أمريكا قد دنا عذابها

إلى الناس الغلابة الغبش مِنْ أهل السودان جميعاً على اختلاف مشاربهم ومنازعهم أسوق تحاياً عطرات، وأمانٍ نضرات، وآمالاً غير عاطلات.

مدخــــــل أول

يحكي السيد / جون بايدن نائب الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما فِيْ لقاءٍ له على شبكة CNN الأمريكية ما يلي: “عجزت عنْ علاج إبني “بو” المصاب بسرطان المخ، فقررت أنا وزوجتي “جيل” بيع منزلي الذي أسكن فيه لمقابلة مصاريف علاجه بسبب أنَّ التأمين الصحي لا يغطي مثل هذه المحاولات العلاجية التجريبيه كما أنَّ قدراتي المادية لمْ تشفع لي بتغطية مصروفات العلاج، وأن نعيش بما تبقى منه سعداء. قمت بإبلاغ الرئيس باراك أوباما بما عزمت عليه، فرفض ذلك البتة، وعرض علي معالجة إبني على نفقته الخاصة واشترط ألا أبيع البيت الذي أسكن فيه ولا أفكر فِيْ ذلك مرة أخرى .. عائلتي وعائلته أصدقاء .. أنه يحب عائلتي .. ونبادله نفس الشعور .. كل هذا مِنْ أجل العائلة” .. قرأت هذه المقولة على حائط صديقي العزيز الباشمهندس / مزاحم الضوي بالوسيط الرائع الفيسبوك .. وبإعتباري مقيماً فِيْ الولايات المتحدة الأمريكية فقد سهل علي أمر التأكد منها رغم أنَّ صديقي الرائع مصدر للثقة بشخصه لا يحتاج إلى مراجعة .. .. كان ردي عليه ساعتها ساخراً “يا مزاحم أخوي قومت علينا الضغط والسُكري” أو شيئاً مِنْ هذا القبيل .. ثم دفعتني التعليقات الأخرى للتفكير الجاد والمقارنة بين حالنا وحال أمريكا التي دنا عذابها منذ 1989م.

مدخــــــل ثان

.. مات “بو” بالسرطان فِيْ مايو 2015م وهو فِيْ السادسة والأربعين .. وبقت سيرة الإنسان النظيف عالقة بالأذهان .. فقط دعونا نفكك حكاية السيد / بايدن: فالرجل أولاً أحد نجوم السياسة الأمريكية منذ كان عضواً بارزاً فِيْ الكونغرس الأمريكي ممثلاً لولاية ديلوار أول ولاية أمريكية .. رشح نفسه ضد أوباما نفسه ليسميه حزبه الديمقراطي مرشحاً للرئاسة .. لكن الحزب رشح أوباما ساعتذاك .. واختاره الأخير نائباً له منذ 2008 وحتى تأريخه .. إذن فالرجل هو نائب الرئيس أوباما لدورتيه الرئاسيتين حتى ديسمبر 2016م .. نائب رئيس أقوى دولة عسكرية فِيْ العالم وتقدر ميزانيتها العسكرية بعشرين ضعفٍ ميزانيات حلفاءها العسكريين العشرة مجتمعين .. وهو نائب رئيس الدولة صاحبة المرتبة الأولى إقتصادياً فِيْ العالم كله بحسب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والأمم المتحدة للأعوام 2012 ? 2015م .. والسابع عشر عالمياً فِيْ التعليم بحسب مؤشر التايمز للتعليم الأكاديمي .. والسابع والثلاثين صحياً بحسب تصنيف منظمة الصحة العالمية للأنظمة الصحية فِيْ العالم .. لا يستطيع علاج إبنه على نفقة الجولة .. ويريد أنْ يبيع منزله الذي يسكن فيه لمقابلة مصروفات علاج ولده لأنَّ التأمين الصحي لا يغطي هذا النوع مِنْ العلاج .. ثم يقوم رئيس الدولة نفسها بتغطية هذه التكاليف مِنْ حسابه الخاص لا مِنْ خزانة الدولة التي يغذيها دافع الضرائب الأمريكي الغلبان .. ويمنعه بعد كل ذلك مِنْ بيع بيته لأجل العلاج بسبب علاقته العائلية به لا بسبب كونه نائباً للرئيس .. رئيس أسود يساعد نائباً للرئيس أبيضاً لا شية فيه.

الصورة عندنا مقلوبة

? فيما عدا الذين قضوا نحبهم بسبب سقوط الطائرات فِيْ عهد الإنقاذ فجميع الذين مروا على كراسي السلطة على اختلافها أثروا ثراءاً فاحشاً لمْ يعرفوه قبلاً ولمْ يورثوه عنْ أبائهم .. ويكفينا الاستشهاد بما قاله الزبير محمد صالح نائب رئيس الجمهورية ساعتذاك وأحد أهم الذين قضوا نحبهم جراء سقوط طائرته: “لو لقيتونا ركبنا العربات الفارهة دي أعرفوا إننا فسدنا وسرقنا .. نحن ولاد مزارعية ما عندنا التكتح”.
? سيطرة رأسمالية المحاسيب .. ورأسمالية المحاسيب مصطلح إقتصادي يعني تركيز الثروة فِيْ يد أصحاب الحظوة.
? يموت المواطن الغلبان على أبواب المستشفيات دون علاج ويشتري أقل مِنْ نصف الوصفات الطبية التي يصفها له الطبيب إنْ قدر على مقابلته أو يموت بالإهمال الطبي .. ويعالج ذا لسلطان ورهطه فِيْ أفضل المستشفيات المحلية والعالمية على نفقة الدولة التي تمتلئ خزائنها بحلب محمد أحمد المسكين.
? يتعلم أبناء السلطان فِيْ أفضل المؤسسات التعليمية العالمية أو على أسوأ الفروض العالمية بالداخل ويدفع فيهم الملايين بينما يضيع إبن محمد أحمد الغلبان بين مدارس الفاقد التربوي وعلب الساردين.
? تكفل أهل التمكين بالوظائف السيادية وغير السيادية على السواء وسمعنا عنْ روؤساء جامعات لمْ تنشأ يصرف لهم بدلات إجتماعات لمْ تعقد أصلاً ..
? فِيْ أحد المصارف المرضي عنها راتب الموظف فِيْ السنة يساوي راتب 36 شهراً .. وراتب مديره العام يساوي خمسين ضعف راتب البروفسير الجامعي علماً بأنَّ الرجل ليس عبقرية مالية.
? أبناء الزرقة فِيْ بلادنا يتوجعون مِنْ سياط أولاد العرب .. فِيْ رحاب التوجه الحضاري.

مَنْ يحكم مَنْ؟

? فِيْ أمريكا وشبيهاتها يأتي الحاكم ليخدم الناس .. وفِيْ بلادنا وشبيهاتها يأتي الحاكم ليخدمه الناس .. هذان مفهومان مختلفان .. فمتى نفهم ويفهموا؟
? سؤال خارج النص: هل صحيح أنَّ أمريكا قد دنا عذابها؟ .. إذن بِمَ نسمي ما نحن فيه؟
? قال أوس بن حجر:
وَرِثنا المَجدَ عَنْ آباءِ صِـــدقٍ
أَسَأنا فِيْ دِيارِهِمُ الصَنيعـــــا
إِذا الحَسَبُ الرَفيعُ تَواكَلَتــــهُ
بُناةُ السوءِ أَوشَكَ أَنْ يَضيعـا

صراحة لا أدري إنْ كان يقصدنا أم يقصد غيرنا بهذه الأبيات .. وعجبي!

لاحقة مهمة

إننا نؤكد أنَّ سيكون منهجنا في الإقتراب مِنْ قضايا الوطن منهجاً عقلانياً لأنَّ العقل ? لا الهوى ? هو الذي يعطي لقيمنا الوطنية ثباتها مع تبدل الأحوال.

أما وقد بلغنا ما أردناه فالحمد لله، اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد.

مع خالص تحياتي
صلاح البشير
ميريلاند ? الولايات المتحدة الأمريكية ? 18 يناير 2016

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..