هذا ليس صحيحاً!

كنا ونحن طلاب في المدارس وحتى في الجامعة نحفظ ونكرر العبارات التي درج الأساتذة الكرام على ترديدها من وقت آخر، مثل قول الدكتور محمد سعد، أستاذ التاريخ في كلية التربية بجامعة الخرطوم (ومهما يكن فإن الأمر لا يمكن أن يكون قد تمّ بهذه الصورة الدرامية) فقد كان يرددها وهو يتحدث عن نهاية كل مملكة من ممالك غرب أفريقيا التي كانت غالباً ما تنتهي في ظروف تاريخية غامضة لم يسجلها المؤرخون. ومما نحفظ أيضاً قول أستاذنا عثمان محمد الحسن، مدرس اللغة الإنجليزية البارع في مدرسة خور طقت الثانوية سابقاً(whatever the case might be). ثم فيما بعد بدأنا نحفظ عبارات السياسيين مثل قول السيد الصادق المهدي في كثير من المناسبات، (هلمجرا) وغيرها من العبارات؛ كقول الدكتور حسن الترابي باللغة الإنجليزية .(Ultimately) ومن المشهور في هذا المجال عبارة الرئيس الراحل جعفر نميري، رحمه الله، (أهلي وعشيرتي) التي كان يرددها كلما خاطب الشعب السوداني في برنامجه الشهري المعروف أو في أية مناسبة سياسية يخاطب فيها الجمهور.
أما الرئيس الأزهري فله القدح المعلى في مثل هذه العبارات، كما أشتهر سيادته، رحمه الله، بمد الكلمات، كما يقول أهل التجويد، مداً متصلاً؛ حتى تساعده على ترتيب أفكاره وأنتقاء كلماته. فقد ذكر لي أحد طلابه في مدرسة أم درمان الأهلية أنه كان يدرسهم مادة الرياضيات، وذات مرة كان الدرس عن متوازي الأضلاع ولما كانت اللغة الإنجليزية هي لغة التدريس في ذلك الوقت، فقد نطق السيد الأزهري الجزء الأول من الكلمة، parallelo ولكنه سمع طرقاً على باب الفصل، فخرج قبل أن يكمل الكلمة، وكان الطارق هو “الفرّاش” الذي طلب منه أن يذهب إلى مكتب المدير للرد على محادثة تلفونية هامة، وبعدما عاد الأزهري أكمل المقطع الأخير من الكلمة وهو “gram” فضج الفصل بالضحك وفهم سيادته الموقف! شخصياً عندما كنت مدرساً بثانوية الملك عبد العزيز بالرياض، وهي مدرسة تضم طلابا من مختلف الدول العربية، لاحظت أن الطلاب كلما أخطأ أحدهم في الإجابة على سؤال، أو تلعثم في الكلام أو قال كلاماً غيراً مفهوماً، رد عليه الآخرون همساً بقولهم: (كلام الطير في الباقير) ولما سألتهم من أين لهم بهذا المثل السوداني الدارج؛ رد علي أحد الطلاب المصريين( من حضرتك يا أستاذ)!
عموماً، ما جعلني أكتب تحت هذا العنوان (هذا ليس صحيحاً)، هو استخدام الأستاذ علي عثمان محمد طه، النائب الأول لرئيس الجمهورية، لهذه العبارة، أكثر من عشرة مرات تقريباً، في اللقاء الذي أجراه معه الأستاذ أحمد منصور في برنامج (بلا حدود) في قناة الجزيرة. فقد كان سيادة النائب الأول، كلما أفاده مقدم البرنامج بمعلومة لا تروق له، مهما كانت درجتها من الواقعية والصحة، يرد بقوله: (هذا ليس صحيحاً) ومن ثم يحاول سيادته تفنيد ما جاء على لسان المذيع. وكما هو معلوم فأن الأستاذ على عثمان سياسي محنّك، وقانوني ضليع، ويبدو أنه أستفاد من ذلك في اللقاء المشار إليه، مستخدماً أسلوب ذكياً لتفادي الحرج، على الرغم من الانفعال الذي كان يبدو على محياه! فمثلاً عندما سأله مقدم البرنامج عن مذكرة الإصلاحيين رد قائلاً: (إن مجموعة الإصلاحيين لم تقدم حزمة إصلاحية بل قدمت مذكرة احتجاج على الإجراءات الاقتصادية وإلغائها دون تقديم بدائل. مشيرًا إلى أن المكتب القيادي الذي انعقد مساء أمس ناقش عملية الإصلاح وكيفية تطوير الحزب) مع العلم أن المجموعة المذكورة قد تحدثت عن الإصلاح في أكثر من منبر ومناسبة حتى اضطرت الجهات المعنية لإيقاف أحد البرامج التلفزيونية لاستضافته أحد الإصلاحيين.
يا شيخ علي نحن الآن نعيش في عصر الشفافية والمعلومات وكما قلت أنت في هذا اللقاء أن السودان ليس فيه شيء مخفي لأن الناس يتداولون المعلومات في مجالسهم الخاصة والعامة؛ ولذلك نرجو منكم تمليك الحقائق للشعب حتى يكون على بينه من أمره. ومن ناحية أخرى نحن نعلم أنك أحد أهم صانعي القرار في البلاد، ولذلك نرجو من سيادتك أن ترمي بثقلك مع التغيير الذي قلت إنه الآن قيد المناقشة في أروقة الحزب، ونأمل ألا يكون التغيير مجرد إدخال وجوه جديدة على التشكيلة الوزارية التي ظلت ثابتة في مواقعها لأكثر من عقد من عمر السودان. إن البلاد تمر بفترة حرجة وصعبة سياسياً وأمنياً واجتماعياً واقتصادياً، وإلا لما اضطرت وزارة المالية لرفع الدعم عن المحروقات، وإذا سلمنا بهذا الواقع؛ يكون من الضروري الاستفادة من عائدات رفع الدعم من أجل استغلال موارد البلاد؛ لإحداث تغيير فعلي في عملية الإنتاج وتنويعه من أجل زيادة الدخل القومي حتى نرفع المعاناة عن كاهل ” المواطن البسيط”، مع التأكيد على عدم ذهاب تلك الأموال إلى جيوب المفسدين الذين أنكرت وجودهم، طالباً البينة ممن يدّعون استشراء الفساد في مرافق الدولة، مع العلم أن هذا الأمر قد صار حديث المدينة، دون أن تتخذ الحكومة إجراءًا حاسما، ما عدا محاكمة منسوبي شركة الأقطان، مع غض الطرف عن موضوع بيع خط “هيثرو” وغيره من الحالات.
ختاماً بما أن الحديث ذو شجون والشيء بالشيء يذكر، تحضرني عبارات أستاذنا عبيد خيري في كلية التربية فهو رجل صاحب “قفشات” ومنها أنه نظر ذات يوم إلى أحد الزملاء وهو يدون بعض النقاط من المحاضره، فرآه يكتب كلمة whole بدون حرف w فقال له: ياعادل “هولك دا سويته حفرة عديل”. وخلاصة القول إن عدم الإقرار بالحقائق لا يعني إنها غير قائمة أو موجودة؛ ولذلك بنبغي على رجال الدولة أن “يمسكوا التور من قرونه” بدل التهرب من التسليم بالحقيقة مهما كانت مرة.
إن عبارة ( هذا ليس صحيحاً) تعادل في معانها عبارة ( هذا كذب ) وعبارة ( هذا خطأ) فما الذي جعله يرددها أكثر من عشر مرات بكل تأكيد هو الذكاء والدهاء الذان لا يخطأن لسان الرجل.
وهي ملاحظة جديرة بالاهتمام ولكن الذي شدني أنك قد اتخذتها مدخلاً رشيقاً خفيفاً لايصال قولة حق محكمة لحاكم أصبح وللأسف الشديد لايسمع ولا يرى بجزاك الله خير وكثر من أمثالك.
لقاءه كان عين الطير في الباقير و الغريبه بعد رفعهم الدعم و( لبنت) أعطوها للطير التشادي و المالي و امتطوا بها صهوات التاتشرات و مكروا لنا بها لكن الله اسكن بها طيرهم مستشفى كوستي , قاتلهم الله هولاء الانجاس,