موسم تكاثر السيراشيوم* يا شعبي لا تحزن !

(1)
شد انتباهي في الآونة الأخيرة شدة اللجلجة والزلزلة التي ضربت تيار ما اصطلح على تسميته بتيار “الاسلام السياسي”، وأدَّت لتوالد وتكاثر طحلبي لمجموعات عديدة تناسلت من رحمه تدعي “الإصلاح” بعدما “الرماد كال حماد”، وهذه الجماعات في حقيقتها منشطرة أميبياً عن جماعة الإخوان المسلمين المعروفة، وتحاول جهدها اليوم -بعد فشل تجربتها الشاذة في الحكم- إعادة إنتاج ذاتها، وتعبئة حليبها الفاسد في قوارير جديدة.
(2)
فبعد أن شُغل الشارع السوداني عن أزماته المعيشية والحياتية الخانقة لفترة بمشاكسات د. غازي وجماعته الإصلاحية وأمر مفارقته وإياها لحزب المؤتمر الوطني المتحكم في الرقاب واكتشافه فجأة لفساد الحزب الذي قضى العمر فيلسوفا ومنظرا لبرامجه ومشاريعه الفطيرة ومتجدعا في امتيازات مناصبه التنظيمية والحكومية العديدة دون انقطاع لربع قرن؛ ليصحو ضمير غازي ذات صباح من خريف العمر تتبعه زمرته منحازا لقضية “الإصلاح والتنمية” دون أن يمارس حتى فضيلة الاعتذار عن سنوات تطاولت قضاها مشاركا في جرم ضعضعت الوطن وذهاب ريحه!.
(3)
وإذ لم يك المشروع الحضاري الذي شارك في صياغته د. غازي وزمرته الإصلاحية منذ ربع قرن وحلل لهم ارتكاب خطيئة الانقلاب التي حرمها الشرع يهدف “للإصلاح والتنمية” فإلى ماذا كان يهدف في الأصل؟ ومن الإجابة الواضحة على هذا التساؤل المحوري وإماطة اللثام عن كنه ذاك المشروع وأهدافه ومراميه الحقيقية تبدأ قضية الإصلاح إن كان غازي وإخوانه جادين في طي صفحة الماضي ويرغبون حقا في أن تكتسب خطواتهم المشكوك في أمرها شيئا من المصداقية ودون ذلك فكل هذا الهرج والمرج هراء لا يعتد به.
(4)
أما التناطح الذي اندلع بين جماعة غازي وجماعة أخرى من الإخوان المصلحين تدعى “السائحون” حول أحقية استخدام اسم “الإصلاح والتنمية” فهي معركة في غير معترك، يثار غبارها ضمن استراتجية شاملة أعدها جهاز أمن “الإخوان”، لصرف الجماهير المغلوبة على أمرها عن قضايا الوطن وأزماته المستعرة، يشارك في تنفيذها الأخ الحكواتي حسين خوجلي عبر قناته الفضائية “المعصومة أم درمان”؛ وتناطح عنزي الإصلاح لا يدعمه المنطق ، وكلاهما ينشد الإصلاح والتنمية كما يدعيان؛ ولا الواقع وقد شهدنا قبل فترة وجيزة وآلات التصوير الصحفي خير شهيد أفراد كلتا الجماعتين “السائحة والغازية” تحت سقف فسطاط وأحد، يقفان إلى بعضهما بعضا كتفا بكتف وتعلو سبابة اليد اليمنى الهامات ويرتج الهواء من حولها من قوة وشدة التهليل والتكبير!!.
(5)
لقد أمتع “الإخوان” شعب السودان الحزين، وبددوا ليل كآبته الطويل، وهم ينشرون الكوميديا السوداء على مسرح عبث المدينة المنكودة الخرطوم؛ وهاهو صاحب “ألوان” يضع دونما حياءٍ ناظريه يوميا في عين المواطن السوداني يخطرف على الهواء مباشرة بأحاديثَ ممجوجةٍ، يعلم أدق تفاصيلها رعاة الشاة في بوادي الوطن الفضل؛ وهي أحاديثُ تحوي معلومات بايتة لا تقدم أو تأخر شيئا في أمر علاج قرح البلد؛ وربما كان المواطن المنكوب سيجد فيها نذرَ نفعٍ لو ابتدر الحكاواتي خوجلي حلقات برنامجه بنقد ذاتي لمجمل تجربته الصحفية عبر صحيفته “ألوان”، التي كانت أحدَ معاول هدم التجربة الديمقراطية.
(6)
فالذاكرة الجمعية ما زالت حبلى وتحفظ لحسين خوجلي كم الإسفاف الذي مارسه عبر صحيفته “ألوان” وقد فاق إسفاف صحف التابلويد “Tabloid” إبان الديمقراطية الثالثة تمهيدا لحدوث انقلاب الجبهة القومية الإسلامية المشؤوم في 30 يونيو 1989م؛ الذي أوجد نظام الانقاذ الغاشم وجر على البلاد كم المآسي التي يتباكى علي مراراتها بدموع التماسيح “الأخ”خوجلي اليوم؛ وليت صائحه قد صاح وضرب “الروراي” بعد عام أو عامين من ارتكاب الجرم؛ وعندها ربما كان نقده للانقاذ مقبولا، وقبح ذنب المشاركة مغفورا؛ أما أن يشد الحسين سرادق عزائه بعد ربع قرن ليلطم الخدود ويشق الجيوب، فتلك مسخرةٌ فارغة، ولعب على الذقون، ومثيران للقرف والرثاء ؛ لا ينطليان حتى على أصحاب القنابير.
(7)
لقد ظل الأستاذ حسين خوجلي أحد سدنة المعبد الانقاذي المتهالك ولا زال وسيظل من خدمه الخلص ومهما قال وأطنب أو نقد وأرغى وأزبد تبقى حقيقة أنه محمي الظهر ويلعب دورا مرسوما في مخطط أمني لتنفيس احتقان الشارع؛ عارية ” دبر نعزي” وجلية كقرص الشمس في رابعة النهار؛ فلو تجرأ أي معارض حقيقي لنظام الانقاذ وقال مثقال ذرة أو دونه مما يقوله ويتفوه به الأستاذ خوجلي على قناته الفضائية المعصومة من المصادرة والاغلاق لقامت قيامته ولوجد نفسه خلف الشمس ولكن معلوم “البعشوم ما بعضي ضنبو” فضري عيشك واصطبر يا صاحب “الألوان” ريثما يشرق فجر شعبنا وحينها كل “ككو بطلع شجرته”.
(8)
ولن تكتمل الإثارة ويبلغ الإمتاع بالدهشة مبلغه حتى نقف عند “نكتة” مجموعة الإصلاح المنشطرة بكتيريا عن حزب الخال الرئاسي فبعض أعضاء “المنبر العنصري” المطرودين لأسباب أخالها خلاف على المغانم وسقط المتاع قد عقدوا مؤتمرا صحفيا أعلنوا فيه بكل بجاحة انفضاضهم من حول الخال “الطيب”! ونفض اليد عن نهجه الذي وصفوه بالعنصري! بعد أن هضموا وليئمة “المكشر” ذات الثور الأسود التي أقيمت احتفالا بخراب الوطن ومن فرط المسخرة “الإخوانية” لم يتبق لاكتمال الملهاة العبثية سوى أن يخرج علينا أمثال هؤلاء من تبع الولائم العنصرية دعاة للإصلاح وربما التنمية أيضا!.
(9)
لن يتوقف التكاثر “الخضري” لجماعات الإصلاح داخل تيار الإسلام السياسي، الذي فقد ظله، وسيتناسلون يوميا بالانقسام الثنائي البسيط والمركب، فقد بلغت القلوب الحناجر، بعد هبة
سبتمبر المجيدة، وبدأت الحشرجة؛ والايرلندي صموئيل بكيت في لحده يتململ من هول مشهد العبث الضارب باطنابه على مناحي مسارح “الإخوان” كافة، ولو منح حق النطق والإفصاح لصاح بملء فمه متنازلا طوعا “للجماعة” عن امتياز مسرح العبث واللا معقول، الذي اشتهر به وظل صاحبه طول عمره وبعد وفاته، ويا شعبي لا تحزن!!.
* السيراشيومCeratium حيوان بحري ميكروسكوبي هائم دقيق يتراوح طوله بين 60 ? 110 ميكرون
** الديمقراطية قادمة وراشدة لا محال ولو كره المنافقون.
تيسير حسن إدريس
02/12/2013م