المرشد بديع يدعم ترشح السيسي !

(1)
عادة في الظروف الاستثنائية والمنعطفات التاريخية الفارقة في تاريخ الأمم تستشعر الشعوب ذات الإرث الحضاري الخطر، وتعيد ترتيب أولوياتها الوطنية وفقا لمصالحها العليا، وهذا ما فعله شعب مصر مؤخرا، وهو يتحسس بقرني استشعار فائق الحساسية في 30 يونيو أن جماعة الإخوان المسلمين قد تأبطت شرا، وتحمل في جعبتها برنامجا مدمرا، وشديد الخطر على الدولة والمجتمع معا؛ يتطابق بحذافيره مع المشروع الإمبريالي “الشرق الأوسط الجديد”.
(2)
وإن الجماعة عاقدة العزم على تنفيذ المخطط، المناهض لمصالح مصر مهما كانت نتائجه الكارثية؛ ليس من أجل سواد عيون أمريكا والغرب ولكن خدمة لمصالح التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، والذي يرى أن مصالحه تتقاطع في هذه المرحلة التاريخية مع مصالح الإمبريالية العالمية. ليجد شعب مصر وجيشها وقواها الثورية بل وحتى بعض تيارات الإسلام السياسي الأقل جشعا وطمعا في السلطة مثل حزب “النور” نفسها في موقف المضطر لتقديم تنازلات مبدئية، وإعادة جدولة أولوياتها السياسية، حفاظا على الدولة من خطر التفكك والانهيار.
(3)
فمعلوم أن فكر الإخوان المسلمين يرفض فكرة “المواطنة” ولا يجد حرجا في تنفيذ برامج تناقض المصالح الوطنية ومن قناعات الإخوان الأصيلة تقديم مصالح “التنظيم” على ما عداها حتى ولو كانت مصالح الوطن العليا. وقد كنت وغيري من قوى الديمقراطية لوقت قريب نعارض عملية الإقصاء التي تمت “للجماعة”، ولا زلت انظر بعين الريبة لمحاولة الدفع بالمشير السيسي كمرشح لانتخابات الرئاسة وأرى في الحملة الإعلامية المصاحبة لهذا انحرافا عن النهج الثوري يمهد لإجهاض الثورة بخلق فرعون جديد.
(4)
ولكن خطورة الحراك الذي اندلع أوساط قوى اليمين المعارض في السودان بعد “وثبة الرئيس” لدعم نظام “الإنقاذ” الفاسد دفعني للتريث، وإعادة النظر في مجمل المشهد، وإمعان التفكير من جديد في القناعات القديمة، وفق المستجدات المنظورة والواقع الماثل، علَّنا نستطيع الخروج بخلاصات تحرر الوجدان من أسر الطوباوية تكون موضوعية وأكثر واقعية.
(5)
فما بين احتمال إعادة إنتاج فرعون وخطر أخونة الدولة وفق نهج التمكين والإقصاء ذي النتائج الكارثية، تمسكت مصر بالخيار الأقل ضررا وتكلفة، وانحازت لدولة الوطن على حساب دولة الجماعة على أمل أن المؤسسية ومكنيزم النظام الديمقراطي هو الجدير بكبح جماح الانفلات، وحماية مصر وشعبها من خطر إعادة إنتاج دكتاتورية جديدة.
(6)
لأن في الانحياز لخيار دولة الحزب الذي كانت جماعة الإخوان تفضله وتسعى إليه إعادة إنتاج بالكربون لتجربة السودان الفاشلة بنسخة مصرية، ابتداء من العصف بأسس الدولة وهدم ركائزها عبر سياسات التمكين والإقصاء، مرورا بمرحلة الفساد المالي والإداري، وتغيب الكفاءات الوطنية بالفصل التعسفي والتشريد، وما ينتج عن ذلك من فشل اقتصادي وسياسي، انتهاء بولوج مصر لمرحلة فقدان الأمن والاحتراب الأهلي، كنتيجة طبيعية للظلم وتراكم الاحتقان السياسي والاجتماعي الذي أخذ يتسع ويتمدد.
(7)
إن خروج الجماهير الثائرة مرة أخرى في 30 يونيو وبتلك الأعداد الهائلة، قد كان نقطة فارقة في تاريخ مصر الحديثة. فالذين خرجوا كانوا على علم من أن نتائج هذا الخروج حتى لو خدشت ثوابت اللعبة الديمقراطية إلا أنها بكل تأكيد أقل ضررا وتكلفة من ذهاب ريح الدولة وتفككها برهن إرادتها ومقدراتها في يد جماعة تقدم مصالحها التنظيمية على مصالح الشعب.
(8)
وقراءة الجماهير التي خرجت ووعيها الثوري كان يؤكد على أن احتمال إنتاج دكتاتور جديد وفق معطيات الواقع الذي أفرزته ثورة 25 يناير شبه مستحيل، فمستجدات الحاضر الذي أسست له الثورة من تحرير العقول وكسر حاجز الخوف ونشر الوعي، كفيلة بالمحافظة على الزخم الثوري، للمضي قدما نحو تحقيق أهدافها ومراميها، وقد صدق حدس الجماهير وتجلى لاحقا في نجاح تجربة صياغة دستور ديمقراطي توافقي يعد من أفضل دساتير المنطقة.
(9)
إن الضمانة الحقيقية التي تحول دون استيلاد الدكتاتوريات تكمن دوما في الاحتكام لدستور ديمقراطي متوافق عليه، ثم أن استكمال بناء مؤسسات النظام الديمقراطي بانتخاب رئيس تتوفر فيه مميزات القيادة الرشيدة ،واختيار سلطة تنفيذية راشدة، وسلطة تشريعية منتخبة بنزاهة وشفافية، وتفعيل مبدأ فصل السلطات، يقطع الطريق تماما أمام عودة نظم الفساد والاستبداد.
(10)
قدمت جماعة الإخوان المسلمين أعظم خدمة للسيسي، ودعم المرشد محمد بديع بغباء سياسته أمر ترشحه للرئاسة بطريقة يعجز عنها فطاحل الحملات الانتخابية، حين ناصبه العداء، وروج “لفزاعة” الانقلاب، مستفز بهذا العبث الجماهير التي خرجت في الموجة الثانية من الثورة، ودافعا لها للالتفاف حول المشير، باعتبار أنه صمام أمان مصر والحامي لها من عنف الجماعة التي حولت الممارسة السياسية لحرب على الشعب والدولة، لتخسر بذلك جميع مكاسبها التي جنتها وتكسب نقمة ومقت الشارع الذي ازداد قناعة وتعلقا بالسيسي.
(11)
والتفاف الجماهير المصرية حول السيسي وبحثها عن الأمان في هذه المرحلة الحرجة ليست بدعة، ونجد سوابق عديدة مشابهة لها في تاريخ الشعوب المتحضرة، ويكفي الإشارة هنا لاختيار فرنسا للجنرال ديجول عقب تحريرها من الفاشية عام 1944م، وإعادة انتخاب أمريكا لفرانكلين روزفلت للمرة الرابعة باستثناء دستوري إبان الحرب الكونية الثانية عام 1945م رغم سوء أحواله الصحية ؛ فالمراحل التاريخية الفارقة في حياة الأمم والشعوب تحتاج قيادة كاريزمية تتمتع بقدر كافي من الثقة والإجماع.
(12)
ولن يكون أمام السيد السيسي من خيار في حال ما قرر نزع بزته العسكرية والترشح للرئاسة – وهو المرجح – سوى التقدم ببرنامج انتخابي يخاطب آمال وتطلعات الجماهير، والالتزام بتنفيذه دون أدنى خروج عن النص المحكم الذي سطرته الجماهير بدمائها ؛ ومصر التي سيحكمها كما هو متوقع تعاني من أزمات شائكة في مناحي الحياة كافة، وهي نافذة الصبر، وغير مؤهلة لتحمل أوجاع انتظار طويل.
** الديمقراطية قادمة وراشدة لا محال ولو كره المنافقون.
تيسير حسن إدريس13/02/2014م
داككلام دا يا راجل يا باطل
طالما بررنا للسيسي هذا الانقلاب اذن مع البشير الف حق لانه ايضا ذكر مبررات انقلابة لخوفه من ذهاب الدولة ( على الديمقراطية السلام )
مقال أكتر من رائع
الانقلابات والديكتاتوريات لا تنهض ببلد ولا تنتصر في حرب..شواهد التاريخ تثبت ذلك..وامثلتك الذكرتها لا تنطبق علي الحالات المعنية في مقالك