نشيج

في مدينتنا الحالمة قد طفح الكيل .. كل شئ بها قد صار شاحب الفكرة والتركيز واللّون .. باهت المقصد و البرهان .. حتى حكامنا لا تعييهم الشائعة ولا يأبهون لحالنا .. فقط بيننا وبينهم أن نستوعب ثقوب صدورنا قبل ان يتسرب السر الكبير من خلالها للمدينة فيظهر للعيان وتتناقله الأجيال : أن الغزاة يلتهمون صبرنا .. و يتبرزونه في العراء نكاية بنا .. حشدوا لذلك الفعل القبيح كل عدتهم وعتادهم و زواملهم لا يخشون لومة لائم .. يصولون في حواريها ينهبون ما طالعته أعينهم ويروعون سكانها لدرجة القتل .. إصفرّ وجه أرضنا من وطأة أقدامهم المدنسة برائحة الموت .. وكلّت أنفها التي أزكمتها رائحة الدماء .. إسودّت صفحة سماءنا بمنكر فعائلهم .. إجتثوا روح الإطمئنان من نفوس أسرنا و إغتصبوا آمالها الشريفة بالإستقرار عنوة لقاء حفنة من جشع و عسر حال .. لا صوت للمدينة .. فقد عصبوا أعينها بشرورهم وزرعوا الهواجس مكان الإلفة و الحب والتسامح .. إمتدت يد إبنتي الصغيرة تشدُّ طرف ثيابي : أبتي .. هل ستعود إلينا في المساء .. تحمل لنا الحلوى ..؟ تسمرت كلماتي في شفتاي و استعصى عليّ البوح .. عضدت على شفتي السفلى يقتلني الأسى .. وما كان يرهقني الرد عليها في السابق قبل إغتيالهم أحلامنا بالأمان .. وعاودني موسم الهطول الأسيف لوابل أدمعي .. وضعت ما بيدي من عدة عمل .. دلفت إلى غرفتي أسحب صغيرتي المتشبثة بثيابي تنتظر الإجابة عن وعد بالإياب ، تغشى عيناي سحابة حزن إعتادت مزاورتي شتاء كل يوم .. وغاصت يداي في صندوق قديم ورثته عن جدي أودعه الخاص من أشيائي .. عبثت أصابعي بداخله لوقت قصير .. أخرجت جراباً من قماش تقوّل الزمان على لونه الأبيض ، كانت بداخله بندقية من طراز بال أعمل على نظافتها وأهتم بها في كل حين .. فزعت أميرتي من منظرها و أخذتْها الدهشة وتوكأ الإستفهام ملامح وجهها المشدوهـ البراءة و الفضول .. مارست مهمتي يغالبني الحنين لإحتضانها .. خاطرتني أفعال الغزاة بمدينتي وأهلها فباشرت عملي بجد دون المثول لمشاعري .. حشوت رصاصاتي العشر دون تردد .. وخرجت .. وتبعني الناس ينزفون .. أحدث نفسي بجهادهم .. أؤلئك الغزاة الفجرة .. وتلاقينا .. وعظم اللقاء .. أبليت حسناً حتى أتاني اليقين …حملني الناس على أعناقهم وطافوا بي شوارع المدينة في بكائية غير مسبوقة .. كأنهم يريدونني أن أودع معالمها الحبيبة .. وكأنهم يريدونها أن تشهد عظم تضحياتي و نكران ذاتي من أجلها .. و أنا مطبق الحرف تتبادلني الأيادي في شجن و حزن عميق .. يسبغ مسمعي هتافهم .. يخامرني إحساس بإستنشاق أنفاسها الحرة والزكية كآخر زاد .. ولكن هيهات .. يشقّ عليّ تفكيري صوت أعرفه .. ياااإلهي .. إنها صغيرتي فهي تصرخ بصوت عالي .. إنها تناديني ..، آآآهـ ياااارب … تغمدني برحمتك .. كيف يتسنّى لي الرّد عليها الآن .. ولم أستطع الرد عليها آنفاً في حياتي .. اللهم ألزمها الصبر على فقدي .. فهي تنسج بدمعها طريق عودتي .. وما من عودة لي من برزخي .. اللهم أحفظها بحفظك الكبير يااارب.. تسلل الصمت إليّ من بين الضجيج الذي خفت بالتدريج إلاّ من وقع خطوات تبتعد .. وصوت واهي يلهج بالدعاء .. ونشيج مر .. لم أتبين صاحبه .. !!

آدم عبدالرحيم حامد
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..