تيدي آفرو في السودان

عمود: محور اللقيا

يزور السودان هذه الأيام الفنان الأثيوبي العالمي تيدي آفرو و أظنها الزيارة الأولى له , و سوف يقوم بإحياء حفلات جماهيرية و سوف يشارك في الحفل السنوي الذي سوف يقام في المسرح القومي في ذكرى وفاة فنان أفريقيا الأول الفنان محمد وردي يرحمه الله . ربما لا يعرف الكثيرون من الشعب السوداني الفنان تيدي آفرو و سيرة حياته , لذلك فسوف أعيد للقراء الأعزاء نشر مقالة لي كنت قد نشرتها في صحيفة ( الخرطوم ) و في الصحف الإلكترونية بتاريخ 4/7/2009 تحت عنوان ( تيدي آفرو ) , فإليكم بها :
الفن مرتبط بالإنسانية عامة . منذ البدايات في العصور الحجرية , وجدت الرسومات التي شكلت الفن كتابا للحياة و قربانا للقوة العظمي ضد كوارث الطبيعة و مخلوقاتها . هذا الكتاب الحياتي قد صار كظل الإنسان يتبع خطاه و تقدمه و يتوافق مع هيئته . هكذا ظهر الفن التراثي الفلكولوري متجانسا و متفردا بخواص كل مجتمع , و عند طغيان الشعور الأممي و ( العالمية ) مع تقارب المسافات بالنقل و الإتصالات , كان لا بد للفن من أن يتقارب عالميا و لا بد له من التأثير و التأثر . الفن ليس كالتكنولوجيا الغلبة فيها للدول المتقدمة , لا , الفن هو إيقاعات و ميلوديات ربما يكون مصدرها في أدغال أفريقيا أو في الجزر المعزولة تؤخذ منها و تطور في الدول المتقدمة و تصير عالمية . التأثير و التأثر لا بد منه , و كل من يريد أن يقرأ كتاب الفن الحياتي بغير هذه الأبجديات يكون كالذي يسبح ضد التيار أو كالعين تنكر ضؤ الشمس من رمدٍ ! نحن في السودان جزء من العالم , نتأثر به و نؤثر فيه , و هذا هو خلاصة ما أردت قوله .
الفنان ( تلمون ) الأثيوبي الذي توفي قبل شهر تقريبا , هو عندهم ( محمد وردي أثيوبيا ) لموسيقاه المحببة , و رغم ان إسمه ينطق بفتح اللام إلا أنه قد ذكرني بمترادفات السيد الصادق المهدي : ( تهتدون ) و ( تفلحون ) , و تخيلت أن الشعب السوداني بعد أن تمت له الهداية و الفلاح , و تغير حاله من حال الي حال , تحول الي اللهو الحلال و الرفاهية , و إنما الحياة الدنيا لعب و لهو ! في قاهرة المعز في الثمانينات كان يعيش فنان أثيوبيا آنذاك ( منليك ) الذي كان معروفا للسودانيين و كان يشارك مع الفنان السوداني يوسف الموصلي في إحياء حفلات الجاليتين السودانية و الأثيوبية , و كان يقول ضاحكا إنه سوداني من المتمة الأثيوبية ! قبل ذلك عرف السودانيون الفنان ( مالوكن ) و أعجبوا بموسيقاه , و قبله زار السودان ( الامايو ) مع الفنانة ( تانانة ) و تغنوا بالأغاني السودانية. من الجانب الآخر إشتهر فنانون سودانيون في أثيوبيا و كانوا يذهبون إليها في رحلات فنية و أخص هنا الفنانين محمد وردي و سيد خليفة و خوجلي عثمان و محمد ميرغني و لهم أغانٍ سودانية ? أثيوبية متبادلة . في السنوات الأخيرة ظهرت الفنانة الأثيوبية ( بيلاتشي ) و هي تغني الأغاني السودانية بكلماتها العربية و بموسيقي مخلوطة و بلكنة محببة جعلت أشرطتها تجد الرواج وسط السودانيين .
مسيرة الفن الغنائي في أثيوبيا يتقدمها الآن بخطي ثابتة الفنان الشاب ( تيدي آفرو ) , وسوف آخذ تجربته بشيء من التحليل عسي أن ينتفع من ذلك فنانونا الشباب . لقد كان تيدي في بدايته مغنيا محليا مقلدا يتغني علي الإيقاعات الأثيوبية المعروفة مثل إيقاع ( الزار ) المعروف عندنا و فيه تقارب مع إيقاع ( الريقي ) العالمي . لقد جعل تيدي لنفسه قضية , و الفنان واجهة من واجهات المجتمع و لا بد له ان يتفاعل مع قضايا مجتمعه , فطرق تيدي قضية التسامح الديني بين المسلمين و المسيحيين , و تطرق لقضيته الوطن الوعاء الذي يحوي مختلف الأعراق و لعاصمته الزهرة الجديدة أديس أبابا , و للعلاقات العاطفية الشفيفة و المحفوفة بالرومانسية و الموسيقي الهادئة المقاربة للأنفاس.
في إحتفالات المئوية الأثيوبية في عام 2006 حسب التقويم الأثيوبي القديم سافر تيدي الي أمريكا ليغني للجالية الأثيوبية هناك و لكن أغانيه المطورة بموسيقي الريقي و الإيقاعات الصاخبة جذبت اليه الشعب الأمريكي فتجاوب معها , مع أنهم لا يفهمون كلماتها ! هناك في أمريكا واصل إلتزامه بقضاياه الإنسانية و الخاصة و كان يلبس ال ( تي شيرتات ) و عليها صور الإمبراطور هيلاسيلاسي إمبراطور أثيوبيا قبل إنقلابات الجنرالات تفري بنتي و أمان عندوم و منقستو هيلاميريام , بل لديه أغنية يذكر فيها صراحة إسم هيلاسيلاسي و يكرره . لقد حكم الإمبراطور هيلاسيلاسي أثيوبيا قرابة الأربعين عاما و كانت تحفه هالة تقديسية و كان يلقب بأسد يهوذا , و أنا هنا لا أقيم فترة حكم هيلاسيلاسي و لكني أؤيد لتيدي أن يمارس حريته في الرأي و التعبير دون المساس بحرية الآخرين . من أجل ذلك و لمعارضة تيدي للنظام القائم في أثيوبيا , حجبت أجهزة الإعلام الرسمية معظم أغانيه من البث للجمهور .
لقد صار الفنان تيدي آفرو عالميا و صارت له أشرطة و ( سيديهات ) توزع خارج أثيوبيا , فهو قد سار في طريق العالمية دون أن يجافي محليته , و هكذا كان دمجه المحبب للطابع الأثيوبي مع الموسيقي و التوزيع العالميين . هنا في رياض الخير تباع اشرطته , و الموسيقي لغة فوق اللغات . في أفريقيا و منذ بداية السبعينات اذكر تجربة الفنانة الجنوب أفريقية ( مريم ماكيبا ) و دخولها الي العالمية و أسطواناتها التي كانت تنتشر في الدول الغربية منذ ذلك الوقت بعد ان افلحت في مزج طابعها الأفريقي مع الموسيقي الغربية و أخرجت فنا جديدا جذب اليها الآذان , و قد كانت قبل سنوات مضت ضيفة علي مؤتمر القمة الأفريقية في الخرطوم , و رحلت عن دنيانا بعد ذلك بقليل .
تبقي أن نعلم أن إلتزام تيدي أفرو بالقضايا العامة لم يعجب من هم في السلطة رغم انها سلطة منتخبة كما يقولون , و للبعض رأي في نزاهة إنتخابها , فكيدت له المكائد , و أتهم زورا بدهس أحد المارة بسيارته و هروبه من الحادث الذي أدي الي وفاة المجني عليه . كان ذلك في نوفمبر 2006 , و النتيجة أنه قابع داخل أحد السجون في أثيوبيا يقضي عقوبته بالسجن لمدة ست سنوات منذ ابريل 2008 , و لكن بسبب الإحتجاجات الشعبية المتزايدة علي هذا الحكم و خروج آلاف الشباب الي الشوارع يرددون : ( تيدي بريء , تيدي بريء ) تم تخفيض الحكم من محكمة الإستئناف من السجن ست سنوات الي السجن سنتين .

د. عمر بادي
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. جميل مع انني من عشاق ومهووسي موسيقي الرقي صممت ان احضر حفلات تيدي المعلنة بالتلفزيون قناة اغاني سودانية ي للهول قد راعني قيمة التذكرة 100 و250 جنية قلت اخير اكلها لحمة لو كانت عندي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..