إلى من يهمه الأمر سلام

في عهد الزعيم إسماعيل الأزهري، له الرحمة، كنا نطالع بين الحين والآخر إعلاناً بهذا العنوان يتضمن قراراً بفصل عضو أو قبول إستقالة آخر من الحزب دون ضجيج يذكر سوى إنضمام العضو المعني لحزب آخر أو إنزوائه بعيداً عن ساحة العمل السياسي. وكان للزعيم الأزهري، رغم وضوح القرارات مقولة مأثورة مفادها أنه يترك الباب (موارباً) أو مفتوحاً لمن يرغب في العودة لصفوف الحزب. ولأن دورة الحياة واحدة فقد شهدنا في هذا العهد تشابها بالتراجع أو قبول العودة حتى مع الذين أوصلهم الخلاف في الرأي إلى أعلى سقوف النقد والتجريح والفجور. أقول هذا لأننا نتابع هذه الأيام تداعيات فصل البعض من حزب المؤتمر الوطني واتجاههم لتكوين حزب سيضاف إلى قائمة الأحزاب الطويلة التي تضم أحزاباً أصيلة قليلة الأثر أو أخرى متشظية من أحزابها الأم دون اختبار انتخابي يحدد حجم قاعدتها الجماهيرية. وأقوله لأنني رغم متابعتي اللصيقة لا استطيع أن أحصي عددها أو اتبين معالم قواعدها علماً بأن كثرتها لا تحقق وجوداً ملموساً مما جعلها تنال بجدارة الوصف السائد قبلاً بأنها أحزاب الزينة والمتداول حليا بأنها أحزاب الفكة.

ونحن نعلم أن الدول التي تنتهج الديمقراطية لا تظهر لنا تعدداً حزبياً بهذا الكم الهائل عندنا، وحتى لو وجد لن يتجاوز أصابع اليد الواحدة مع بزوغ نجم حزبين أساسيين أو ثلاثة فقط0 ففي بريطانيا هناك حزبا المحافظين والعمال وفي الولايات المتحدة الحزب الجمهوري والديمقراطي وفي ألمانيا الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الديمقراطي الإجتماعي والحزب الديمقراطي الحر وفي فرنسا الحزب الإشتراكي والحزب الشيوعي والحزب الديمقراطي وحتى في إسرائيل لا تؤثر سوى أحزاب العمل والليكود وكاديما. أما في ربوعنا فمن حق كل واحد منّا أن يكوّن حزباً قد لا يتجاوز عدد جماهيره العدد المطلوب للتسجيل مع إن برامج عملها لا تختلف كثيراً عن بعضها لأن ما تدور حوله اللعبة السياسية لا يخرج عن إطار تأمين الرخاء وبسط الأمن وتحقيق العدالة ودفع التنمية وصون سيادة الوطن الخ. وعلى هذا الأساس كثيراً ما تفوز الأحزاب في مناخ الديمقراطية الحر بعون الذين يقرؤون مضامين البرامج قبل الولاء الأعمى.

ويبدو إن تجربة المفاصلة التي أفضت إلى مؤتمرين، وطني حاكم وشعبي معارض بأنيابه، أغرت البعض إلى إمكانية الثبات والنمو جماهيرياً، لكن ذلك تحقق للشعبي لأن قيادته تتمتع بتجربة طويلة في العمل السياسي ولها جذور ممتدة وسط الجماهير لا زالت تدين لها بالولاء. أما تلك التي تعتمد على رنين أسماء قادتها بلا قياسات قاعدية ملموسة قد تحتاج إلى كثير جهد لترسيخ مبادئها ناهيك عن قدرتها على المنافسة. فهل من الممكن بدلاً من اللجوء إلى التعدد أن تعود الأحزاب المتشظية إلى حظيرتها وأن تتوحد تلك التي لا تختلف برامجها كثيراً لتكون لدينا دائرة ضيقة نوزع بينها أصواتنا الإنتخابية؟ في هذه الجزئية لعل المدهش أن جميع الأحزاب تتشدق بوحدة الوطن وترفع راية ترسيخ الديمقراطية بينما لا تلفح في لم شمل من انفرط عقدهم من أعضائها أو العمل ديمقراطياً داخل حيشانها.

لقد قرأت خبراً يفيد يتحرك عدد من الوسطاء والأجاويد الذين يسعون لرأب الصدع داخل المؤتمر الوطني ليكون حزباً يضم في داخله كل ناصح وسائح وإصلاحي ليعملوا معاً وفقاً لرؤى ارتضوها في البدء وتصدوا لها عن قناعة خاصة وأن الانتماء بعمر الحزب ليس بالهين محوه كما ليس باليسير فتح صدورنا لقبول كل من يستبدل حلته بأخرى باعتباره أمل الغد. لذا نأمل أن نسمع ما يفيد بإصلاح ذات البين والعقبى لبقية الأحزاب.

جريدةالخرطوم في 3/11/2013

[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..