند زيارتى الاخيرة لهذة المدينة وجدتها قد انقسمت الى قسمين اذ وجدت الاضان ولم اجد الحمار لكن بعد الاضطلاع على مقالك علمت ان الحمار قد ذهب لوزارة الاعلام وهو موجود هناك وتاكدت من ذلك حين شاهدتة على شاشة التلفزيون يهنق — لك الشكر الجزيل اخ الهادى

  2. قرات المقال واردت اعلق عليه ولكن عندما قرات تعليق الاخ /صابر لم اتمالك نفسي من الضحك

    (الله يجازي شيطانك) يأخي.

    المعلوم ان الشيخ / احمد علي الامام طريح الفراش الابيض بسبب جلطة في المخ نسأل الله له الشفاء

    لكن هذا الموقف يؤكد ان الانقاذ دأبت علي خلق وتفصيل المؤسسات علي حسب مقاس جماعتها

    تساءلت من زمان عن سبب قيام مستشارية للتأصيل وكان معنا احد الاخوة اراد احتج بشدة وارجو

    ان يكون فهم الدرس وغير مستشارية التأصيل توجد مؤسسأت وهمية كثيرة وما ادارة توطين

    القمح بالشمالية ببعيدة وغيرها من الاسماء الوهمية التي ابتدعتها الانقاذ وجعلت منها روافد

    للصرف من الميزانية من رواتب ومخصصات وخلافه (اللهم انا فوضنا امرنا اليك)

    نتمني ان يكون احد مستشاري السيد الرئيس ان يتحلي بالشجاعة ويطلعه علي كل المواضيع

    التي تطرح ضد حكومتهم الفاشلة.

  3. لايوجد توافق بين الانقاذين كحزب و عليه وجود مستشارية و على راسها شخص معتدل و لا ينحاز الى البقية و بديهى سوف يكون له راى واضح و صريح فى تفلتات الشافع و البعير .
    لذا كان من هؤلاء التخلى عنها بعد اتفاقية السلام بين الحركة الشعبية و الانتكاس .
    من يقبل ان يكون هناك شخص ناصح له وهو افسادى ؟
    مستحيل القبول بشريك يكون مكدرا لهم و ينتقد هفواتهم و يحرم سرقاتهم و يخون من اعتدى على المال العام و يجرم من قتل ناشط او اغتصب و عذب .
    كل هذه الامور لها حسابات لدى المفسدين و يسعون دوما على تغطية الاخطاء و عدم ظهورها اعلاميا و خصوصا الاختلاف فيما بينهم .

  4. مستشار الرئيس للتاصيل يرقد الان طريح الفراش في مستشفي متخصص في علاج الجلطات في مدينة إشتوتغارت الالمانية وهو يحتاج مننا للدعوات من اجل ان يمن الله عليه بالشفاء وكنت قد قمت بزيارته ومعي بعض الاخوة السودانيين وكان هناك جدل اثير في زيارتنا هذه فالبعض كان يقول بوجوب الزيارة والبعض الاخر كان يحرم هذه الزيارة بسبب صلة المريض بالحكومة وايضا بسبب المأسي التي تسببت بها قرارات مفوضية التأصيل والتي اعادتنا الي العصر الجاهلي ولكن في الاخر حسمنا امرنا وتابعنا اخلاقنا السودانية التي نشأنا وتربينا عليها والتي لاتمت بتاتا بما فعله ويفعله الاسلاميون في بلادي العزيزة وقمنا بزيارة المريض .ولقد علمت موخرا بان الشيخ احمد علي الامام نقل الي مستشفي اخر بالقرب من مدينة نورينبيرغ لمواصلة العلاج.

  5. رغم ان نظام ( الدمار) دمر كل اخلاقيات الشعب السوداني المتمثلة فى المروءة الشهامة الشجاعة الامانة الامانة الامانة الامانة ، تلاشت كل الصفات الحميدة لشعبنا المغلوب على امره ، تبقت فقط الشعرة الاجتماعية التى تنفصل عن السياسة والحزبية وان شاء الله يذهب نظام الدمار الى غير رجعة قبل ان يقضى على اخر سماتنا الجميلة ، فاقول للزائر للمريض د. احمد على الامام ـ جزاك الله خيرا وخيرا ما فعلت ، فلك أجر الزيارة بدعاء الملائلكة لك . ونسال الله له الشفاء العاجل ولكل مرضى المسلمين

  6. وطن الشموخ وطن العزة نسأل الله سباحانه وتعالى ان يولى عليه من يصلح ويعدل بين الرعية ويعمل على تقدمهه كل الذين باعوا الزمم وحادوا عن الحق بسال الله يحول حياتهم الى بؤس وشقاء
    وحتى لا اطيل عليكم اسال عن مصير الحركة الاسلامية فى السودان هل هى موجودة ام قضت عليها……….وادين الصمت من رجالاتها امثال الدكتور احمد خالد عبد الرحمن والدكتور عبدالجليل النزير الكارورى والذين شغلتهم السياسة مثل الاستاذ على عثمان محمد طه هل فشلت الحركة الاسلاميه فى قيادة البلد وتحكيم العدل والمساواة بين المواطنيين اتمنى من الاخوة الكتاب والعلماء والصحفيين الكتابة عن هذا الموضوع باسهاب حتى تتضح الرؤيا كاملة بالاضافة لسياسة الترضيات والتى ادت الى الترهل فى قطاعات الدولة وذادت الطين بلة فى الاقتصاد المتهالك وهل السودان مؤهل لتطبيق الديمقراطية واى دستور يناسب اهل السودان اننى ارى حل مشكلة السودان فى تاسيس مجلس عسكرى من كبار الضباط من الذين احيلوا للمعاش تمثل فيه كل اقاليم السودان يؤدوا القسم على العمل بنزاهة لوضع دستور دائم للبلاد وهيكلة المؤسسية لادارة الدولة والاشراف على السياسات وفق مصلحة الوطن والعدل والمساواة فى التنمية لكل اقاليم الوطن وتطهير مؤسسات الدولة من الفساد والمفسدين والحد من الجيوش القفيرة فى المجالس البرلمانية ومجالس الولايات بلجان متخصصة ذات كفاءة عالية لادارة شئون المواطنين حتى يتفرق البقية للانتاج المفيد و…..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..