جثث في الغربة

كنت اظن وبعض الظن إثم أن طاقم سفارتنا الموقر بالقاهرة سينصب (سرادق للعزاء) في فقيد الوطن الفنان الاديب الشاب محمد بهنس لتلقي العزاء وللتكفير عن الاهمال الذي مورس على الفقيد حتى فاضت روحه الطاهرة في احد ميادين القاهرة متجمدا من البرد والجوع لكن بدلا من ذلك تصدر سفارتنا بيانا هزيلا تنفي عن نفسها المسؤولية تجاه ما حدث للراحل وتقول إن الفقيد لم يمت بالجوع والبرد انما مات بضربة بواسطة آله حادة على رأسه لكن المكان الذي مات فيه يفضح هذه الرواية ولم يمت بالضربة في منزله في شقته الدافئة وتحت سريره الوثير بعد احتساء كوب من الشاي او وجبة ساخنة كلا مات في احد ميادين القاهرة ولم يعرف موته لقرابة الست ساعات بعد وفاته التي كانت ستكون امرا عاديا لولا انه أديب وشاعر ورسام معروف في حين يموت غيره الكثيرون ولا يدري أحد عنهم شيئا .
موت (بهنس) بهذه الطريقة شغل أحاديث المجتمع في الفترة الماضية خصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي ما بين مستنكر للاهمال الذى وصل اليه الفقيد مرورا بالدور السلبي للسفارة التى انتقدها الكثيرون ودافع عنها البعض بقولهم (السفارة تعمل شنو وتخلي شنو؟!) وقطعا الدفاع لن يعفيهم من المسؤولية أمام الله عز وجل أولا وثانيا امام انفسهم وضمائرهم فقتل النفس أشد حرمة عند الله من زوال (الكعبة المشرفة) والآية الكريمة تقول (مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ في ٱلأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَـٰهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعا)ً.
(موت بهنس) يجب الا يمر مرور الكرام وان يحاسب كل من قصر ويقصر في حق (السودانيين) المنتشرين في دول العالم وما اكثر القصص التى يرويها هؤلاء في الخارج عن المآسي التى تحدث لهم في غياب تمام لسفارتنا الموقرة كنت شاهدا على أحد مآسي السودانين في الخارج بدولة أندونيسيا والتي أصبحت من أهم الوجهات التى يقصدها طالبو الهجرة واللجوء الى أستراليا حكى لى رئيس الجالية هنالك عن مأساة حوالى (600) سوداني وصلوا الى هناك حكى لى عن غرق حوالى (5) من هؤلاء المهاجرين كان يستقلون مركبا للوصول الى استراليا بطريقة غير شرعية بعد انتشال جثثهم اتصل خفر السواحل بالسفارة لتأتي لتستلم جثث هؤلاء المنتسبين (وطنيا) لها لكن السفارة لم تأت فتم الاتصال برئيس الجالية فذهب برفقة بعض افراد الجالية وقاموا بالواجب ودفن (الشهداء) رحمهم الله تعالى وحمل متعلقاتهم وارسالها لاهلهم في السودان واخطارهم بموت فلذات اكبادهم. قطعا إن ما قاموا به عمل نابع من وطنيتهم مشكورين وهو عمل (السفارة) وهي ليست من مسؤولياتهم انما هي شهامة السودانيين اينما وجدوا وحلوا.
ودونكم ما يحدث للسودانيين في دولة يشكل السودانيون فيها وجودا مقدرا مثل المملكة العربية السعودية والامارات وليبيا ومصر وغيرها اضافة للوجهات التي يقصدها الطلاب مثل ماليزيا والهند واكرانيا قصص الطلاب ومآسيهم تستحق أن تفرد لها صفحات وليست أعمدة صغيرة .
من اجمل ما قرأت في الرثاء ما خطته أنامل الكاتبة الرائعة (أحلام مستغانمي) في الفقيد (بهنس) رثته بالرغم من عدم معرفتها السابقة به طلبت منه أن يسامحها وكان الاولى أن نطلب منه كسودانيين أن يسامحنا في تقصيرنا له ولكل مبدعي بلادي الذين لا نعرف قدرهم الا بعد (وفاتهم). أحلام سطرت في ختام مرثيتها بأبيات رائعة أبهرت كل من قرأها تقول فيها
في زمن مضى ، كانوا يكتبون على حائط في شارع ” اخفض صوتك . هنا يسكن شاعر يكتب الآن ” .
اليوم يعبر المارة أمام جسدِ شاعر مُتكوّم من البرد ، فيسرعون الخطى كي لا تقول لهم الجدران ” أدركوه.. ثمّة شاعر يموت الآن. ” .
[email][email protected][/email]
لك العتبى يا بهنس يا رائع
لم ندري تموت في الشارع
وانت للبرد والجوع بتصارع
وين ناسنا البكرموا الضيف ينوم شبعان وما جائع
وينا قيمنا اكيد اتغيرت وصبح البلد ضايع
شكرا ليك يا غالى صدقنى فى الغربة الام وماسى زى ما قلتة تستحق ان تفرد لها صفحات وليسة اعمدة
لان السفا رات فى وادى والشعب السودانى الزى هجر الوطن من افعال حكومتة لى يجد السفارة منتظرة
با المرصاد ما عندهم الحتفالات وتبادل ارقام التلفونات مع حا شتهم وملزاتهم
بارك الله فيك انحنا نقول ايه انها كارثة