الوجبة السودانية الثقيلة على معدة الإسلاميين..!!

تصور طبقا فيه عجور مقطع على شكل دوائر وشرائح، وعجور مقطع على شكل مربعات، ثم عجور معصور على هيئة صلصلة (عجور)، وقد قلبت هذه المكونات ثم رششت عليها بذور العجور.
فهل يمكن أن تأكل مثل هذا الطبق؟. ممكن بالطبع، ولكن إن إستطعت تذوقه فلن تستطيع بالتأكيد أن تسميه سلطة خضراء. فإكتفاء هذه الوجبة بمكون أو عنصر واحد يفقدها طبيعتها، و معناها، و وظيفتها، وفائدتها، وحتى إسمها، أى بإختصار (هويتها).
إذا الوجبة التي وصفناها هي عجور (ساي) ولا يمكن أن نصفها بالسلطة الخضراء بتاتا، ولا يمكن أن يأكل منها الذين لديهم حساسية من العجور أو الذين لا يطيقونه.
فالهوية هى ما ينتج عن اندماج عناصر مختلفة ليتشكل منها شئ ذا قيمة وتأثير ومعنى. فحين نقول الهوية السودانية فنحن نتحدث عن كثير من العناصر التى تندمج لتصنع هذه الهوية بدءا من الأعراق المختلفة: قبائل مختلفة شمالية جنوبية وشرقية وغربية والتي تشكل العناصر والمقوم الأساسي للهوية. ثم تتبعها اللغة: عربية أو رطانات مختلفة، ثم الدين: الإسلام والمسيحية وغيرها والتي تشكل معتقدات مختلفة، ثم التراكم التاريخي: الحضارات السابقة من ممالك وإستعمار وثورات. كل ذلك يجتمع بالجغرافيا في مكان يمثل، الوطن، طبق الوجبة الذي يحوي كل هذه العناصر والمكونات لتنتج ثقافات وعادات وتقاليد وموروثات وأخلاق وفنون مختلفة لتشكل الهوية الوطنية السودانية.
إفترض انك أخذت عنصرا واحدا فقط، وليكن الدين، الإسلام طبعا، السنّى بالتأكيد، السلفى ولا شك، وقررت أن تعتبره هو الهوية؟ أو ما يطلق عليه الإسلاميون (هويتنا الإسلامية). فبغض النظر عن موقفك الفكري أو العلمي أو السياسي فإنك ستواجه مشكلة عملية بحتة كمثال الذي يحاول أن يصنع سلطة من العجور فقط؛ أو الذي يحاول أداء مسرحية جماعية بممثل واحد فقط. فالنتيجة؟ طبق ممسوخ غير مفيد وكوميديا فاشلة وبمعنى أدق (مسخرة).
والمعاناة ستتمثل في كيفية تأليف و (نجر) عناصر أخرى من نفس الخامة الأصلية لتشكيل هوية مركبة. أي عناصر مصطنعة وليست طبيعية. فستضطر إلى الإبتداع والتكلف في دين الإسلام بعمل مثلا الزي الإسلامي، الفن الإسلامي، العادات الإسلامية، الثقافة الإسلامية، وربما اللغة الإسلامية، والتاريخ الإسلامي. وفي الحقيقية إن كل هذه الأشياء لا تمثل الإسلام بل تمثل هويات المسلمين المختلفة الذين إعتنقوا الإسلام في أماكن مختلفة وحقب متغيرة. ولكن لشئ في نفس الإسلاميين يريدون صنع هوية إسلامية مزعومة.
ويمتد الزخم لإستحداث عزلة عن المجتمع الإنساني، وكأن هذه الدنيا خلقوا فيها وحدهم ولا أحد عنده حق الإبداع في العالم غيرهم. وبنظرة إستعلائية عن البشر، تقيد العقل والفكر والبحث العلمي تجد الطب الإسلامي، الإقتصاد الإسلامي، المشروع الإسلامي، القنوات الإسلامية، وصولا إلى الموبايل الإسلامي، وذلك للتمسك بالقديم الموروث والنتيجة عدم مواكبة التقدم، بل والرجوع للوراء. وما يحقق ذلك هو الحركة الإسلامية والحزب الإسلامي الذي يتبع السياسة الإسلامية. وأيضا كما قلنا، ليس هناك شئ إسمه سياسة إسلامية أساسا بل هي سياسة المسلمين الذين إعتنقوا الإسلام في أماكن مختلفة وحقب متغيرة. ونكرر، و لشئ في نفس الإسلاميين يريدون صنع هوية إسلامية مزعومة.
تخيل الآن الإرهاق والنصب الذي سيصاحب طبختك تلك. أولا، بقدر الإمكان ستحاول طمس الهوية الأصلية ومحوها. وستضطر أولا لكسر الطبق، لفصل المنطقة الجغرافية التي لا يعتنق سكانها الإسلام. ومن ثم تحاول تنقية الطبق من المكونات الأخرى الممزوجة بشكل جيد، فتتلف الوجبة الطبيعية. وتلجأ لكلمة مثل أسلمة المجتمع لفرض هويتك المزعومة. فتفرض زي ومظهر إسلامي للنساء والرجال في الشارع، وتحاول عمل محلات تجارية بأسامي توحي بأنها إسلامية، مع إن الأسامي أيضا هي أسامي أناس عاشوا في حقبة الإسلام الأولى. أبوجهل كان إسمه عمرو بن هشام. ستجلب برقع ونقاب الفتيات الخليجيات مع عباياتهم لتسميه حجاب إسلامي، أو الجلباب الباكستاني، والقطرة الحمراء السعودية، كزي رجال إسلامي. وستستعير من الدجالين حيلهم وخداعهم لتسميه طبا إسلاميا وإعجازا علميا، ومن تجار الأموال وسائلهم الملتوية لكنز المال وتسميه بنكا او مصرفا إسلاميا أو توظيفا ماليا، ومن مقاتلي العصابات والإرهابيين خططهم لتسميها جهادا دينيا، ومن أنظمة القرون الوسطى الإستبدادية أساليب حكمهم لتسميها حكما شرعيا.
ولكن للأسف، فبعد هذه اللفة الطويلة ستكتشف فشلك وخسرانك و ان كل ذلك لن يغير من جوهر الواقع شيئا. فسيظل المسلم السوداني (لا المسلم الباكستاني)، و المسيحي السوداني (لا المسيحي المصري) هم من يعرفون كوبر من كافوري ويفرقوا بين الترابي وإبراهيم السنوسي وبين جوزيف لاقو و جون قرنق. وكلاهما وغيرهما من السودانيين، وبحسب معتقداتهم المختلفة، سيفهمان المقصود حين يبدأ النقاش عن ثورة إكتوبر وأبريل وفصل الجنوب و الكيزان. وكلهم تجده يستسيغ الأكل السوداني ويفهم النكتة أو النبز السوداني، وماذا يعني لهما الهوت دوق.
ستكتشف أن عناصر الهوية لا يمكن فصلها بالدين ولا بالطائفية ولا بالقبلية. فيمكن أن تختلف الجغرافيا بين الشمال والجنوب أو الغرب والشرق، ولكنها لا يمكن أن تنقسم إلى لهجة مسيحية وأخرى مسلمة، مهما أضفت لفظا هنا أو تحية هناك، ومهما إخترعت لهجة جديدة لإحياء لغة قديمة، ومهما جئت بعلامة، كرفع السبابة وإن بلغت عنان السماء، فستبقى الكلمات والإشارات المعروفة. لذلك لا أستغرب انني رأيت قبل مدة إمرة ترتدي النقاب وترقص في حفل زفاف وتكشف في نص الحفلة و (تحتو حت تقيل).
و ستكتشف أنك تناطح طواحين الهوية وتعمل ضد المنطق. فأنت ترى السودانيين في الداخل وفي الشتات وتستطيع تمييزهم بسهولة من دون أن تعرف عقيدة أحدهم ولا قبيلته.
وستعرف أن ما يجمع السودانيين أكثر بكثير مما يفرقهم، وأنهم فقط بانتظار زوال كابوس مشروعك العبثي، ومسرحيتك الفاشلة ذات الممثل الأوحد.
وستعرف تماما أن الوجبة التي لا يستسيغها ولن يأكلها أبدا السودانيون هي طبقك الردىء المقرف بتاع العجور. أما الوجبة الشهية والصحية التي يأكلها أي مواطن سوداني بنفس مفتوحة هي السودانوية وبس.
مقال رائع ،، وأكثر من رائع ،، وألف مبروك على هذا التحليل الذكى
السهل الممتنع !!!
السودانوية تجمعنا وتوحدنا ,, السودانوية هى إنصهار السنى والصوفى والمسلم العادى المرن والمسيحى بكل تفريعاته واللادينى والكجورى ,, هى الشمالى والغرابى والجزيراوى والأنقسناوى والهدندوى والفلاتى والمسيرى والرزيقاتى وهلمجرا (ما بتاعة الصادق ) ,, السودانوية هى الفول والعصيدة والكول والقراصة والميلوحة,, هى الدوبيت والجرارى ,, هى المريسة والشربوت والعرقى والحلومر والعسلية,, …………ألخ
ياخى وطن بالثراء دا داير تلبسو فنيلة كت ومايوه ,,, إنتوا راسكم دا بقول ليكم شنو ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وقد نأكل الهوت دوق على سبيل التجربة (مع اني لم اتشرف بأكلها حتى الآن)، لكن لن تكون هي الوجبة الشهية والصحية التي يأكلها أي مواطن سوداني بنفس مفتوحة،،،
السودانوية ممكن تخليك تكون مسلم وهمباتي وصعلوك وود بلد ولابس عراقي وسروال طويل وسكين في الضراع – وتاني يوم تغير بي بنطلون وتكون راستا – وداكلو أحسن من تكون كوز خول ومخنث