المؤتمر الوطني وحكومته .. وليد شرعي.. ومنتج طبيعي للاسلامويين

بسم الله الرحمن الرحيم
منذ بداية التصدعات في جسم الحركة الاسلاموية وحزبها الحاكم في السودان إبان المفاصلة الأولي..
ما ينفك كل منشق يحمل علي حزبه الذي خرج عليه أو لفظه سواء أكانوا أفرادا أو جماعات .. واسمينه بأقذع الصفات .. متحسرين علي حال الحركة الاسلاموية التي عرفوها ..وما آل إليه حالها علي يد النظام وأعضائها القدامى المتنفذين في الدولة منهم ..رامين كل اللوم عليهم في تشويه صورة الحكم الإسلامي بزعمهم .. ومن ثم يطرحون أنفسهم بدائل لإعادة النقاء والطهر للجماعة والحركة .. منكرين كامل الإنكار لأية أسباب غير انحراف الحكام وتلويثهم لتاريخ الحركة والسقوط بها إلى ما وصلت إليه من قاع سحيق .. وهذا السلوك في الواقع .. يمثل هروبا من الأسئلة الصعبة .. واختباءً منها وراء أمانيّ مستحيلة .. في قطع النهر من نفس المكان مرة أخري .. وتعويلاً خاطئاً علي ضعف ذاكرة الشعب السوداني .
ولا يتوقف هذا عند القياديين منهم .. بل إن القواعد.. حتى الذين ما زالوا منتمين إلي الحزب الحاكم .. يحلمون بيوم يتم فيه إصلاح الحركة وتجميعها .. بمعزل عن أي حزب .. في أحلام كاذبة منهم لإعادة عقارب الساعة إلي الوراء .. مثبتين أنهم في الواقع.. يريدون السباحة عكس مجري التاريخ .. وهو المستحيل بعينه.
والسؤال الجوهري الذي يطرح نفسه بإلحاح شديد هو : هل يمكن ان تكون الأسباب التي تفسد أعضاء تم تجنيدهم منذ مراحل الطلب والدراسة الأولي .. وإلزامهم المساجد مصلين وأئمة ووعاظاً.. وتربيتهم الصارمة داخل التنظيم .. ورعايتهم اكاديمياً.. وعجم عودهم من خلال تقديمهم للقيادة في الاتحادات الطلابية..لمنافحة نظم دكتاتورية .. ثم قيادات برلمانية في عهد الديمقراطية .. هل يمكن إن تكون أسبابا ذاتية تخص إفرادا بعينهم ؟ ورزايا تخرج من طبائعهم ؟.. لا عاقل بالقطع يستطيع الإجابة علي هذا السؤال بالإيجاب . والاسلامويون إذ يقولون بهذا إنما يضعون أنفسهم أمام احد من ثلاثة أمور أو جميعها . وهي :
? سوء التربية السياسية والدينية والأخلاقية داخل التنظيم .
? العجز أو عدم الرغبة في النقد الذاتي وإجراء المراجعات المهمة .
? الانتهازية السياسية في إخفاء العلل التي توصلوا إليها في حال تمت مراجعات .
وأي منها أو ثلاثتها ترمي بأحجار الإدانة نحوهم بكثافة . وتسمهم بأكثر مما يتصورون .
ولان انتفت الأسباب الذاتية كما قدمنا فان البحث عن الأسباب الموضوعية واجب يقع عي عاتق الجميع بما فيهم الاسلامويين أنفسهم . لان هذا التيار لا يمكن الحديث عن زواله بزوال النظام ضربة لازب . ولا نخترع العجلة إن قلنا أن الصراع بعد زوال النظام سيكون بين الاسلامويين ومناوئيهم . معارضين ومنتمين للنظام .. وغير بعيد في الأوان مغازلة الترابي لمجموعة غازي ودعوته لأعضاء حزبه بتناسي الإحن بينهم وإفساح المجال لانضمامهم إلي حزبه . مرددا نفس العبارات الممجوجة في أنهم يلاقونهم في طريق الإسلام . كأنما بقية أهل السودان من أهل الكفر والذمة .
ونحاول هنا فتح كوة لسبر غور المشكلة بإسهام متواضع آملين ان تتسع دائرة البحث والنقاش بأسلوب يجعل الآراء متاحة للجميع . وليس حكرا علي المثقفين وحدهم.. لان المنطقة التي يرعي فيها الاسلامويون ..هي منطقة العاطفة الدينية التلقائية واستثارتها بالشعارات .
ان النقطة الأولي التي يجب الإقرار بها أن الإشكالية التي واجهت الاسلامويين لم تكن إشكالية ممارسة بقدر ما كانت إشكالية فكرة . وفي داخلها تتشعب الإشكاليات الاخري . ونعني هنا فكرة الدولة الدينية ثم الحزب الديني .
وفي امر الدولة الدينية يجمع الكثير من المفكرين انه لا يوجد نموذج للدولة بمفهومها الحديث في كل اشكال الحكم التي مرت علي المسلمين . مما جعل تجريب تنزيل الشعارات المنادية بها مصطدما بواقع لا وجود له في الأدبيات الموروثة . وكل تجريب خاضع للفشل والنجاح .. الا عندما يصور الامر مرتبطا بتعاليم دين .. هنا لايحتمل الفشل الا ان يكون مخالفة للدين..والاتهام بوجوده كافيا للوصم بمفارقته .. وهي التهمة المتبادلة بين رفقاء الأمس وخصوم اليوم.
اما امر الحزب الديني فقد انتبهت له مقررات مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية في ان هذا يعطي قدسية للرأي الحزبي الذي هو محض فعل انساني لا يحتمل تكفير المنادين بغيره . كما تم ويتم علي اساسه تقسيم الناس الي فسطاطين مسلمين وكفرة .. وهو الخطاب الاقصائي الذي ادي فيما ادي الي فصل الجنوب ويهدد بانفصالات اخري .
ولا يقتصر الامر هنا علي المناوئين للفكر الاسلاموي ..لان التربية التنظيمية علي الطاعة للمرشد او ما يشابهه جعلت كل خلاف مع رؤيته اما فعلا بلا اثر.. او مفضبا الي مفارقة الجماعة كعديد الانشقاقات ..ليس في ايام هذا النظام فقط .. لكن علي مر تاريخ الحركة .
النقطة الاخري تكمن في صفوية وانغلاق الحركة منذ نشاتها ..ما حوجها حال انقضاضها علي الديمقراطية الي تحالفات عريضة يكون للحركة فيها اليد الطولي فكريا .. وقد تمثلت في زعماء القبائل ومشايخ الطرق الصوفيةكما اوضحنا في مقال سابق.. فاتحة الباب علي مصراعيه للجهوبة والقبلية .. فاما رضيت القبيلة بنصيبها فصار كلفة تثقل كاهل الدولة .. او استصغرته فصار مدخلا للشباب الرافض للتمرد المسلح .
النقطة الثالثة هي الاعتداد بثقافة التمكين لضرورة التسريع بانجاز الدولة وقد تمثلت في
? احتكار الوظائف بدعوي استئجار القوي الامين ما ادي الي قلة الكفاءة واحالات الصالح العام والمرارات المتولدة جراءها وتغييب قيمة العدل الذي هو اساس الحكم
? احتكار المال العام واستئثار منسوبيه والواصلين به ما ادي الي تشوهات اقتصادية واجتماعية كبيرة
? انشاء اجهزة الشوكة وهي اجهزتها الامنية والذي ادي الي تحويل الدولة الي دولة امنية ممارسة وتمدد الاحهزة في النشاط الاقتصادي وبعدها عن المحاسبة والمراجعة مما ادي الي انتشار الفساد
? عدم الاعتداد بفكرة بالدولة القطرية لاعتدادها بفكرة الدولة الاسلامية الكبري مع التنظيمات العالمية المنادية بذلك مما ادي الي اشكالات في العلاقات مع بقية الدول الاسلامية وايقاعها في استراتيجيات الدول الكبري المناوئة
? تحويل حروب الهامش الي حروب دينية واعلان الجهاد علي مواطنين متشاركين في الوطن
? تبنيها لفهم مخالف لما تواضعت عليه المنظمات الدولية في امور حقوق الانسان وقضايا الحريات وضع المراة والطفل والديمقراطية والاكتفاء بوضعها في خانة الصليبية الدولية مما وضعها في مواجهتها غافلة عن تاثيرها علي الراي العام العالمي .
مما سبق يتضح السبب في ان كل المجموعات والافراد المنشقين اما كانوا جزءا من النظام في بعض اوقاته منافحين عنه .. او مقرين به ابان تواجدهم في مجالس الشوري وشاركوا بفعالية في مناقشات ما قبل الانقلاب . وآثروا السكوت حال عدم الرضي مما يجعلنا نقول ان الزمن لو عاد الي الوراء لما حدث غيرما حدث . مما يبقي حكومة الانقاذ ودولتها مولودا شرعيا ومنتوجا طبيعيا للحركة الاسلاموية واحدي افضل تجلياتها ألا يذكر احد التجربة التركية لان الاسلامويين وجدوا نظاما ديمقراطيا قد بني دولة حديثة وساهموا فيها وادخلوا تعديلات تسمح بما كان ممنوعا علي الاسلامويين مثل لبس الحجاب في البرلمان ونحوه
لا اعتقد انو مولود شرعى ؟ ابوه الترابى ، قال المؤتمر ماولدى !!! وانكر معرفته به أصلاً …