ورطة المؤتمر الوطنى فى رماله المتحركة

السؤال الذى شغل الكثيرين من السودانيين فى الايام الفائتات كان هو المأمول الاول الذى رمى إليه دهاقنة الامن السياسي لحزب المؤتمر الوطنى . لم يك احدا من الغالبية الغالبة و العارفة من السودانيين الذين خبروا الخطابات الرئاسية طيلة ربع القرن الماضى يأملون فى اية جديد .بل إن اليائسين على الاطلاق اطلقوا تنبؤآت فى غاية السخرية و المرارة من تلك التى تتقارب من الحياة الاجتماعية للرئيس .وإن كان امر الترقب مقبول للذين ما زالوا يقفون من الانقاذ موقف المتفائل .فالحزن كل الحزن عليهم و الشفقة تكون من تبعات الاحباط الذى اصابهم بعد ان كانوا يرقدون على مخدات الامنيات .و بالطبع كان منهم من يعتقد أن الأشياء هى الأشياء مما جعلهم يغفلون قصدا عن الكثير من نتائج ومآلات الخطابات الرئاسية الواعدة السابقة وما تمخض عنها من رزايا زيادة التمكين و تشعّب قنوات الفساد و عصيان الفاسدين ومعصيتهم بل وشططهم فى التحدى لكل ما من شأنه أن يكبّل أحصنة سباقهم على مظان المال السائب .و إلا فما الذى انتجته كل قرارات الرئاسة فى صدد محاصرة ومحاسبة ومعاقبة الفساد والمفسدين سوى زيادة الآليات التى بشّر بها الرئيس وكوّنها لأجل إستئصال شأفة الفساد وشكم المفسدين .بل واين كل تلك الوعود بمكافحة ترهل مؤسسات الدولة ومصروفاتها الحولاء.ولهذا ولغيره فإن الحالمين بالتغيير الذى يأتى من خلال الخطابات الرئاسية فهم ابى من الحارثين على امواج البحر . ذلك لأن الخائفين من التغيير او حتى مجرد الهمس به هم من بيدهم التلاعب بكل ما يصدرعن الرئاسة برغبتها الحقيقية او التمويهية .وهم من أسسوا قواعد الانقاذ على ذلك الوهم بالنقاء الدينى والنسلى .كان من الممكن جدا بعد المفاصلة الشهيرة أن يكون التغيير.ولكن ما حدث هو الانحراف و التوحل عميقا فى بركة الرمال المتحركة التى صنعتها الانقاذ منذ بدايتها الكاذبة التى اعتقدت بها من الصلابة بحيث يمكنها ان تتماسك امام كل التحديات .وهكذا كانت العنتريات الاولى الواهمة بسيادة العالم اجمع بعد ان استخفت بكل ما هو وطنى و بكل مواطن لم يغمس رجله فى تلك البركة . ونسيت ات الرمال المتحركة مهما ابدت من الصلابة المظهرية فإنها لتفكك اسرع واسهل عند كل حركة وخاصة الحركات غير المدروسة . ومتى كان لاى قرار من القرارات الرئاسية او غيرها اى حظ من الدراسة . التوسع فى كشف اخطاء وخطايا الانقاذ لا يفيد .ولا يعنى ذلك بالضرورة نسيانها فهى اليوم ما يعانى منها الحزب الحاكم تحديد والتى أفقدته كل اسلحته ودسائسه ومكائده و مؤامراته، ولم تنتج كل مؤتمراته ما انقذه من ورتطه العميقة فى رماله المتحركة التى صنع ذراتها غير المترابطة .فالحزب الوالغ فى كل ماهو غير وطنى طيلة ربع القرن الماضى يريد اليوم ومن خلال خطاب رئاسي اكبر الظن أن من كتبه او ساهم فى صياغته قصد أن يتآمر على الرئيس بتلك اللغة والمفردات والمصطلحات التى جعلت من الرئيس يتلجلج فى قراءتها واغلب الظن ايضا انه لم يدرك مراميها او معانيها ،وإن احسنّا الظن فإنه لم يقرأه قبلا . على كل وفى كل الاحوال الخطاب اكثر ما كشفه ان الحزب الحاكم ما زال يحاول بعنجهية الخروج من رماله المتحركة بمحاولة جر الاخرين اليها . ومن هنا كانت اولويات الوثبة المزعومة مختلة الترتيب .فإذا كان السلام هو المخرج الموائم للحزب فهو ليس اصل الورطة ، فالحرب هى الاصل ولو لا الحرب لما كان مطلب السلام . والحال كذلك من تسبب فى الحرب هو من يدرك مسبباتها . ومن يرفعون بنادق الحرب يعرفون اسبابهم بل قالوها على كل المنابر المتاحة وغير المعروفة . إنه التهميش وليس هنالك اكثر من معنى للتهميش وان تعددت انواعه وانماطه وعلاماته وراياته التى يرفعها المهمشون “بكسر الميم الثانية” المتحوصلون فى شرنقة التوجه الحضارى . و الغريب فى الخطاب الرئاسى ان سعيه للسلام ما زال يتسكع بين كابينة الدبابات وخزائن الرصاص فهو يريد المقاتلين ان يضعوا السلاح حتى يصلوا للسلام .ولكنه لم يقل كيف لهم ان يضعوا السلاح دون الاستفادة من تجارب الجماعات السابقة التى وضعته ووضعها الحزب الحاكم فى رفوف احذية المساجد حتى عادوا مرة اخرى للسلاح . وأسالوا فى ذلك منى اركو مناوى او حتى السيسي و دبجو الذين دخلت ارجلهم فى البركة. ولعل اكثر ما ادهشنى فى الخطاب الرئاسى تلك الاشارة للهوية وتصحيح النظرة إليها . لقد كانت الهوية السودانية قبل الانقاذ تسير بخطى حثيثة نحو التبلور بعد جاهدات المثقفين السودانيين منذ العبادى و حتى جماعتى ابادماك و الغابة و الصحراء . فماذا فعلت الانقاذ منذ قدومها سوى رفع معول الهدم والتكسير لكل عوامل التماهى الاجتماعى و التزاوج الثقافى و التلاقى الفكرى نحو وطن واحد يجمع ولايفرق . و من صنعوا بالوحدة الوطنية و الهوية السودانية هم اصلاء فى التفكير الانقاذى وجذورهم تعمقت فى الساحة السياسية و الاعلامية . وهم من يقبضون أعنّة الانشر و التوجيه الثقافى وهم من يعتلون المنابر بالتنابذ العرقى . ولا اظن ان الرئيس حتى لو كان صادقا فى توجهه نحو هوية وطنية موحّدة يملك الكوادر المؤهلة والمريدة لهذا الفعل الانسانى . فالذين كانوا يمسكن زمام وحدة الهوية هم اليوم مغيبون او مهاجرون او زاهدون . وهم من بطشت بهم آلة التمكين العمياء . ولكم ان تتخيلوا اننا كنا فى هيئة تحرير مجلة الثقافة السودانية لم تبق منا تلك الآلة سوى محرر واحد بعده صارت المجلة وسارت الى التيه وهى التى كانت موئل ومحطة لكل اطروحات ودراسات واكاديميات الثقافة السودانية . ولا تسألوا فى ذلك مشايعيها من السودانيين بل أسألوا رئيس الوزراء التونسى محمد المزالى وغير من قراء المجلة فى الوطن العربى و الاعجمى

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..