سبحانه الثلج!مراثي “بهنس” الباسفيكية

شبحٌ يتجوَّل في الساحل الباسفيكيِّ،
متّشحاً بكآبتهِ،
لابساً معطفاً حائلاً بائساً،
شَعْرهُ راستا فاري،
يبين و يخْفى،
و يعزف مقطوعةً لمفاتن “راحيلَ”،
يقرأ “معْطف” غوغولَ،
ثمّ يشكِّل بالضوء و الحرف خبزاً،
و بيتاً صغيراً،
و نظْرة عطْفٍ على واجهات المنازلِ،
*من أنتَ،
يا سيِّدي؟
– طينةٌ عُجنتْ من أنين الذين قضت عبقرياتهم تحت جلد السياط،
*لماذا احتجبتَ سريعاً،
وروحكَ واعدةٌ بالأناقةِ؟
-لم يسألوا عن غيابي،
و لم يرسلوا-حين كان جنوني يعْبر “طلعت حربٍ”،
و لو قبلةً في الهواءْ
لم أجد أحداً كي يمايلني من وراء الغيابِ،
و لم يكتبوا كلْمةً عن شرودي
لم أجدْ في بلادي كسْرة خبْزٍ،
و ماءً،
و مأوى،
و كلمة حبٍ،
فقلتُ،
مع القائلين “اهبطوا مصر”،
في رحلة المتنبي الأخيرةِ،
عفْت البلاد التي اغتصبتْ عاشقيها،
البلاد التي عشقتْ غاصبيها من البدْوِ،
و الفقهاء،
و “أسيادها” الطائفيّينَ،
……………
…………………………..
هم أودعوني غياهب نسيانهم،
و سلوني،
كأنَّ قميصي قد قُدَّ من قُبُلٍ،
و أحبونني هامداً،
و أفاضوا المديح على جثّتي
فسبحانه “الثلج”،
أحيا عظام نصوصي| و هي رميمْ
لا معزَّينَ لي
سوى “أصدقائي” الذين قد استُنْسِخُوا فجأةً في الأسافيرِ،
كلّتْ من الدمع و النوح عينايَ،
هذي المدينةُ،
قالوا،
كمالُ الجمال،
فيا نفسُ،
في الليلِ،
في أوّل الهزْعِ،
فلتسكبي،
كمياهٍ،
دموعي قبالة وجه المدينةِ،
أحسنت في العشب ظني،
لأنَّ مراحمهُ لا تزولُ،
اضطجعت على كَنَبات الميادينِ،
ظهْري تقرّح منها
فصرتُ لشعبي أغنيةً لهم اليوم كلّهْ
“فباتوا يجرّون ضاف الدمقْس،
وبتُّ أجرْجر أسْماليهْ”
ولو كان لي عِلْم ما في غدٍ” (1)
لما جئت مصرَ،
تلطّخت بالعارِ،
لم يستطبْ أحدٌ أن يمسَّ ثيابي،
و لم أشتكِ من قصاص خطايايَ،
أعطيت خدِّي لضاربهِ،
في الشوارع تهْت كأعمى
كان يمشي ورائي الذهول،
و سلُّ “التجانيْ” (2)
حين أصرخُ،
أو استغيثُ،
تُصدُّ صلاتي،
فرحُت أغني:
“مصر يا أخت اكتئابي يا شقية
يا منافٍ،مرّة الطعم ،قميئةْ”
بينما نسمةٌ من وراء المقابر تهذي:
“رعي الله مصر فكم للأديب بها ثمّ من عيشةٍ راضيهْ” (3)
………………………………….
………………………………
*…و آخر دعواكَ،
يا سيديشبحي ا”بهنس” الباسفيكيّ؟
– آخر دعوايَ،
يا صاحبي:
“لعن الله من جلبوا المطبعةْ
من ديار النصارى،
و من وزَّعوا كتب الشعرِ،
و السردِ،
و الفنِّ ،
و الفكْرِ،
و السّموطيقا ،
و علم الجمالْ
سامح الربُّ آباءنا في الكتابةِ،
و الفنِّ،
إذ أنهم أخطاوا،
حين شقوا دروب الخيالْ
فها نحن نحمل آثامهم،
ثم نصعد نحو الصليب،
نكفِّر عن سيئات الحداثةْ
____________ ________________________________
29 ديسمبر 2013،مونتري-كاليفورنيا
_______ __________________________________
*هامشان:
(1) و (3) من أشعار محمد سعيد العبّاسي.
(2) الشاعر التجاني يوسف بشير.
[email][email protected][/email]
روعة والتعازي الحاره لك صديقي أسامة في الاقاصي البعيده .. حمزاتوف من داغستان ….
له الرحمه اخي اسامه.
وشكرا علي هذه القصيده الجميله في حق بهنس
والله انت مبدع حقيقي.
افضل ماقرات فى رثاء الراحل بهنس وهو رثاء لكل المبدعين الاحياء.
لك كل الود يااسامة …حاج حمد
مثل كل غناؤك، هذا الغناء جميل، وهو مرٌ بطعم الرحيل، وجميل، بائسٌ مثل أن ترسم بالبندقية شكل الوطن، أو تنظف بالطلقات كل ما خلفته تواريخنا من عفن، مهنة خاطئة أن تحس تفكر … ومنفى وبيل أن تكون بمصر، فيا هاربا من حاكمية رعاع القصور، لا تطلب السقف والشحم عند غواني العصور.
رحم الله بهنس
وشكراً شاعرنا الشاعر أسامة الخواض
هذا عام الرحيل
يتوالى الفقد
وتلحق ببهنس
المناضلة الجسورة
سعاد إبراهيم أحمد
لم يبق إلا نحن
هذا عام الرحيل
تكتظ جعبته بأشلاء المبدعين
والناشطين النبلاء
ها هو مسجدى على
فراش الإحتضار
شهيق حشراجات الروح
تتصاعد
هل من مزيد
لم يبق إلا نحن
لعل نهايته
تمضي دون أن تتصيد
سنارته أحدنا
عسى أن يطل علينا العام الجديد
حاملاً بشارات التغيير و السعد
القصيدة جميلة لو كلمة سبحانه هذه التي نسبها الشاعر للثلج … وهذه كلمة على حد علمي لا تقال إلا لله … ومعناه حسب علمي (تنزه عن الوصف والمثيل) فينبغي التأدب مع الله … والله أعلم