لا تجاملوا الميرغني ولا المهدي (2)

في مقالنا السابق بعنوان لا تجاملوا المهدي ولا الميرغني أوضحنا كيف أن السيد الصادق المهدي فرط في النظام الديمقراطي وتهاون ثم تعاون مع الحكومة وأصبحت له مواقف مرتبكة ومتأرجحة بما أسهم بشكل مباشر في إطالة عمر النظام وخلصنا في تحليلنا لموقفه بأنه يفكر في ترفيع عبد الرحمن المهدي ، الضابط المغمور ، ليخلفه في رئاسة الحزب وقيادة كيان الأنصار بل وربما حلم مبكرا بترشيحه للرئاسة وقلنا إن على المعارضة وكل من له موقف من النظام وما أحدثه طيلة ربع قرن من خراب ودمار ألا يجامل المهدي وأن تتشدد المعارضة ضده بغض النظر عن ثقله الطائفي كما انتقدنا خضوعه للنظام واستلامه درع تكريم من نظام عسكري مغتصب للسلطة الديمقراطية التي انتخب الشعب الصادق حارسا عليها لكنه فرّط فيها رئيسا للوزراء ومعارضا وربما أسهم مقالنا مع آخرين في أن حرّك الصادق لينتقد معارضيه ويبرر موقفه بأسوأ من موقف استلام وسام التكريم حين ظن ، وهذا الظن إثم ، أن الرئاسة كانت تكرمه بسبب حصوله على جائزة تتعلق بالسلام والدعوة للديمقراطية وما إلى ذلك من تخاريف لا ينبغي أن تصدر من رجل خبير ” بأسرار الديانات واللّغى ” ومسارب السياسة ودهاليزها أو هكذا كان ينبغي أن يكون .. ونظرا لكون مقالتنا الفائتة عن الصادق قد طالت فقد وعدنا القاريء الكريم بأن نفرد للميرغني مقالة بما يستحق مع أن للمهدي منها نصيب فرضته المقارنة وتشابه الموقف.
والميرغني وإن كان له حق الاحترام سنا ومقاما وتاريخا إلا أن حسابات حقل السياسة ليست كحسابات البيدر وللأسف فحصاد الرجل ضئيل فيما يتعلق بمواقفه من سلطة الإنقاذ الغاشمة، والميرغني الذي يعتبر كالصادق ممن ائتمنهم الشعب على الديمقراطية لم تكن مواقفه في مهادنة النظام خاصة في العقد الأخير بأقل سوءا من نظيره ، وإن كنا نذكر للميرغني أنه كاد أن يتوصل مع الراحل جون قرنق لسلام دائم كان من الممكن أن يجنب السودان نزيف الحرب والانفصال لولا أن قطع الطريق عليه قُطَاع الطرُق من الإنقاذيين ” الذين لسخرية القدر المفرطة وصفوا غيرهم بعد التمكين بشُذَاذ الآفاق !! ” ، وضيعوا على الميرغني فرصة تاريخية لن تتكرر أبدا كما أضاعوا على البلد فرصة السلام التي لاحت وأغرقوه في بحر من الدماء لو أننا جمعناها في مجرى واحد لكان في خارطة العالم الآن ” البحر الأحمر القاني السوداني ” !! ، ويمكننا القول إن الميرغني أيضا يقاوم ويساوم هو الآخر على مصالحه الخاصة .. وقد رأيناه ” يشد حيله ” مع التجمع ممثلا الجناح السياسي بل تم تنصيبه رئيسا له حيث كان لجون قرنق القتال وللميرغني المال وشاهدناه وهو يستأسد على النظام ويردد ” سلِّم تسلم ” وكانت صيحة حق أريد بها باطل .. فرأيناه يدخل أريتريا فاتحا سفارة السودان مقرا بعد أن تسبب النظام بحماقاته المتكررة في استعداء اريتريا حتى أُضطرت لمنح سفارته هبة للمعارضة وللميرغني تحديدا وكنا نتوقع أن يجعل ذلك الموقف الميرغني أكثر تمسكا بحق الشعب في الديمقراطية إلا أنه ما لبث أن تنازل وتخاذل عن المواقف المتشددة تجاه النظام بمجرد أن لوّح له بأن بالإمكان استرداد ممتلكاته المصادرة ” وأهل الإنقاذ يعرفون كيف يصطادون في مياه السيدين عكرة كانت أم نظيفة ” .. ورأيناه بعدها يتسلم مفاتيح ممتلكاته ويمانع ويناور في العودة واستغل النظام ذلك الموقف لسنين عددا في تسريب خبر عودته ومشاركته وجعلوه معلقا فلا هو مقاتل ولا هو مناضل وحصروه في خانة المجادل والمجامل وظل يتقرب منهم زلفى بقدر ما يمدون له من عطاء المال ومن الناحية الأخرى شرعوا في تمزيق حزبه إربا فأصبح لحزبه فروع ولفروعها فروع وجاءوا بنكرات ممن كانوا تحت جناحه فخلقوا منهم زعماء ووزراء وأمدوهم بالأموال وأسندوا لهم المناصب ورأى رأي العين أن الأمور تتسرب من بين يديه فرأى أن يلحق بالركب و” يدخل رجله ” خاصة وهو يرى غريمه الصادق المهدي وهو يدفع بابنه لمراكز القرار الأمامية ويحتفظ لنفسه بلقب زعيم المعارضة ” من منازلهم واعتمادا على إرث تاريخي ” وربما خُيِّل للميرغني أن المهدي يسعى بسحره لدى فرعون الإنقاذ بما لا يؤمن جانبه فقرر هو الآخر المضي في ذات الطريق !! لكن علينا أن نتساءل عن ثنائية المواقف المتطابقة للسيدين ” رُدّت لهما بضاعتهما وولداهما مساعدان للرئيس وكلاهما تسلم وسام الجمهورية من الطبقة الأولى ” وزارهما الرئيس في رمضان الماضي لكن الحق يقال حين زار الصادق كان الظرف على المنضدة بينما اختفى الظرف حين زار الميرغني واعتقد أن ظرفاء جلساء الراكوبة ساهموا في تنبيههم للظرف في الصورة التي جمعت بينهم فتم استلامه وحفظه قبل التصوير ” !..
نعود بعد الاستطراد للميرغني الذي وإن أدخل ابنه للقصر حتى لا ينفرد ” ضرته ” المهدي بذلك إلا أن اختياره لم يكن موفقا حيث أن ابنه جعفر الصادق ضعيف القدرات العلمية والسياسية فهو ” في الخصام غير مبين ” كما هو في ” السلام ” ، بل أن سيرته الذاتية التي نشرها وتتضمن دراسته الجامعية جعلته محلا للتندر وما زالت وإن كنت أعتقد أن الأكاديميات وحدها ليست شرطا كافيا ليتسلم الرجل مركزا سياسيا مرموقا إنما هي التجربة والمشاركة والمثابرة ويبدو أن الميرغني كان يتلفت حوله ويرى أن كثيرا ممن نالوا الدرجات العلا من أهل الإنقاذ ليسوا ممن منحهم الله بسطة في العلم والمعرفة بل منهم من هو إلى الجهل أقرب وكم شهدنا في عهد جنة الإنقاذ ” ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ” من المفارقات حيث تسنم وتسلم الرويبضة – وهو كما جاء في الحديث الشريف الرجل التافه الحقير ? ( وما أكثرهم ) أعلى القمم وصار يسوس الناس بالقذف والسب وثقافته لا تتعدى ” لحس الكوع ” ” والدايرا اليجي يقلعا ” وإن سبقت أسماء بعضهم للأسف ألقاب تدل على منازل علمية رفيعة ! وبعضهم كأنما جيء بهم من زرائب الجهل ومراتب الذل وخرائب الذمم ليسوموا شعبنا سوء العذاب ! فإن كان حال مسئولي الإنقاذ كذلك فلا بأس بأن يدفع الميرغني بجعفر الصادق وهو على الأقل أكثر أدبا ولا نعتقد أن الميرغني دفع به لأهداف كأهداف الصادق ولكنه على كل حال لم يشأ أن يدع الحلبة للمهدي يصول ويجول فيها لوحده.
الميرغني يقف الآن ، كما الصادق ، موقفا بائسا من نضال الشعب وكفاحه لاقتلاع الزمرة الفاسدة التي طغت وبغت بغير الحق ، يقف موقف المتفرج إن لم يكن موقف المعاون بالصمت والمشاركة السلبية للحكومة وهو بذلك يسيء لتاريخه وطائفته بغض النظر عن رأينا الشخصي في ذلك التاريخ الذي لا نعتقد بأنه خال من الشوائب التي باتت مثالب واضحة للعيان ومضرة بشعب السودان .. الوقوف الآن ولو بأضعف الإيمان في صف الإنقاذ يعتبر خيانة لشعب انتخبكم وائتمنكم والإنقاذ الآن على طرف الهاوية وهي آيلة للسقوط بكم وبدونكم فهؤلاء القوم أصبحوا ” يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المعارضين ” فليسارع كل من تباطأ ليدفع بهم نحو الهاوية وفي ذلك أجر عظيم .. وسِجِلّ تاريخٍ ينبغي على الملهمين استدراكه لتسجيل أسمائهم في قائمة شرف إنقاذ الشعب السوداني من دعاة إنقاذه ،والآن وقد تمادوا في الطغيان ورفضوا التنازل والاستسلام ، وجبت مجابهتهم ولو بأسنة الرماح وفوهات البنادق لنظام أعلنها على لسان رئيسه ” نحنا جينا بالبندقة والدايرا يجي يشيلها بالبندقية ” !! ..
وبقي أن نشير إلى أن موقف السيدين المعلن بشأن المقاومة السلمية للنظام تنبئ عن قصر نظر لا يليق بالسياسي المحنك والسياسة تعني حسن التدبير والتدبر ومعرفة الخصم والحرب ليس بالضرورة أن تكون بالسلاح بل بكل ما هو متاح وانظروا كيف كان ينسج أهل الإنقاذ الأكاذيب ليدفعوا بالشباب للموت رغبة كما فعل غلاة الإسلاميين في أفغانستان ، رأيناهم يتحدثون وهم يقاتلون إخواننا في الجنوب عن رائحة الدم الذي يتضوع مسكا وعن القرود التي تحفر الألغام وعن الدبابين الذين تصدوا للدبابات بأيديهم وعن هتافات هبي هبي رياح الجنة بينما يتقلب قادتهم في هبوب المكيفات بالعاصمة ويتوالى وصول الطائرات المحملة بجثامين القتلى للمطارات .. هؤلاء رغم الخسائر الفادحة استخدموا الدعاية الخادعة والكذب الصراح وبالتالي فإن حديث السيدين عن الخوف على البلد وعدم الإيمان بالمقاومة المسلحة والجهاد المدني والمقاومة السلمية وخلافه دفع النظام لمزيد من التشدد والشراسة والسخرية من المعارضة وكان ينبغي حتى لمن لا يؤمن بالعنف لاسترداد حق الشعب، لأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ، ألا يجعل عدوه ينام مطمئنا .. والعامة يعرفون حرب الأعصاب والحرب النفسية ” عدوك سهرو ولا منامو ” والنبي الكريم استخدم العامل النفسي لإرهاب العدو فقال فيما يرويه البخاري عن خمس لم يعطهن نبي قبله أولاها ” نُصِرت بالرّعب مسيرة شهر ” فكان أعداؤه إذا سمعوا بقدومه أشهروا إسلامهم هلعا وخوفا فدخل البلد فاتحا دون حرب وهو ما يتفق مع قوله تعالى عن اليهود ” وقذف في قلوبهم الرعب ” فالأصل أن نشيع الخوف في العدو حتى لا يأمن من أين يؤتى .. لكن الميرغني والصادق جعلا البشير ينام ملء جفونه عن شواردها ويصحو صباحا ليقول آن للرئيس أن يمد رجليه ثم يذهب إلى مكتبه يتمطى وهو يردد ” أرقد قفا وامدح المصطفى ” كناية عن الراحة والاطمئنان .
ومن هنا أكرر ما قلته سابقا أن على كل من يؤمن بإسقاط هذا النظام من أحزاب ومنظمات وهيئات وأفراد ألا يتهاونوا مع السيدين نقدا وتعنيفا وإظهارا لموقفهم المتأرجح ومضاره على مستقبل البلد وحتى يعلم الحقيقة من يؤيدونهم من طائفتيهما على الزينة والشينة لأن معظمهم لا يعلمون خطر ما يفعلانه وأنا على يقين أن المواقف المتشددة تجاههما ستؤتي ثمارها وانظروا كيف حاول الصادق المهدي أن يتنصل من موقف تسلمه وسام البشير بعد أن حشر نفسه في وضع لا يحسد عليه وهو لن يتجرأ مرة أخرى لتكراره .
إضاءة : قال الشاعر التونسي الفيلسوف أبو القاسم الشابي :
ولْتشهدْ الدنيا التي غَنَّيْتُها حُلْمَ الشَّبابِ، وَرَوعة َ الإعجابِ
أنَّ السَّلاَمَ حَقِيقة ٌ مَكْذُوبة ٌ والعَدْلَ فَلْسَفَة ُ اللّهيبِ الخابي
لا عَدْلَ، إلا إنْ تعَادَلَتِ القوَى وتَصَادَمَ الإرهابُ بالإرهابِ
لا رأيَ للحقِّ الضّعيفِ ولا صدىً الرأيُ رأيُ القاهرِ الغلاّبِ
ولتكن الغلبة للشعب لا لعصابة ولا لحزب سعيا لوطن الحرية والديمقراطية والعدل

أبو الحسن الشاعـر
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. فريقي كورة (وعفوا لفرق الكورة لأن لهاأهداف وخطط ونشاط) لا فكر لا منهج لا تبني لنظام أقتصادي معين. جاهد المهدي ومات أنصاره وأعلوا رأية “لا إله إلا الله، لا لسلطة ولا لجاه، ثم أعلو رأية السودان، ثم جاء الأزهري ورفاقه ورفعوا رأية السوادان عالية، بئس سلف لخير سلف.

  2. كل كاتب يريد ان ينفذ له الصادق الامام ويتبنى تفكيره لماذا لاتتجاوزون الرجل وتنقلبوا على نظام البشير عندها فقط ترمون الامام فى مزابلكم وتكونوا الحكومات بعيدا عن حزب الامة يلا قوموا الى مظاهراتكم

  3. عضوا الحزبين _ إن جاز التعبير _ المشاركان والموقعان علي ميثاق الجبهة الثورية ( التوم و الهادي )هما رئيسا الحزبان الفعليان وليس هاذان الفاشلان المرتشيان الخرفان وعلى جماهير الحزبين الالتفاف حولهما والتنسيق من خلالهما

  4. هذا نظام اتبع سياسة خبيثة “سياسة التمكين” ممتطيا صهوة الدين والتقرب إلى البسطاء – حتى وإن كان من بينهم الكثيرين من حملة الدرجات العليا – وصولا لمآرب خاصة .. وها هي نتيجة التمكين بارزة للعيان في الفلل الفخمة والسيارات الفارهة وشركات المقاولات والتشييد التي لا تفوتها مناقصة عامة إلا وفازت بها (بالواسطة طبعا والحظوة) .. وكل شيء لله ..

    السيدان آثرا توظيف ابنيهما في القصر .. ونسيا “تهتدون” و”سلم تسلم” ..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..