الهلال والمريخ والمجتمع المدني

عندما ياتى زائر غريب الى السودان لاول مرة ويتجول ليلا فى شوارع الخرطوم المقفرة يسمع هدير غامض ينبعث من مكان ما فى ام درمان يشعر بالرعب لاول وهلة ويهرب ليحتمى بغرفته فى الفندق وينام وفى ظهيرة اليوم التالى تنبعث موسيقى فرقة الرولنج ستون المتميزة لبرنامج عالم الرياضةمن راديو ام درمان ويعرف الزائر ان ما حدث ليلا كان مباراة بين عملاقى الكرة السودانية الهلال والمريخ وذلك يفسر خلو الشوارع من المارة..هذه هى كرة القدم،اللعبة الساحرة التى تجمع بين المهارة والذكاء والروح الطيبة..معارك بلا ضحايا ونصر بلا استبداد وهزيمة بلا عار..استطاعت كرة القدم السودانية عبر مشوارها الطويل ان تنال احترام كل السودانيين على اختلاف مشاربهم واعراقهم وفئاتهم واعمارهم وقسمت الشعب الى حزبين فقط ..حزب الهلال وحزب المريخ نسبةلان الاداء الجيد فى هذه اللعبةيقيم مباشرة من الجمهور فلا مجال للمحسوبية وللعاطلين عن المواهب فيها..يظل اللاعب السودانى الطموح سواء ان كان فى فرق الدرجات المحلية فى الخرطوم او فى فرق الاقاليم واصقاع السودان النائيةيحدوه الامل للعب فى الهلال او المريخ وذلك وفقا لمقدراته وموهبته والطريق امامه مفتوح عبر الدورى المحلى او دورى السودان ولاتثريب ان يكون اسم المهاجم فى الهلال او المريخ جيمس او عثمان وان يكون المدافع فاروق او رتشارد،لذلك ازدهرت الرياضة وكرة القدم فى السودان عبر السنين..غابت اسماء وجاءت اسماءفى مسيرة العطاء المتجدد..ماجد ومنزول..سانتو و قاقارين..النقر وسامى ..طارق والدحيش ولازالت هناك اسماء على الدرب المضىء..احترم الشعب السودانى الذكى الرياضة والرياضيين وحملهم فى حدقات العيون واتخذ الرياضة متنفس لقيمه النبيلة الموروثة حتى قبل ان تفسدها ايضا الانقاذ..
اما فى ملعب السياسة والثقافة فحدث ولا حرج،يختلط الحابل بالنابل وتغيب الحقائق ويحتكر اللعب فيها اناس محددين على طريقة(ودا وسواعا ويغوثا ويعوقا ونسرا) ولا يعطون ادنى احترام لمواهب السودانيين الاخرى وتم تشريد الكفاءات السودانية عبر مسيرة اكثر من ستة واربعين عاما من الصعود الى الهاويةواصبح اجدادنا يتحسرون على ايام الاستعمار عندما كانت تضبط الساعة على صافرة القطار..واباءنا يتحسرون على ايام الفريق عبود طيب الله ثراه عندما كان راس السكر يباع بالمليم وغدونانحن نتحسر على سبعينيات نميرى الذهبية والتعليم الحقيقى المجانى..اما جيل اليوم فليس له شىء يتحسر عليه!!
وكنموذج لعدم احترام مواهب السودانيين الفكرية والاقتصاديةوالادارية،ارجعوا للدراسة القيمة التى قدمها الباحث السودانى/محمد هارون كافى فى صحيفة الصحافة العدد2910-19/مايو/2001 والتى طرح فيها تقسيم ادارى جديد للسودان يتجاوز سلبيات الحكم الاقليمى اللامركزى السابق والفدرالية الحالية ايضا ،لم يعرها اى مسؤل ادنى اعتبار وتقييم ولازالت الحكومة تعقد مؤتمراتها الكثيرة والمتعددة من غير طائل وحتى الان ونحن في 2013 لازال النظام مع بدعة المؤتمرات والجعجعة من غير طحين ….
ان الازمة الحقيقية فى السودان هى ازمة وعى وان قضية المواطن السودانى قضية تنمية،وهذا ما كانت ستقوم به امريكا والغرب فى مناطق جبال النوبة وجنوب السودان بعملية اشبه بعملية مارشال لاعمار اوروبا بعد الحرب العالمية الثانية اذا التزم الجميع”بالجذرة” باتفاقية نيفاشا 2005 ولم يفجرو ازمة جديدة في دارفور 2003 وكان سيعود اهلنا الطيبين من ابناء الجنوب وجبال النوبة الى مناطقهم عبر قطار الشمال الذى فروا به من جحيم الحرب الغبية والمزمنة، ومضت نخبتنا المبجلة والتى ادمنت الفشل تمارس السياسة باسلوبها العقيم(غارزة ونطاحة ) حتى دفنت الرمال كل شمال السودان،بعد ان اجهض المهدى ميثاق التكامل مع الشقيقة مصر واتم صهره الترابى الباقى باثارة الكراهية ضد مصر فى نفوس البسطاء والتى كانت يمكن ان تسهم فى تنمية شمال السودان بمد شبكات الكهرباء من السد العالى جنوبا وذلك مقابل زراعة القمح وتامين الغذاء للاشقاء فى مصر وذلك عبر الديموقراطية العاجزة 1987 ثم انقلاب الانقاذ 1989
…
والان نحن في 2013 ومع -نفس الناس -نصيحة لوجه الله نقدمها لارباب السياسة المزمنين فى السودان :انظرو الى انفسكم فى المرآة،لان معرفة النفس هى اول مراحل الوعى الحقيقى واعترفو باخطاءكم لان الاعتراف بالخطا اول مراحل علاجه وتذكرو (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيرو ما بانفسهم)ا…
ملحوظة:هذا لمقال قديم اجرينا عليه عملية تجميل تناسب المرحلة طال ما المناظر هي ذاتا والصور نفس المشاهد..
[email][email protected][/email]
خذلتني .. اذ كنت أتوقع مقالآ يشمل احتواء المؤتمر الوثني لفريقي القمة بزعامة فتي الانقاذ المدلل جمال الوالي للمريخ .. و دخول الهلال لبيت الطاعة بزعامة عبدالله حسن البشير ..