مقالات سياسية

يا حسين .. حيرتنا ..!

محمد عبدالله برقاوي

كعادتنا نحن أهل السودان الذين لا يخلطون بين العام والخاص في علاقاتهم الإجتماعية ولا يفسد خلاف السياسة لهم وداً أو تواصلاً ، وعقب غزوة الدكتور خليل النهارية زرت الرجل في مكتبه الوحيد الذي بقى له ووجدته حزيناً يفرك يديه حسرة على مصيره و مصير مائة وخمسين من أسر العاملين معه الذين تم تشريدهم بواسطة أجهزة الأمن وقتها !
فقد كنت في إجازة بالسودان وكان الأخ الأستاذ حسين خوجلي قد تعرض لإغلاق ومصادرة كافة مؤسساته الصحفية والإعلامية على خلفية الشكوك التي حامت حول علاقته بالحدث وخبر الطائرة التي وجدت في أحد أحياء الثورات وبها طيار أجنبي متوفياً و الذي نشره حسين وتعمد الرقيب تمريره ليتم مصادرة صحيفة الوان صباحاً من قبيل تكريس الخسارة وخراب البيوت كعادة أمن النظام !

ولعل تلك كانت آخر حلقات الشد والجذب بينه وإخوة الأمس من أهل الإنقاذ منذ مفاصلة القصر والمنشية التي تأرجح فيها حسين في رمادية المنطقة الغامضة إنتظاراً لمعرفة الثور الذي يغلب الآخر في مناطحتها ..بل كانت المؤشرات تقول أن الرجل يرجح كفة إنتصار الشيخ الترابي وفقاً لشواهد هجومه على عراب فريق القصر الحوار الخارج عن عباءة شيخه الأستاذ علي عثمان الى درجة وصف حسين له في غمرة مشاحناته الشرسة بالقاضي الفاشل!

ولكن ما أن هدأ الغبار وأنجلت ساحة الدواس و ظهر المنتصر رافعاً يديه في وسط الحلبة ، حتى هرع حسين الى أهله شيوخ الشرفة الذين قدموا الدعوة للرئيس البشير وبايعوه ، وخطب حسين ود الرجل بزلاقة لسانه الى درجة أثارت حمية البشير بالتكبير ورفع العصا إنتشاءاً وهوشة حينما خاطبه قائلاً بيننا وبينك شريعة الحق إن أنت سرت عليها سرنا خلفك وإن حدت عنها فاصلناك عند حدودها وكان حسين يسند ظهره في تلك الجرأة على حائط عشيرته وهو يشير للرئيس الى مقابر أجداده قائلاً بانهم إستشهدوا أنصاراً للإمام المهدي من أجل ترسيخ دولة الشريعة والإسلام !

وما لبث بعدها أن زار حسين غريمه علي عثمان في منزله ومعه بعثة التلفزيون مصطحباً الدكتور عبد الكريم الكابلي لتسجيل سهرة جلس فيها النائب الأول منبسطاً ومتبسطاً بالجلابية والطاقية ولعل حسين أراد أن يكسب ود الرجل صاحب الدور الأخطر والقدح المعلى في إنقاذ مابعد الشقاق بعد أن طوى صك غفران الرئيس بتلك المبايعة في جيبه !
عادت لحسين بعد فترة إيقاف طويلة جميع مؤسساته رغم تقديم رجله اليمنى ناحية السلطة وتأخير يسراه عنها وبدأ يمارس الكتابة وزاد عليها قناة فضائية هي أمدرمان ولكنه لم يجد رغم كل ذلك التزلف والتوبة المشوبة بشكوك وتقطيبة بعض أهل الحكم وإنفراج أسارير البعض الآخر حياله دوراً سياسياً في قاطرة الإنقاذ يتجاوز عتبات محطة دوره الإعلامي !

لا أحد يمكن أن ينسى من ابناء جيلنا دور حسين إبان الديمقراطية الثالثة وتمهيده لغدٍ كان يعلم خباياه بتخريب المناخ العام للديمقراطية ركوباًعلى عسر هضم المرحلة لها ، بل وإفساده لأدبيات العمل الصحفي الذي إنحرف به الى تناول سمعة الخصوم والتبشيع باعراضهم و نشر السلوك الشخصي على حبل الشارع العام وهو ما أضر بالكثيرين ، بل ولعله في تلك المرحلة كان الرجل يستند الى قادمٍ فضح له تلميحاً وتصريحاً إذ كانت الجبهة القومية الإسلامية تعد طبخة الإنقاذ على نار تلك الربكة الصادقية التي زاد حسين و صحفيو الإسلاميين من تأجيجها استغلالا للمال الذي توفر لهم لحرق الديمقراطية الثالثة تبريراً لقدوم غرابهم المشئؤم الذي ظل ينعق فينا لربع قرن من زمانه الأسود !
الان وكأن التاريخ يعيد نفسه ولكن ليقلب حسين كتابة وجه العملة التي افسد بها ديمقراطية وحرية ما بعد الإنتفاضة ليلعب بالوجه الآخر للقطعة المعدنية الذي يعكس صورة المشهد الأخيرمن شريط الإنقاذ الطويل وقد تراءت له كلمة النهاية على شاشة لو دامت لغيركم !

ففي الوقت الذي يمنع فيه شبونة وعووضة والطاهر ساتي وزهير وسعد الدين وغيرهم من الأقلام وتصادر صحفهم التي قد لاتصل الى كل العيون !
فإن حسين الذي يدخل الى كل بيت في العاشرة مساءاً وبعد أن أنزل زميله الظافر من قبة القناة ، نجده قد صعد الى أعلى متأرجحاً على هلال ذات القبة وهو يهتف بأعلى صوته ناقداً ولاعناً وشاتماً ومتهماً بل وداعياً الرئيس لكنس كل أوساخ نظامه بدرجه مائة المائة برنامجاً وشخوصاً وليس الإكتفاء بتجنيب القذارات بعيداً عن صدر البيت المتهالك ، بل ولعله قد حبس خلف لسانه عبارة وأنت معهم ياعمر لأنك العلة الكبري !
فما الذي يمهد له الرجل بقرون إستشعاره التي لا تخلو من الذكاء والخبث الإستشرافي وهو الذي يتمتع بملكة التغلغل في مسامات العرق تحت جلد المشهد قبل أن يتنزى خارجها !

هل يلعب دوراً لفريق سينتصر في مفاصلة تدق على أبواب المرحلة العصيبة التي يترنح فيها النظام جراء سكرة فشله وتمزق دماغه من صداع صباحاتها!

فأعُطى الضوء الأخضرمن ذلك الطرف الذي أضيء أحمراً في وجه الآخرين حتى عتاة مفكري النظام الذين ناصحوه بالحسنى فكان جزاؤهم الطرد ، وهو ما استنكره حسين بالأمس وكأنه ينطق بصوت سيد يسند اليه ظهره في جرأة عجيبة
..حقيقي..
( حيرتنا بها ياحسين )
فقد تخطيت حقاً وياللحيرة فرضية التنفيس الذي يفيد النظم الدكتاتورية حينما تشعر بضغط الإحتقان عليها تجنباً للإنفجار على شالكة دريد لحام في مسرحيات غوار الطوشة التي تضرب على البردعة لتنبيه الحمار الى عوج الدرب الذي ينحرف اليه مندفعاً !
والله ياحسين حيرتنا بل.. و..جننتنا ..على رأى جمال حسن سعيد وهو يخاطب صاحبه خلف الله !

محمد عبدالله برقاوي
[email protected]

تعليق واحد

  1. شكرا لك الأستاذ برقاوى على هذا المقال الجميل و فعلا ربما شعر حسين خوجلى بقرب مفاصله فى النظام لذلك يجرؤ على ما يفعله ليلا تحليل متميز كتب براس صاحى و واعى و لك كثيف الود

  2. حسين خوجلى لو اتى باستغفار مكتوب بحبر ملئ كل كل أنهار وبحار ومحيطات الدنيا لن يغفر له الشعب السودانى ماعمله لتمهيد الطريق بالغش والخداع والتدليس والتمليس والدهنسة لعصابة الانقاذ التى علثت بكل مقدرات الشعب السودانى

    انه آفة كشيخه الترابى
    وحديثه هذه الايام يشبه حديث شيخه بعد المفاصلة عن قتلى العمليات فى الجنوب
    قد يكون تحليلك أخى برقاوى صحيحا الى حد كبير عن أنه بما يحدث الآن يخدم جهة انقلابية أخرى فطبعه وطبيعة تكوينه تتفق وذلك ( الضرب تحت الحزام ) وشغل ( أم غموتى ) فهو لم ولن يكون له يوما موقف مع الحق أو بالبلدى موقف رجال

    ملحوظة : حسين خوجلى عامل فيها ( أم درمانى ) ( ما عارف ليه ؟) وما رجع للشرفة الا عشان العملية التى اشرت اليها في مقالك

  3. ودا سبب اذانا يا shah عدم الوطنية والخجل من الماضى وعدم قبول الاخر والتصالح مع الذات والامراض العرقيه والصبر على الظلم

  4. ا دور حسين إبان الديمقراطية الثالثة وتمهيده لغدٍ كان يعلم خباياه بتخريب المناخ العام للديمقراطية ركوباًعلى عسر هضم المرحلة لها ، بل وإفساده لأدبيات العمل الصحفي الذي إنحرف به الى تناول سمعة الخصوم والتبشيع باعراضهم و نشر السلوك الشخصي على حبل الشارع العام وهو ما أضر بالكثيرين
    لو كل دور كانت تلعبة الصحافة في فضح وكشف سلوك كل من يمتطي وظيفة عامة ما كنا وصلنا لتك الرحلة كل قرد كا نطلع جبلة كانت وجوه كثيره فاسده احتفت من الحياة العامة والسياسية لاننا نخاف الفضائح لا يهمنا هدم بيت واحدقيهم وتشريد اسرته زوجات واطفال خوفا من الفضائح مسؤلينا كان مشوا تحت الحائط نعم فلندع المعركة متواصلة في البيت اصلنا نخافالفضائح

  5. لك التحايا أستاذ/ برقاوى كفيت ووفيت ربنا يجعلك ذخرا لدمقراطيتنا القادمة أنت والأساتذة الأجلاء / فتحى الضو ووسيف الدولة وعبدالرحمن الأمين وبكرى الصايغ المكتوين بالغربة وناس الداخل الذين يكتون من كلاب الأمن ان مايسطره بنناكم لهو شعلة الأمل التى تضيىء لنا درب حريتنا المنشود .
    وكما تفضلت هذا الصحفى الذى رضع من حليب الكيزان وما وما سطره بنانه فى الديمقراطية الثالثة وما أدخله فى الصحافة بألوانه من خساسة الصحف الصفراء والله لأستعجب من كلامه الأن الذى بدون خجل وعين قوية وتبجحه بالعالم ببواطن الأمور من جماعته وتنصيبه لنفسه بحلال العقد لأمر عجاب ومعظم من يجلس الأن لمتابعة برنامجه منبهرون لقوة العين بأدعاء تخليص البلد من ما أوصلته جماعته …….. تحياتى لكل المناضلين داخل البلد وربنا يرد البعيدين .

  6. علها قد أطلت الدراهم برأسها مرة أخري .. مثلما شهدنا من كرم ( و مظاريف ) أمن الترابي قبل المفاصلة لسي حسين .. و ما ذهاب الظافر الا ذر للرماد علي العيون .. قال تنفيس .. قال .

  7. هل يلعب دوراً لفريق سينتصر في مفاصلة تدق على أبواب المرحلة العصيبة التي يترنح فيها النظام جراء سكرة فشله وتمزق دماغه من صداع صباحاتها!
    فأعُطى الضوء الأخضرمن ذلك الطرف الذي أضيء أحمراً في وجه الآخرين حتى عتاة مفكري النظام الذين ناصحوه بالحسنى فكان جزاؤهم الطرد ، وهو ما استنكره حسين بالأمس وكأنه ينطق بصوت سيد يسند اليه ظهره في جرأة عجيبة ؟؟
    من شاهد منكم حلقة اليوم سيدرك أنه فعلا أعطى ضوءا اخضرا وهو بالتاكيد يلعب دورا لفريق شيخه الماكر على عثمان فقد أثنى عليه اليوم ووصفه بأنه من السياسين القلائل بل ذهب لأكثر من ذلك واصفا إياه بأن أمثاله يعدون على الأصابع فى هذا الزمن..شوفوا التناقض بل سخرية القدر التى تجعل على عثمان بهذه الصفة ياسبحان الله ..
    يخطى من يظن أن هنالك متأسلما لديه ذرة.. أى والله ذرة واحدة من الوطنية فقد ولدوا جميعهم من رحم الشيطان وقام بتربيتهم إبليس اللعين ورضعوا من ذات الثدى حليبا آسنا ملأهم حقدا وكرها لهذا الوطن فقد دمروا كل ما بناه غيرهم وعاثوا فيه فسادا فلا خير فيهم ولا خير فينا إن لم نعجل بكنسهم ورميهم فى مزبلة التاريخ ليلحقوا بركب إخوتا لهم فى شمال الوادى ..

  8. الأخ الأستاذ محمد والشاعر
    السم عليك ورخمة الله وبركاته
    انا من المداومين على قراءة عمودك ليس تحيزا لأنك من ابناءمنطقتي ولكن لأنك أهل لذلك وما يسطره قلمك من درر تأكد بحق أن أهل الجزيرة فيهم من نفاخر بهم لأن مكانك وزيرا للثقافة ولا أقول مكان حسين خوجلي فحقا علينا ابناء الحلاوين أن نفاخر بك فأنت نشاذ من بين من يكتبون في الراكوبة واسلوبك خالي من التجريح والاساءة للآخرين وارآك تنم عن ثراء ثقافي وعلم وشكرا لك على هذا المجهود

  9. حسين خوجلي مسوّق وتاجر شاطر ، يعرف من أين تأتي الدراهم .
    كما كان يفعل في (الوان) الآن يمارس ذات اللعبة التسويقية لقناته (امدرمان) .
    وهو مهتم بتلميع نفسه وتجميلها ولكن هذا بات لا ينطلى على أحد .. ما عاد الناس كما كانوا قبل إنقلابهم المشؤم .
    يجب ان لا نصدق الرجل لانه استفاد من الانقاذ عن طريق (الفساد) الذي يتحّدث عنه اليوم ، عندما تّم ركله .
    وحسين خوجلي كما عهدناه (مراوغ) وسيظل كذلك ككل الكيزان ، فالنقد الذي يمارسه (طعناً في ضُل الفيل) لايقنع أحداً .. الاّ بعض السُذج .

  10. مقال رائع اخ برقاوى .كلهم هكذا عندما يشعرون بخطورة الموقف يبدافريق منهم في نشر غسيل حزبه المتهالك لكسب ود الشارع لتهدئة الاوضاع . الهم اجعل كيدهم في نحورهم هؤلاء الخونة المارقين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..