جلسـة نقاش تحت قبة الامجاد

برلمان الامجاد بودمدني : نقاش وشكاوي من تردي الاوضاع
ودمدني / عمران الجميعابي
الطريق من ودمدني الي بركات وعر وملئ بالمخاطر بسبب كثرة الحفر المنتشرة علي جسد الطريق وهي كبيرة وخطيرة لدرجة انها يمكن ان تفتك بالعربة وربما تسبب خسائر في الارواح .عقارب الساعة كانت تشير الي الثامنة صباحا ونحن في محطة (المواصلات ) علي بعد خطوات من رئاسة مشروع الجزيرة اما وجهتنا فهي السوق الكبير بودمدني عبر عربة (الامجاد) تحسر ابوعلي سائق الامجاد علي مقعد خال وهو يهم بالصعود الي عربته المتوجهه الي السوق الكبير .
امرأة مسنة تلتحف ثياب السواد تقول للسائق (عايزة انزل المستشفي ).
ورجل ستيني يرتدي جلابية وملفحة يتحسس جيبه ويخرج (حقته ) ويطرق علي الحقة عدة مرات ثم استقرت (السفه ) في مكانها بطريقة دراماتيكية بينما كانت عيونه مشغولة بالتأمل في السرايات برئاسة مشروع الجزيرة ويقول بحسرة (حليل زمان )
فسألته موظفة كما يبدو من ثوبها ناصع البياض مالك ياحاج الزمن سوي فيك شنو ؟
السؤال كان كما ارادت له من اطلقته أثار نقاشا معهودا ومتكرر في مقاعد المواصلات فعربة الامجاد التي تسع ل(7) اشخاص فقط تتحول برلمان يخضع فيها الركاب قضاياهم الي نقاش مفتوح وهذا ماحدث صباح ذاك اليوم انخرط الجميع في الحديث الا السائق الذي كان مشغولا بشغل المقعد الشاغر .
بدءا كان الشيخ المسن قد اودع قضية تدهور مشروع الجزيرة والصناعات التابعة لها منضدة البرلمان وقال انه عمل في المشروع في وظيفة (مخزنجي ) وتنقل في عدد من الاقسام والتفاتيش لذلك كان يتحد بالم حديث العارفين وبالتاكيد المشروع بالنسبة له ليس فقط مجرد صرح اقتصادي بل هو مستودع ذكرياته الجميلة وجزء من صباه وشبابه واجمل ايام عمره ويقول الرجل المسن منتهزا فرصة صعود طالب يرتدي بنطال جينز ويقول (نحن كنا بنلبس الدمورية المدعومة من الحكومة بنلبس مما نصنع ، شوف بعد رفعنا الشعار دا بقينا عمليا نستورد مانلبس ونرفع الدعم عن كل شئ )
ويضيف ان السواد الاعظم من مصانع الغزل والنسيج توقفت تروسها واصبحت خرابا فبدلا من تجديدها لتواكب مصانع العالم وتنافسها تراجعت . يتدخل احدهم ويقول (كل مرة بنسمع انهم حيبيعوها لي مستثمرين عشان يجددوها ويشغلوها ).
يرد الرجل ساهما وكأنه يحادث نفسه الباعوها حصل فيها شنو يعني ؟
ثم تحول الحديث الي المشروع نفسه وقضاياه ابتداء من العطش المزمن الذي تضرر منه الزراعة وتترتب عليه خسارات فادحة للمزارعين ثم عرج الي قانون (2005) الذي تحاشي الكثيرون المشاركة فيها لسبب الراجح هو انهم لايعرفون عنها الكثير والدليل هو ان المداخلات عل قلتها كانت استفسارية .
وتوقف الجميع في مشكلة ملاك الاراض لكنهم غادروها سريعا عندما نقلت المرأة ذات الثوب الاسود الجميع الي مربع غلاء المعيشة وصبت جام غضبها علي التجار وجشعهم واضافت (معقولة كمشة الفول بي الف جنيه المبلغ دا زمان يوديك الحج ويجيبك شنطتك ملايانة هدايا )
ثم توقف الحديث في محطة الخدمات وبالتحديد الصحية وتدهور المستشفيات وغلاء الدواء وضعف التشخيص وتضيف ذات المرأة قائلة (كان في دكتور طيب وشاطر الله يديهو العافية قبل فترة لمان سألت منو قالوا لي اغترب ) وفتحت بذلك مداخل اخري للحديث للرجل المسن الذي قال (طيب اذا الدكاترة ماقادرين يعيشوا في البلد دي الناس الطلعت من المدارس وماكملت تعليما يعيشو كيف يعني )؟
وينتهز الطالب الفرصة ويقول ( هجرة الاطباء واساتذة الجامعات دي مشكلة كبيرة انا بدرس في جامعة الجزيرة كلية العلوم الطبية والتطبيقية قسم التخدير فقال اعتصمنا بتاريخ 18/19 من نوفمبر الماضي احتجاجا علي العديد من المشكلات التي تؤثر علي تحصيلنا الاكاديمي ابرزها عدم توفر اساتذة بقسم التخدير بسبب هجرة الكوادر الطبية في هذا المجال الي الخارج )
ولاول مرة يتدخل رجل يبدو انه في العقد الرابع من العمر ويقول (كل شئ ادمر ) ترد الحاجة (الله يجازي اللي كان السبب) تتدخل الموظفة (ياحاجة ما تدعي علي ناس مسلمين زيك ) ترد (يابتي هوي نحن جعنا وكوفرنا انت كان دايرة ادعو ليهم ) .
بعد هذا الاحتكاك احتقنت الاجواء وساد صمت مشوب بالحذر لكنه لم يستمر سوي لدقائق عاد الرجل المسن طرح قضية الطرق مبتدرا حديثه بشارع بركات مدني الوعر والمطبات والحفر التي تنتشر علي سطحه واخذ البعض يروي تجارب مرت فوق هذا الطريق ثم انتقل الحديث الي شارع مدني الخرطوم في لمح البصر ووصفه احدهم بانه اسوا طريق قاري وقال اخر انه ليس طريقا بل سفاحا يحصد ارواح الناس نهارا جهارا وعلي مرأي من الجميع .
يتدخل الرجل المسن ويقول (ياخي الشارع علي بعد كل كيلو متر في نقطة بتاعت تحصيل لو كان وظفوا القروش البتتخم دي في الشارع مما عملوه كان وسع الطريق وبقاهو (8) مسارات لي بورتسودان )
ومشكلة طريق (الخرطوم ـمدني ) هي اخر قضية ناقشها المتداولون تحت قبة الامجاد فقد قطع سيف الزمن الحديث ورفع الجلسة فمضي كل راكب في اتجاه ليصبح جزءا من الزحام الذي يمسك بخناق المدينة .
السوداني
[email][email protected][/email]