وقع الحافر على الحافر

شرعت في كتابة موضوع عن الحكمة في تشكيل حكومة ولاية الخرطوم في مناخ دلت مؤشراته على أن السيد رئيس الجمهورية بصدد تعيين ولاة لكل الولايات خلال الأيام القليلة القادمة استكمالاً للتغييرات التي طالت بعض قيادات الحكومة والوزراء. وكان تساؤلي ومبعث حيرتي حول السبب الذي يجعل السيد والي الخرطوم يتعجل في تكوين حكومته وهو على الأقل مثلنا يعلم بتلك النية الرئاسية في إبدال الولاة، اللهم إلا إذا كان على ثقة تامة بأنه باق في موقعه، وفي هذه الحال يكون الأصوب الإعلان عن أن بعض الولاة سيتم إبدالهم وليس الجميع كما علمنا مع إن التغيير في حد ذاته لا ينجو عنقه من سيف النقد الدستوري. وما أن فرغت من الكتابة حتى طالعت في عدد الجمعة تناولاً لذات الموضوع بقلم الأستاذ عبد الرحمن الأمين رئيس التحرير في زاويته (رؤى) والأستاذ فيصل محمد صالح في عموده (آفق بعيد) فأكتشفت أن قلمي المتواضع المعرفة بخفايا تلك الدروب يسير وفقاً لما تناولاه علماً بأنهما قد أحاطاه بسعة الإدراك ودقة التشخيص.

وبدلاَ من البحث عن موضوع آخر رأيت أن أعيد الصياغة اعتماداً على أن العزف على ذات الإيقاع يرسّخ اللحن في أذهان المتلقين، وإن إختلفت كلمات الأغاني، فما أكثر الأغنيات التي تطربنا بايقاع واحد، كما أنني لن أكون الأخير الذي يتطرق لهذا الموضوع. وفي حين أننا ندلق ماء التساؤل إذا بإعلان رسمي عن تكوين حكومة الولاية لتصبح واقعاً ملموساً لا جدال حوله فنرفع أقلامنا إمتثالاً للقول المأثور (قطعت جهينة قول كل خطيب). ولكن يبقى السؤال قائماً إذا ما تم إبدال الوالي وتعيين بديل عنه، فهل سيحتفظ الوالي الجديد بطاقم لم يشارك في إختياره أم سيعيد الكرة ويدخل في دوامة الإنتقاء والتجديد؟. الكل يعلم أن الولاة الذين جاءوا عبر الانتخاب لا يزيحهم عن مواقعهم سوى استقالتهم عن رضا وقناعة أو بسقوط الأهلية عنهم بالموت أو بسحب الثقة بواسطة ثلثي أعضاء المجالس التشريعية أو إذا دعت الضرورة بفرض قانون الطوارئ أو التبرير باقتطاع جزء من الولاية مثلما حدث في جنوب دارفور وجنوب كرفان وحتى هذا الإجراء مدعاة للجدل الدستوري. ولكن فوق كل ما ورد من مسببات لم يتبق للولاة سوى عام تجرى بعده إنتخابات جديدة. ثم إذا تم تغيير الولاة هل سيكون أمد سلطتهم لعام حتى يحين وقت الإنتخابات أم أن هناك تشريعاً يتم طبخه سيجعل هذا المنصب خارج مشيئة الإنتخاب التي نص عليها الدستور؟

لقد فتح موضوع الولاة باباً واسعاً للحديث، فهناك من يقول بصحة أن يكون الوالي من أبناء الولاية حتى لو كان بعيداً عن الإنتماء للحزب الحاكم وهناك من يعيب اختيار إبن المنطقة أو الحزب درءاً للمحسوبية والتساهل في حسم امهات المشاكل أو العمل وفق التوجيه من بعد، وهنا يمكن القياس بالممارسة السابقة للولاة لتقويم التجربة. وهناك من لا يرى جدوى في الإنتخاب طالما أن الحزب القابض على مفاتيح اللعبة يملي مرشحاً بعينه مما يجعل الأمر أشبه بالتعيين. وحتى في عدد الولايات ذاتها هناك من يرى دمج بعض الولايات توفيراً للمنصرفات والمخصصات التنفيذية والتشريعة وليس تفتيتها بحجة اتساع الرقعة وصعوبة إدارة أطرافها النائية. وقد يصح ذلك لو كانت لكل جزئية مواردها الذاتية الكافية بعيداً عن العون الإتحادي ولها صلاحياتها دون مرجعية مركزية. ولعلنا في هذا الطقس الزاخر بالتغييرات بحاجة إلى تقويم كل التجارب بما فيها الحكم الولائي، وليس منصب الوالي وحده، إنظلاقاً مما صاحب الفترة السابقة من إخفاقات ونجاحات عسى أن نخرج بمنظومة تعين المركز على التصويب مع تقنين ذلك دستوريا.

[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..