كسر الشخصية : رغم الدماء والدموع لم تبارح حقيقة مفاصلة الإسلاميين مكمنها ولم تخب نصيحة

الخرطوم – عزمي عبد الرازق

لا يزال بعض من عتاة الإسلاميين ينصبون قاماتهم في الفضاء الشاهق ويرددون في غيرما سانحة أنّ الخلاف بين البشير والترابي مهما تطاول أمده فهو إلى زوال. لكن خصومهم- أو على الأقل تيار كبير منهم – يذهب بهم الظن خلافا لذلك، ويفتلون على حبائل نظرية المؤامرة، بالظن أنّ ما جرى من أمر المفاصلة هو محض (تمثيليّة).. نعم؛ تمثيلية لا تنفصل بأيّ حال من الأحوال عن سيناريو الصعود الإنقاذي الأوّل حين موّه عرّابو العملية على المخابرات العالمية وعيون الداخل، حاجبين هويتهم عن الجميع.. بالطبع وجود الترابي داخل الزنزانة وهو يتقلب في فراش خشن وبجواره الميرغني والصادق المهدي ونقد، هو عتبة أولى في المسرح السياسي، ذلك التماهي مع المشهد الذي لم ينطل على فطنة سكرتير الحزب الشيوعي حين كسر جمود الحالة الدرامية للشيخ وباغته بالقول: “كتّر خيرك جاملتنا بعد دا أمشي لي أولادك ديل محتاجين ليك”.

دماء ودموع

وبالرغم من كل الدماء والدموع والجراح لا زال ثمة من يصور حقيقة الصراع القائم بأنه مجرّد رواية من تأليف خيال هازئ. إعادة إنتاج الاتهام القديم وتسويق حكاية مشابهة جاء بعد إقصاء إخوان مصر عن الحكم والمجازر التي تعرضوا لها، ما جعل الحركة الإسلامية في السودان تتحسس بعض أطرافها، وخرج شيوخها لتطبيب الجراحات القديمة، والبكاء بين يدي حائط التاريخ. بينما توالت اللقاءات بين الترابي والبشير تباعاً، وانتهت أيام العسل بين الشعبي وقوى المعارضة عقب أحداث سبتمبر والتي شعر الإسلاميون فيها بالإقصاء على اعتبار أن النظام إلى زول وأن الإسلاميين كلهم ملة واحدة.

كلمة السر

ثمة من يعتبر أن الاتفاق على المفاصلة غُيبت فيه القواعد حتى لا تفشي السر، وتمثلت الفلسفة في ذلك بأن تتقاسم الحركة الإسلامية شقي الرحى؛ في الحكومة والمعارضة، أما المبالغة في الصدام والعنف فقصد من ورائها صرف أنظار المتشككين عن حقيقة ما يجري في الغرف المغلقة، وأنّ على شيخ حسن – حتى لا تحترق كل مراكبه – أن يفتعل أسباب الصراع، ويغالب شهوة السلطة فيبدو غريماً للسلطة في عيون المجتمع الدولي، وفي نفس الوقت يحتفظ بكلمة السر في أعماقه، وهي الرواية الأقرب إلى مزاج قوى المعارضة!

الخلاف حقيقي

“ما حدث بين الترابي وتلامذته لا يعتبر تمثيلاً بالمعني الحرفي”.. هذا ما ذهب إليه الدكتور علي السيد، القيادي بالحزب الاتحادي، والذي قلبنا معه الفرضية في طقس يمور بالحراك. السيد يدلل على حديثه بأن الخلاف بين الجانبين اتسع وكانت هنالك قضايا مطروحة هي مثار جدل.

وينظر علي السيد إلى موقف الحكومة من أحداث (30) يونيو في مصر، بأنها لم ترفضها بشكل واضح وإنما دفعت بالحركة الإسلامية لتبني موقف الرفض، بينما خرج الترابي بنفسه وأكد دعمه للإخوان في مصر. ويذهب السيد إلى أن الترابي يستمد موقفه من تاريخه ونفوذه كشخصية إسلامية معروفة. وفي ما يخص الحديث عن رغبة الترابي في السيطرة على الحكومة والمعارضة يشدد علي السيد على أن الشعبي ليس لديه تأثير في صفوف المعارضة، ولديه أجندته المعروفة، ولا يستبعد أن يكون الترابي يمثل على العالم الخارجي ولكنه لا يمثل على جماهير حزبه، والغرض من وراء كل ذلك أنه يريد أن يطرح نفسه بديلا للمؤتمر الوطني، أو يكتفي بالاحتواء كما تجلى ذلك في مشروع (النظام الخالف) .

أشواق غير ملزمة

أما الدكتور الطيب زين العابدين فهو لا يبتعد كثيرا عن خلاصات علي السيد ويرى في حديثه للصحيفة أن القضية من المستحيل أن تكون تمثيلاً، مدللاً على ذلك بأن الصدام بين الحزبين أخذ في الاتساع وكانت هناك اعتقالات ودماء، كما أن يوسف لبس بقي في السجن(12) عاماً حبيسا. الطيب ذهب إلى أن الإسلاميين على العموم ليست لديهم قدرات مخبوءة في التمثيل، وهم أكثر خلق الله وضوحاً، وبخصوص عبارة الترابي القديمة: “اذهب إلى القصر رئيسا وسأذهب إلى السجن حبيساً”، يعيد زين العابدين تفكيكها بأنها خدعة لم تصمد كثيرا وقد أفشاها الترابي نفسه، وقال إنّه هو الذي أطلق تلك العبارة حتى أصبحت في ما بعد تستخدم ضده.

عرض جنن العالم

ثمة سؤال يتجدد اليوم وبعد مرور (16) عاما على نكبة الرابع من رمضان: هل كانت تلك الحادثة العظيمة مجرد خدعة؟ هنالك من يدمغ مفاصلة الإسلاميين بأنها مجرد خدعة لا تنفصل بأي حال من الأحوال عن سيناريو الصعود الأول لسدة الحكم (أذهب إلى القصر رئيسا وسأذهب إلى السجن حبيساً)، ومع كل أنهار الدماء والدموع لا زال ثمة من يصور حقيقة الصراع القائم على أنه مجرد رواية من تأليف خيال هازئ، رواية يتربص بها قارئ لا يعوزه الذكاء مما يراكم الاستفهامات حول ذات الوقائع التي صنعت لتبريرها، سيما وأنه من عوامل نجاح العمل الدرامي الحبكة الجيدة التي تتطلب كثيرا من اﻹجراءات التعسفية ضد الآخر حتى يكون اﻹخراج جيدا ومقنعاً للحد البعيد.

الحبكة الدرامية

واحدة من الوقائع التي وقف عندها المراقبون إبان المفاصلة هى كثافة الوفود التي جاءت من الخارج لرأب الصدع بين الإسلاميين، الغنوشي والقرضاوي والزنداني، ولكن المدهش في الأمر أن تلك الشخصيات رغم تأثيرها وسطوتها إلا أنها كانت تصطدم بعقبة ما، وبمجرد أن تستمع للترابي تغادر الخرطوم دون حتى أن تتطرق إلى فشل مهمتها، كما أن الغنوشي ظل يتعامل مع كافة الأطراف وكذلك بديع مرشد الإخوان المسلمين الحبيس في مصر، والذي أطل على الخرطوم أثناء مؤتمر سابق للحركة الإسلامية، والشاهد أيضاً على وجاهة العرض هو توقف التراشق بين الترابي وعلي عثمان رغمم المرارات والشعور بالخيانة، ما تلا الشهور الأخيرة أكثر من لقاء جمع الرجلين طوقته السرية ورشح منه كم من الابتسامات المصورة، البعض يعتبر علي عثمان هو جهاز الفاكس الذي يستقبل توجيهات الترابي بشكل غامض ومثير، وقد عرف عن النائب الأول السابق لرئيس الجمهورية أنه لم يدخل في تراشق مع شيخ حسن إلا يسيراً، وكانت إشاراته كلها في المفاصلة وما أعقبها ذات صبغة عاطفية، وربما اندرج هجوم المعسكر الآخر على علي عثمان في سياق الحبكة الدرامية.

كلمة السر

هنالك تيار آخر يعتبر أن الاتفاق على المفاصلة تم بين الرؤوس الكبيرة وقد غيبت القواعد حتى لا تفشي الأسرار، وتمثلت الفلسفة في ذلك بأن توجد الحركة الإسلامية في الحكومة والمعارضة، أما المبالغة في الصدام فالغرض منها صرف أنظار المتشككين عن حقيقية ما يجري في الغرف المغلقة، وبينما يذهب آخرون إلى أبعد من ذلك بأن عضوية الوطني انطلت عليها خدعة المفاصلة وهي كلها تمت حياكتها في منزل شيخ حسن حتى لا يحرق كل مراكبه، يفتعل أسباب الصراع مع البشير، يجاهر بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، يغالب شهوة السلطة فيبدو غراما في عيون الغرب، وفي نفس الوقت يحتفظ بكلمة السر في أعماقه، على العموم كل أجنحة الحركة الإسلامية تحمل تصوراً واحداً لمفاهيم الإسلام في الحكم، وهي ذات التجربة المعروفة بالإسلام السياسي مع اختلافات طفيفة، ويبقى الرهان على ما ستسفر عنه الأيام المقبلة بخصوص الحوار الوطني وإن تطاول، ساعتها يمكن إطلاق التوصيف النهائي بخصوص الرابع من رمضان وما تلته من وقائع وأحداث

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. قلنا ان الانقسام عبارة عن مسرحيةمنذ لحظاته الاولى لان الانقسام فعل سلبى لا ينتج الا كل ما هو سلبى .ولهذا فان كان حقيقيا حتما سيعمل على نهايتهم . ولكن ماذا حدث ؟ انفكت جزء كبير من العزلة الدولية التى فرضت عليهم وبالذات العربية والاغرب من ذلك كله ان من ساعدهم على ذلك الرئيس المصرى حسنى مبارك , ثم بدات نهاية التجمع الوطنى الديموقراطى بدخوله عمليا فى مفاوضات المبادرة الليبية المصرية رغم ان النظام عام 99 وصل حد الاختناق , وخصوصا فى مناطق العمليات وبالذات شرق السودان حينما استطاعت قوات التجمع دخول كسلا . كان لا بد من انقاذ النظام ثم كانت مسرحية المفاصلة . اكثر من روج للانقسام كان اليسار وخصوصا الجرب الشيوعى , ففى عقله الباطن كانت الانقسامات التى حدثت فى صفوفه حاضرة تلك الانقسامات التى لم يفق منها حتى الان . تلك المفاصلة من اهم نتائجها ان وضعت كل الشعب السودانى فى حالة انتظار لا آت .ساعد فى ذلك الشيوعيون وبكل غباء.
    تغيير النظام لن يتم الا بواسطة الشعب و للاسف الشعب فى هذه اللحظة يحتاج هو نفسه الى التغيير

  2. الحكاية واضحة لاتوجد تمثلية ولا مسرحية ولايحزنون لسبب بسيط جدا وهو انو الكيزان مابعرفو مبدا التضحية لكن بعرفو كويس جدا مبدا الانانية وحب الذات والاستحواذ …واي واحد عاشرهم عن قرب يعلم هذه الحقيقة عنهم تماما

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..