معظم الفساد يتم عبر الطرق المشروعة

بسم الله الرحمن الرحيم

في لقاء تلفزيوني مع رئيس النظام …من تلكم اللقاءات التي تطرح فيها الأسئلة الساخنة …والذي يكون مقدم البرنامج متأكدا فيها أن المسئول الحكومي يملك الأجوبة الجاهزة.. كون انه سيتحدث عبر ما هو إجرائي يؤكد سلامة موقفه .. أو يستند علي الإحصاءات الانتقائية استنادا علي أن لغة الأرقام لا تكذب .. تباهي الرئيس بان السودان هو البلد الوحيد الذي يقدم فيه المراجع العام تقريره إلي البرلمان ثم الرئيس لاتخاذ الإجراءات الفورية لاسترداد الأموال المنهوبة وضرب عدة أمثلة لذلك . وينتهي مثل هذه اللقاءات بالاقتناع بمنطقية الدفوعات والتزامها الجانب الموضوعي ..لكن السؤال يظل عالقا وحاضرا ..إذاً أين يوجد الفساد ؟
ما يغفله مثل هذه التوضيحات .. هو السؤال عن أي فترة للنظام وضعت فيها تلكم القوانين والإجراءات؟ .. وما الذي جري قبل وضعها في عهد النظام ؟ وماذا حل بالقوانين التي ورثها النظام في بدايات النظام ومدي احترامه لها ؟ وما هي الآثار الكارثية التي لا يمكن الفكاك منها والتي وسمت النظام بالفساد؟
تذكرت هذه الأسئلة بين يدي تقرير المراجع العام الأخير وملاحظة الكاتب الصحفي الأستاذ عثمان ميرغني بان كل الفساد يحدث خارج الدورة المستندية .
دون ادعاء لا يسنده منطق بان الفساد إنما هو وليد نظام الإنقاذ… نستطيع أن نتحدث عن تعمقه كظاهرة إبّانه..وذلك منذ بدأ عهده بتمكين أهل الولاء وإيقاف الصحف وإصدار صحف مهمتها الدعاية لكل ما هو إنقاذي دون أن يكون لها دور في كشف أي فساد ما دامت الأيادي المتوضئة هي التي يمر بها المال .!! وصارت اللوائح الموروثة في أعرافهم معوقات للعمل يتجاوزها المسئول دون ان يطرف له جفن . وقد حكي احد مديري الكهرباء الذين أزيحوا بعد إزاحة الدكتور المرحوم محمود شريف الذي رفض تصفيتهم الوظيفية .. أن خلفه كان يصدق بما يزيد عن عشرة إضعاف المبالغ التي كانت تسمح بها اللوائح حين كان هو مديراً مباشرة بعد توليه .
تزامن ذلك مع سياسات التحرير التي ربطت الاقتصاد بالاقتصاد الرأسمالي بكل أمراضه في العمولات والرِشَى دون صحافة حرة تكشف كما سبق ذكره . ثم الاقتصاد الريعي والتوسع في الخطط الاسكانية لغرض الرسوم .. والطريف انهم منعوا بيع قطع الاسكان الفئوي في البداية ثم فتحوه علي الآخر بعد اكتشافهم ان القطعة الواحدة ستدر الرسوم في كل مرة فنشط السماسرة وافسدوا ضعاف النفوس من كل الوظائف التي لها صلة بالأمر . وفاقمت كثرة الجبايات من الرشاوي لدفع مبالغ اقل وطال ذلك مجالات المتحصلين بمختلف مواقعهم .. ثم كانت نفرات زاد المجاهد التي كانت تجد طريقها الي السوق . وادي ظهور الراسمالية الطفيلية الي تمايز طبقي يصبو كل من بيده سلطة او قلم للوصول الي مصافهم باي وسيلة . كل ذلك ادي الي فساد يطال كل الاجراءات المناط بها تقليل محاربة الفساد .. واصبح هنالك سماسرة العطاءات ومزيني المشروعات الكبري ثم التخطيط لاصطياد عطاءاتها .. واصبحت فواتير المناقصات بلا قيمة في بعض المعاملات الكبري بالاتفاق مع التجار المفسدين فيما بينهم لتضخيم الارباح . وهكذا اصبحت المستندات الرسمية مطابقة للقوانين المالية في ظاهرها ولا يمكن ورودها كمخالفات مالية .واصبح الحال مع المفسدين شبيها ببيت الشعر الذي قال به المتنبي
كلما انبت الزمان قناةً …. ركب المرء في القناة سنانا
مع اختلاف المناسبة بالطبع .. أما الأكثر إيلاما فهو الفساد الذي يمر عبر مئات الوظائف الدستورية التي يسيطر شاغلوها علي كل شئ ويهتبلون بها الفرصة للثراء السريع الفاحش كونهم لا يضمنون استمرارهم . لذلك فان الظن بان تقرير المراجع العام يغطي كل فساد الدولة او ان الفساد يمر خارج الدورة المستندية هكذا علي الاطلاق قول لا يسنده منطق . واصبح زوال النظام الذي يحمي المفسدين هو اول الطريق الي محاربة الفساد
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..