مقولة الترابي بأن نافع كان وراء إستبدال خطاب البشير

خطاب الرئيس عمر البشير الذي ألقاه مؤخراً (مساء الإثنين 27 يناير الجاري) بحضور قادة الأحزاب التقليدية الرئيسية ؛ ربما يكون هو الخطاب الوحيد الذي سيرافق عمر البشير عند سرد تاريخه لاحقاً . وذلك لما إحتواه هذا الخطاب من مفارقات فلكية ما بين المتوقع ؛ وما بين الذي جرى طرحه من غيبيات.
وعلى أية حال فإنه لابد لنا من مراعاة واقع أن التنازل طواعية وبطيب خاطر عن كرسي السلطة ليس من شيم ولا عادة الرؤساء والحكام . فما بالكم بحالة الرئيس عمر البشير الذي يعني تنازله عن الرئاسة تسليمه (بالمزيكة) إلى قضبان المحكمة الجنائية الدولية ؟ ….. ورحم الله من قال “أن الله عز وجل لم تراه الناس بالعين ولكنها أدركته بالعقل”.
ومن بين ردود الأفعال المهمة التي أعقبت هذا الخطاب ، وفسرت صياغته الغريبة هو إتهام حزب المؤتمر الشعبي لمجموعة نافع داخل جهاز الأمن بإستبداله في الساعات الأخيرة…. وبحسب القيادي بالحزب “كمال عمر” ؛ فإن هذا الإتهام قد جاء على لسان الترابي نفسه.
وقد إمتدت تحليلات الترابي لتزعم أن الإستبدال قد جرى دون علم الرئيس البشير نفسه . وأنه قد فوجيء به خلال تلاوته له فقط . وبرهن على ذلك بالإرتباك الذي كان عليه البشير والتلعثم الذي صاحب نطقه لبعض كلماته . أو كأنه يقرأه للمرة الأولى.
واقع الحال أن الساحة مفتوحة الآن لكل التكهنات بشأن فحوى هذا الخطاب “المفاجأة” ….
إن السؤال الأهم في حالة لو ثبت بالفعل أن الخطاب قد تم إستبداله دون علم البشير . وأنه قد فوجيء به عند تلاوته له ؛ إنما تتولد عن ذلك تفنيدات أخرى .. لكنها جميعها لا تذهب في مصلحة الإشاعات التي تردد أن الخطاب قد تم تعديله دون علم البشير . وذلك للأسباب الآتية:
1) أن الدكتور غندور كان قد نفى إحتواء خطاب البشير على أية مفاجآت .. وأكد أنه خطاب يركز على إرساء مبدأ التشاور بين الحزب الحاكم من جهة والأطياف السياسية الأخرى تلبية لمتطلبات المرحلة الراهنة.
جاء تصريح غندور هذا قبل أكثر من 36 ساعة من موعد إلقاء الخطاب.
2) مسألة الإرتباك والتلعثم الذي صاحب قراءة البشير للخطاب ليست بالأمر الجديد والغريب على رؤساء وحكام دول العالم الثالث الأفارقة سواء أكانوا يقرأون من ورقة أو يرتجلون .. ولم يكن الترابي نفسه بشذ عن هذه القاعدة رغم شهادته العلمية الرفيعة في مجال القانون . وأستاذيته وعمادته الجامعية العريقة…..
3) لو كان الخطاب الذي بدأ الرئيس البشير قراءته وإستمر في القراءة من أوراقه حتى النهاية …. لو لم يكن هذا الخطاب هو الذي يرغب البشير في قراءاته ؛ لكان قد طرحه جانباً وارتجل خطاباً يتضمن القرارات التي كان يرغب بإتخاذها … فالمسألة لم تكن معادلات كيميائية أو مسائل رياضية وفرضيات علمية فيزيائية .
4) لو كان فريق د. نافع علي نافع داخل الأجهزة الأمنية بهذا النفوذ والقوة التي تتفوق على القوات المسلحة نفسها . فلماذا ظل د. نافع صابراً على قرار إبعاده عن مركز إتخاذ القرار . وبهذه الأريحية الغير معهودة في طبيعته وشخصيته العنيدة التصادمية؟
وإذا كانت القوات المسلحة الحليف الطبيعي (في هذه الحالة) لكل من المشير البشير والفريق بكري بهذا الضعف والتشتت لمصلحة تيم د. نافع في جهاز الأمن . فكيف نجح البشير وبكري بإجراء التغيير الوزاري الأخير بتلك البساطة والسهولة والسلاسة؟
ثم أن فحوى خطاب البشير قد إشتمل على مدحٍ وإشادة ملحوظة مطوّلة بإتفاقية نيفاشا المثيرة للجدل ؛ والتي تحسب لمصلحة علي عثمان طه … فكيف تفوت هذه النقطة على د.نافع ومجموعته في حهاز الأمن لو كانوا هم الذين إستبدلوا الخطاب الأصلي . ولما يشاع من تنافس وخلافات حادة بين الطرفين نافع وعلي عثمان؟
5) تفسير البعض لغياب الفريق بكري حسن صالح على أنه غضب وعدم رضا عن تعديل الخطاب يتناقض مع مقولة أن الخطاب قد تم إستبداله دون علم البشير ….. ذلك أنه لو كان الفريق بكري يجهل فحوى الخطاب لما كان قد تغيب . بل كان قد سارع بالمجيء كي يكون أول من يستمع إلى قرار تنازل البشير له عن رئاسة الحزب الحاكم.
6) الذي تابع البث التلفزيوني الذي سجل توافد الحضور من الجالسين في مقاعد الصف الأول . يلاحظ أن كل من د. نافع علي نافع ، وكذلك الأستاذ علي عثمان طه لم يكونان على أية قدر من التفاؤل أو الرضا … وقد ظل وجه د. نافع مكدراً لا بل بدا وكأنه قد كبر 10 سنوات إضافية .. ولم تظهر عليه أية آثار بالإنتصار والتشفي والثأر أو حتى الشماتة طوال اللقطات التي رصدت فيها الكاميرا ملامح وجهه أثناء إلقاء البشير للخطاب.
7) أخيراً فإن الأخذ بمسألة أن الإعلام الرسمي والورقي المدعوم قد روّجا لهذا الخطاب باعتباره تاريخيا وسمح بتسريبات ومعلومات مفادها أن الرئيس البشير سوف يعلن تشكيل حكومة انتقالية .. فإن الرد على مثل هذا بسيط وهو التساؤل عن متى كان الإعلام الحكومي يتسم بالذكاء ولا يتحلى بالغباء المرورث؟ .. وعن متى كان هو والورقي المدعوم المكبل بالقيود يتسمان بالمصداقية ؟ ….. ومنذ متى لم يروّج فيه الإعلام الحكومي والورقي المدعوم لخطاب رئاسي على أساس أنه مفصلي وتاريخي؟
…….
ربما يكون التفسير المقنع لما جرى هو وقوع عمر البشير نفسه تحت تأثير المثل الشائع الذي يقول : (تــمر الفكــي البايعــو ومشتهيه ).
ومثل هذا الإحساس يظل لصيقاً جداً بالشخصية السودانية البسيطة التفاعلية عامة ؛ وبكل من يراوح نفسه في التفكير ما بين تنازله عن شيء يمتلكه في يده مقارنة بالثمن الذي يتوقع أن يحصل عليه مقابل تنازله عنه …..
ربما يكون في ذلك هو التفسير لتراجع الرئيس عمر البشير نفسه عن المضي قدماً في تقديم ما أشيع عنه من تنازلات أهمها تخليه عن رئاسة الحزب الوطني ، وتشكيل حكومة إنتقالية ؛ وتشكيل لجنة من كافة الأحزاب والقوى السياسية للتوافق على دستور يلبي كافة طموحات الشعب السوداني .
وما بين رصد الفترة الزمنية التي خرج فيها المساعد د. غندور لينفي إحتواء الخطاب على مفاجآت (وهي 36 ساعة) وحتى بداية ألقاء البشير لخطابه .. نستطيع التخمين بأن الرئيس عمر البشير قد إرتاح لنصائح البعض من حوله . وعلى رأسهم مساعده غندور نفسه . بإعادة النظر والتريث قبل تقديم تنازلات لا داعي لها في الوقت الحالي …. ومن ثم فلا داعي لبيع التمر .. تمر الفكـي ….

مصعب المشرّف
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. تحليل سليم ومنطقى

    واضف الى ذلك ان موضوع استبدال الخطاب ربما يكون صادر من دوائر المؤتمر الوطنى لتشتيت الغضب وخيبة الامل التى ظهرت على الشعب السودانى الفضل

  2. برافو هذا تحليل أقرب للحقيقة اضافة إلى أن العملية كلها من ازاحة نافع و على عثمان و تشكيل حكومة جديدة و خطاب البشير هي فصول من مسرحية مراد منها تخفيف الضغوطات السياسة و الاقتصادية على النظام و صرف أنظار الناس عن الحقيقة المرة المتعلقة بالتردي في كل شيء و قد نجحوا بإمتياز في ذلك حت أن ابليس ما زال محتاراً في هؤلاء القوم و ما يقومون به. كل صباح يصدق فيهم قول الجمهوريين ( انهم يفوقون سوء الظن العريض ). ما أصدقها من قولة.

  3. هذا لاينفى فرضية التغيير وذلك لما سبق من تحضير مسبق ومكثف للشارع السودانى نخبا اودهماء،ثانيا لغته غامضةوصفوية لا تشبه لغة الرئيس التى تعودناها،ثم ماذا لو فرض التغيير فرضا؟ألا يبرر ذلك كل الملاحظات من غياب من غاب و… إلخ. لننتظر قليلا وسوف تنجلى الحقائق

  4. عندما يتحدث أي رئيس أي كان نوعه منتخبا شموليا عسكريا أو يلقي خطابا كالذي ألقاه البشير يتباري محللون وسيسيون في سبر أغوار الخطاب مستندينفي ذلك علي معلومات أو فهم حصيف توصلوا اليه عبر قراءتهم لما وراء هذا الخطاب . ورغم عن أن جميع السودانيين الذين كتبوا عن هذا الخطاب وحللوه أجمعوا علي كونه خطابا فارغا من كل المضامين , الا أن النكسة كانت في محللين اتسموا بالسطحية بل وعدم المصداقية في نقل الكثير من المعلومات . ولعل أبلغ مثال علي هذه السطحية والتضليل هو المقال المسطر أعلاه . لقد كنت حريصا أثناء تواجدي في الخرطوم واجتهادي لتجميع أكبر عدد من التصريحات حول الخطاب الا أن كمال عمر ولا الترابي لم يذكروا بتاتا أو يتهموا نافع بتغييره وتبديل هذا الخطاب .
    الكاتب المغوار بنا كل كلامه وتحليلاته علي هذه المعلومة الخاطئة تماما ولم يذكر متي ولا لمن قال كمال عمر هذا الكلام .
    يا أخوتي مصيبتنا في حكامنا كبيرة ولكن المصيبة الاكبر في هولاء الذين يدعون التحليل وهم أجهل الناس بقواعده .

  5. الخرطوم – شمائل النور

    اتهم حزب المؤتمر الشعبي الإسلامي المعارض بالسودان من سماهم “مجموعة نافع” داخل المؤسسة الأمنية بتغيير موقف الرئيس في الساعات الأخيرة قبل خطابه الذي وجهه للأمة السودانية مساء الاثنين.

    ورجح القيادي بالحزب، كمال عمر، أن يكون الخطاب الذي تلاه الرئيس قد تم استبداله قبل أن يطلع عليه، مشيراً إلى الارتباك وكثرة التلعثم التي اعترت تلاوة الرئيس للخطاب.

    وقال عمر في تصريح لـ”العربية.نت” إن التيار الأمني المحسوب لمساعد الرئيس السابق، نافع علي نافع، والذي أطاح به الرئيس في التغييرات الأخيرة، ما زال يحكم قبضته بقوة في صناعة القرار داخل الحكومة والحزب.

    وجدد حزب المؤتمر الشعبي تمسكه بخيار إسقاط النظام عبر التعبئة الجماهيرية والاعتصمات، واعتبر أن حالة الإحباط التي خلّفها خطاب الرئيس زادت من قوة التعبئة ضده، مؤكداً أن النظام بدد فرصة أخرى للحل ولم يترك سوى خيار الإسقاط، وأثبت أنه لا يملك الاستعداد للسير في اتجاه حل الأزمة السودانية.

    وفي سؤال حول حضور حسن الترابي بنفسه تلبية لدعوة الرئيس في لقاء هو الأول منذ العام 1999، قال عمر إن الحزب عندما قرر تلبية الدعوة بناء على معلومات وتسريبات اجتمعت كلها في أن الرئيس سوف يقدم خطوة مهمة حقيقية وفعلية في طريق الحل الجامع، لكنه عاد وقال إن الذي اتضح أن الرئيس ليس هو صاحب القرار.

    وكان الرئيس السوداني، عمر البشير، وعد الرئيس الأميريكي الأسبق، جيمي كارتر، خلال زيارته الأخيرة للسودان بإجراء خطوات مهمة تبعاً لتغييرات بدأها الرئيس بالإطاحة بكبار قادة الإسلاميين، وقد روّج الإعلام الرسمي لهذا الخطاب باعتباره تاريخياً، وسرت العديد من التسريبات والمعلومات مفادها أن البشير سوف يعلن تشكيل حكومة انتقالية

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..