19 ديسمبر هل يعني الكثير

اليوم التاسع عشر من ديسمبر تأريخ له خصوصيته ودلالته في التأريخ السوداني، وذكرى يعيد إلى الذاكرة نضال السودانيون من أجل وطن حر غالٍ من قهر وعبودية المستعمر، والرغبة في هذا التحرر دفعت السيد عبدالرحمن دبكة من أبناء دارفور في برلمان 1955 لدفع مقترح استقلال السودان من داخل البرلمان لحسم الخلاف حول الاستقلال المتنازع عليه ما بين السودان للسودانيين وهذا التيار الذي قاده وعبر عنه السيد عبدالرحمن المهدي، وتيار الوحدة مع مصر الذي قاده وعبر عنه إسماعيل الأزهري، تثنية المقترح من السيد مشاور جمعة سهل من كردفان أدخلت الفرح في قلوب الشعب السوداني الذي توجه نحو التحرر مبكراً إلا أنه لم يضع في الذاكرة أن العبودية ستطوقه من قبل أبناء جلدته.. قطعاً لم يدرك أبناء الهامش حينها أن استقلال السودان ستعقبه أزمة حكم تصل إلى درجة تقسيم البلاد بانفصال الجنوب الذي صوت لصالح الاستقلال مقابل الفدرالية.. وأن نتاجه هامش مبرأ من التنمية إلى درجة أن يرفع أبناؤه السلاح للمطالبة بحقوقه الأساسية.
اليوم وبعد 58 عاماً من الاستقلال لا أحد يملك القدرة على إنكار الحقيقة التي تشير إلى أن الاستقلال لم يحتف به بالطريقة التي تعزز قيمته في النفوس لأن خطوات الدولة السودانية مضت في اتجاه الفشل ولم تنجح في وطن قومي محصنة بمقومات وملامح الدولة العظمى التي تنتظرها أفريقيا بلهفة لتكون محل القيادة والريادة للقارة السمراء، ودولة اعتزاز للأفارقة لأن السودان من أوائل الدولة التي تمتعت بنعمة الاستقلال من الأجنبي إلا أنه لم يهنأ بحكومات وطنية تضعه في الاتجاه الصحيح بدخول العسكر إلى ساحة الحكم .
من سفاهة الأقدار وكارثية الواقع بعد مرور 58 عاماً على الاستقلال تجد السودان أصبح سودانان.. السودان الشمالي 50% من مناطقه تعاني من حريق الحرب (ولايات دارفور الخمس- النيل الأزرق- شمال كردفان- جنوب كردفان)، والغضب الشعبي في بقية أجزاء الشارع السوداني تصاعدت حدته وصار مهيأً لانطلاقة ثورة شعبية تهدد بقاء النظام.. والسودان الجنوبي اتجهت مؤشرات الواقع فيه نحو مواجهات مسلحة قد تفضي إلى حرب أهلية لا يستطيع أحد التنبؤ بمستقبلها.. وقطعاً الشرر من نار الجنوب سيصيب الشمال شاء أم أبى.
بعد 58 عاماً من الاستقلال ما زالت تعقد ورش العمل والندوات والمؤتمرات لمناقشة الدستور الدائم للسودان.. وما زال السودانيون يتحدثون عن الدورة الخبيثة انقلاب عسكري وديمقراطية، وما زال البحث جارياً عن الهوية السودانية، وقضية الدين والدولة، وطريقة حكم البلاد وهذا على مستوى الصفوة أما على مستوى الشعب فرحلة البحث عن الحق في الحياة مستمرة بكل أدوات المعاناة التي يفرضها الواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في العواصم والبوادي هناك من يطالبون الدولة بتسهيل عملية الحصول على ماء الشرب، والصحة، والسلام والأمن.. نعم عدد من مقومات الحق في الحياة مفقودة عند الأغلبية ناهيك عن واقع الحريات العامة وحرية التنظيم. السودان اليوم يقود ثورة التحرر من الأنظمة الشمولية والعبودية الوطنية.
وحينما تكتمل حلقات هذا التحرر يستطيع الشعب السوداني أن يرسل فرحته كاملة بالاستقلال من الأجنبي.. لأن اليأس أوصل البعض إلى درجة المقارنة بين واقعهم في عهد الاستعمار والواقع في عهد الحكومات الوطنية..وفي أي دولة اخرى لا يخطر على بال أحد من شعبها عقد هذه المقارنة باستثناء السودانيين لما ذاقوه من مرارات.. ولكن لابد من أن نعمل من أجل وطن حر وجميل
الجريدة.
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..