الانقاذ ? 3 (2/2)

بسم الله الرحمن الرحيم

ذكرنا في المقال السابق أن الانقاذ تميزت بثلاث مراحل وهي الانقاذ (1) والانقاذ (2) والانقاذ (3). تحدثنا باسهاب عن الانقاذ (1) حتى المفاصلة في العام 1999م، وانقسام الجبهة الاسلامية القومية الى قسمين وهما حزب المؤتمر الوطني (ناس القصر) والمؤتمر الشعبي (ناس السجن). أوضحنا مواصفاتها وأخطائها وأسلوبها في الحكم، مع التأكيد على والالتزان برفض الرأي والرأي الآخر، والانفراد بالسلطة المصحوبة بالعداء السافر للغرب ، خاصة الولايات المتحدة (لمي جدادك، وحان عذابها..الخ)، وعدم سلامة دول الجوار من مناكفات واختراقات وتدخلات الحكومة السودانية، واتهام الأخيرة من جميع الجهات بتصدير الارهاب.
خلاصة الأمر أن تلك الفترة كانت (بداية فشل) الانقاذ في قيادة الدولة، نتيجة انعدام الخبرة والاعتماد على أهل (الولاء)، مع التركيز على (الحرب الجهادية) بالجنوب والدبابين وسطوع نجمهم الذي افل الآن بعد الانقاذ (2)، والصرف غير المحدود على الحرب، ورفع شعارات خاوية خالية من الابداع والعلم والدراسات!!! وتحويل الجنيه الى دينار (يعادل 10 جنيهات)، وكارثة تعريب التعليم الجامعي، وتحويل عدد كبير من المدارس الى جامعات مع انعدام الأساتذة والفنيين والمال، واتهام مصر للسودان بتدبير محاولة اغتيال حسني مبارك بأديس أببا، والمشروع الحضاري المقصود به (اعادة صياغة) الانسانى السوداني بما يتفق و أفكار أهل الجبهة الاسلامية!!
ألان جاء دور الحديث عن المرحلة الثانية وهي الانقاذ (2). امتدت هذه الفترة من 1999 حتى 2013م، وهي بالمناسبة تعتبر أسوأ فترات تاريخ السودان بالنسبة للوطن و للمواطن السوداني والآداء الحكومي، اضافة الى فصل جنوب السودان مساحة وشعبا واقتصادا.
بدأت الفترة بالتخلص من (أهل السجن) الذين قاموا بتكوين المؤتمر الشعبي، وكون (أهل السلطة والقصر) المؤتمر الوطني. وضح من تشكيل الحزبين لكل من له عقللا يميز وعين ترى أن الأول هو أهل الجبهة الاسلامية (الحقيقيين)، وأن أهل الثاني هم (عشاق السلطة). بمعنى آخر، ناس (لا لدنيا) قد أتينا، وناس ، وآخرون يحبون المال حبا جما (السلطة والجاه)!!! وتحولت الانقاذ من مرحلة (بضع ) والمعني بهم الفاسدين كما جاء على لسان كبير الحزبين أثناء الانقاذ (1) الى مرحلة (الا بضع) في مرحلة الانقاذ (2) وهذه هي الطامة الكبرى التي أودت بالانقاذ والسودان ومواطنه الى الهاوية وفي النهاية الدولة الفاشلة الحالية.
اشتدت القبضة الأمنية ، وجرت محاولات عنيفة لانهاء مشكلة الجنوب (حربا)، لكن خذلت الحكومة (المؤتمر الوطني) نتيجة انتساب أغلب أهل الدفاع الشعبي والدبابين الى المؤتمر الشعبي، وبدأت (المفاوضات) الماراثونية )الاجبارية) بين الحركة الشعبية و(المؤتمر الوطن) ، مع استبعاد بقية الشعب السوداني ، انطلاقا من أبوجا ونيروبي وناكورو ونيفاشا، والنتيجة كانت واضحة منذ الانسحاب المدروس والمبرر للدكتور غازي صلاح الدين من قيادتها وتسلم النائب الأول السابق الأستاذ علي عثمان لرئاسة الجانب الحكومي. امتدت المفاوضات قرابة العام وصرف فيها ملايين الدولارات، والنتيجة كانت كارثية حيث نال الجنوب كل ما يريد وفقد السودان كل شئ.
تزامنت هذه الفترة بنجاح الدكتور عوض الجاز في استخراج البترول وانشاء بعض المصافي، مما شجع عباقرة اقتصاد المؤتمر الوطني (بازالة) ثلاثة أصفر من قيمة الجنيه، واصبحت قيمة الألف جنيه القديمة تسمى جنيها واحدا، وازدات الانقاذ تبجحا على الشعب وعلى دور الجوار، بل كاد أهلها أن يلبسوا العقالات، ويتحدثون بأشياء لا ترقى لها قدراتهم!!.
أيضا من أهم ملامح هذه الفترة الضغوط الأميريكية الأوروبية العنيفة، اضافة الى صندوق النقد والبنك الدولي والأمم المتحدة ومجلس االأمن ومجكمة لاهاي (العدل لاالدولية) واتهامها لأكثر من 50 سوداني بتهم خطيرة جدا وعلى رأسهم السيد رئيس الجمهوربة، وخضعت حكومة المؤتمر الوطني ولبت كل متطلبات الجهات الأجنبية (عدا لاهاى بالطبع)، وكانت النتيجة رفع الحصار جزئيا، عدا الولايات المتحدة التي اتفقت مع الآخرين على أنها ستستمر في المحافظة على الكرت الأخير للضغط والمقاطعة حتى يلبي السودان كل ما يريده الغرب والمجتمع الدولي، وهو (الحظر) مستمر حتى تاريخه.
كما لا ننسى أن من أهم سمات الانقاذ (2) تشجيع الانقسامات والتشرذم في الأحزاب الأخرى، وتحول كل حزب الى ما لا يقل عن خمس فصائل متشاحنة دون وجود أسباب جوهرية لذلك. بنهاية الانقاذ (2) اصابت العدوى حزب الحكومة نفسه وانقسم الى حوالى ثلاث فصائل متشاحنة ومتصارعة نتج عنها اعتقالات واتهامات بمحاولات انقلابية وتصارع على خلافة رئيس الحزب في رئاسة الدولة، ورفض الصفين الأول والثاني للصف الأول الذي احتكر (كل شئ) وتكبر وتأله حتى جاءت الانقاذ (3).
لم تتعلم الانقاذ (1) في مرحلة الانقاذ (2) مما حدث في نيفاشا وازدادت الصراعات في دار فور وبدلا من ثلاث فصائل تحارب المؤتمر الوطني تشعبت وبفعل فاعل، وبغباء الى أكثر من 30 فصيلا من الصعب ارضاء كل فصيل منهم دون اغضاب الآخرين، وما حدث مع أركو مني مناوي خير دليل. بل أصبحت مشكلة دار فور لها (مسرح) مخجل خارج السودان يدار من الدوحة وبأصابع مشبوهة فكريا وماليا وأهدافا ، والله يكضب الشينة.
فجأة تحول (جنوب السودان) جغرافيا الى حدود النيل الأبيض وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق. كما انتقلت مشاكل (الجنوب) السابق الى الجنوب الجديد بذات التفاصيل والطعم واللون والرائحة والتصرفات الغبية. لم تتعلم الانقاذ كيفية التعامل مع شعبها المتعدد الأعراق والثقافات. لم تهتدي الى الطريق الصحيح في التعامل مع القبائل التي برع المستعمر البريطاني قبل الاستقلال في التعامل معها بطريقة علمية وعملية وواقعية. لم تحترم الخبرات السودانية من خارج الحزب والتي لها مقدرات وخبرات متراكمة في التعامل مع هذه المواقف. أهانت رجالات الادارة الأهلية، واختارت قيادات غيرها تعاملت بكل صلف وافتراء مع هذه القيادات ومنسوبيها. النتيجة تمرد وعنف وهجرات ونزوح وعدم استقرار وانهيار اقتصادي وارهاق غير مبرر للقوات المسلحة التي لم ترتاح ليوم واحد منذ اليوم اياه من الشهر اياه من العام اياه.
كما تميزت الانقاذ (2) بالاساءات غير المبررة للشعب الذي كره كل من وما هو انقاذي و(شنفت آذاننا) بالفاظ عفى عليها الزمن مثل لحس الكوع، وشوف حلمة الأذن، وشذاذ الأفاق، وتحت مركوبي ده، والمعاجبو يطالعنا بره!!! كل هذا جاء عبر كل وسائل الأعلام المسموعة والمرأية والمقروءة (توثيق كامل).
لن ننسى ما حدث من وزير المالية السابق على محمود الذى لا يفرق بين التفكير الاقتصادي والتفكير التجاري، ويعشق أسهل الحلول، بما عرف (برفع الدعم) عن المحروقات (المصطلح الحقيقي هو رفع اسعار المحروقات حيث أنها غير مدعومة حقيقة). هذا الاجراء غير الحكيم ظهرت آثاره الكارثية في كل حلقة من حلقات ساسلة الاقتصاد السوداني حتى صار الخبز والكسرة والقراصة واللقمة واللبن من أغلى المواد الغذائية. أما اللحوم والفول والعدس والخضروات والفاكهة (أكل أولاد المصارين اياها) بالتأكيد أصبحت فوق مقدرات المواطن العادي المغضوب عليه والمنسي والمهمش بواسطة حكومة الحزب وحزب الحكومة، خاصة وأن الحد الأدنى للاجور لم يطبق حتى الآن يا سيادة مساعد رئيس الجمهورية ونائبة بالحزب والرئيس للعاملين بالدولة. لا أريد أن أتحدث عن الأدوية ومنصرفات التلاميذ والطلاب والمواصلات والكساء، خاصة وشتاء هذا العام الاستثنائي (برد وجوع!!). مظاهرات واحتجاجات سبتمبر وقتل الشباب المحتج من سن 14 الى 22 عام. لا بد من الكشف عن من اركتبوه، ولماذا الاصرار على القتل؟ ولمصثلحة من؟وممن صدرت الأوامر؟ فهذه شوكة في حلوق الآباء والأمهات وبقية (الفضل) الصابر والنائم فوق رأى!!!.
أهم سمات هذه الانقاذ (2) هي دمار المشاريع الزراعية وأصبح يطلق على شيخ المشاريع وعصب اقتصاد السودان اسم (المرحوم)، وأنا شخصيا أتحدى من يجهر بالقول بأنه يستطيع اعادة المشروع لسيرته الأولى، ليس كما قال صديقي اللدود د/ المتعافي، (افضل) مما كان. فلم يعد المرحوم لسيرته الأولى، ولم يبقى أخي المتعافي في الوزارة ليجعله كما وعد افضل مما كان، وهو سعيد الآن بما أعطى قطنه المحور من انتاجية. أقول سنجلس جنب الحيطة وبعد سنتين ثلاثة أكيد حنسمع بالزيطة، أللهم فاشهد.
بالمناسبة، من أين جاءت الآفة التاريخية (البق الدقيقي؟؟؟). هل يذكر صديقي المتعافي بأنني أول من أخطره بظهورها بحمد النيل بالجزيرة؟ كان تعليقه : وين حمد النيل دي؟ فما كان مني الا أن ازداد اندهاشا على اندهاشي لظهورها. ان هي فى كل مناطق السودان الفضل.
احتجاجات سبتمبر كانت السبب الرئيس وراء انتهاء أسوأ فترات السودان التي أطلقت أنا عليها الانقاذ (2).
هل تريدون معرفة شئ عن الانقاذ (3)؟ أم ستكتبونه أنتم؟ على كل سأحاول أن أقول شئ عنه في المقال الثالث والآخير انشاءالله في شكل تحليللات وتنبؤات واستقراءات، وعلى المؤتمرجية عدم قراءته لأنهم يعلمون ماذا يريدون من الانقاذ (3) والخطوات الأخيرة بداية بفوزهم باتحاد القضاء الواقف!!! ، واللهم نسألك اللطف (آمين).

بروفيسر/ نبيل حامد حسن بشير
جامعة الجزيرة
3/1/2014م
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..