سلطان العاشقين – إبن الفارض . ” بالحدق استغنيت عن قدحي ومن شمائلها لا من شمولي نشوتي”

سلطان العاشقين :
إبن الفارض
” بالحدق أستغنيت عن قدحي ومن شمائلها لا من شمولي نشوتي”

زدني بفرط الحب فيك تحيرا وارحم حشي بلظي هواك تسعرا
وأذا سألتك أن اراك حقيقة فأسمح لا تجعل جوابي لن تري
يا قلب أنت وعدتني في حبهم صبرا فحاذر ان تضيق وتضجرا
أن الغرام هو الحياة فمت به صبا فحقك ان تموت وتعذرا
قل للذين تقدموا قبلي ومن بعدي ومن اضحي لأشجاني يري
عني خذوا وبي أقتدواولي أسمعواوتحدثوا بصبابتي بين الوري
ولقد خلوت مع الحبيب وبيننا سرا أرق من النسيم اٍذا سري
فدهشت بين جماله وجلاله وغدا لسان الحال اني مخبرا
واباح طرفي نظرة أملتها فغدوت معروفا وكنت منكرا
فأدر لحاظك في محاسن وجهه تلقي جميع الحسن فيه مصورا
لو أن كل الحسن يكمل صورة ورآه كان مهللا ومكبرا

يعد أبن الفارض ( 576-632 للهجره) (1181 – 1235 للميلاد ) بحق هو شاعر التصوف , فقصائده تحن شوقا إلي الذات الإلهية العليا , وهب حياته لهذا الفن من ضروب الشعر الصوفي وأعتنق التصوف بمعناه ومضمونه الفلسفي , والذي يتسق مع منظومة الاسلام الصحيح الذي يقتضي التوازن بين : ( العقل والنقل والوجدان ) ..
أنه أبو حفص أبو القاسم عمر بن أبي الحسن علي بن المرشد أبن علي ويعرف بإبن الفارض , ويلقب بسلطان العاشقين , حموي الأصل , مصري المولد والنشأة والوفاة .
يقول أبن خلكان في وصف أبن الفارض : ” بأنه رجل صالح كثير الخير , علي قدم التجرد , حسن الصحة , محمود العشرة … كان جميلا نبيلا … عزب المنهل .. فصيح العبارة .. دقيق الأشارة .. سلس القياد … , بديع الاصدار والايراد .. سخيا جوادا ..”.
وإبن الفارض عاش بين القرنين نهاية القرن السادس و بداية القرن السابع للهجره وفيه أنتقلت مصر من حكم الفاطمينن إلي حكم الامويين علي مذهب أهل السنة الذي أحياه صلاح الدين الايوبي , وتبعه ملوك الايوبيه العزيز والعادل والكامل , عاصر الكثيرون من الفقهاء وعلماء الصوفية , وبإستقراء شعره يمكن القول بأن نظريته في الحقيقة المحمدية – كما يقول الدكتور عبد الخالق محمود * الذي قضي عشر سنوات ينقب في شعر أبن الفارض – قد أنتهي الي ان الروح المحمدي أو القطب القديم سبق وجود كل الموجودات , وتقدمت حقيقته علي كل الأنبياء والخلفاء والاولياء , وأفاض من نور باطنه علي أولئك وهؤلاء فظهر ما ظهر علي أيدي الأنبياء من المعجزات وعلي أيدي الخلفاء والاولياء من الكرامات . وينقل عنه الاستاذ محمد مصطفي حلمي في دراسته ” أبن الفارض والحب الألهي ”
“.. أنه القطب المعنوي المراد به الروح المحمدي والحقيقة المحمدية ….”
” نبي دارت الأفلاك فأعجب لقطبها المحيط ”
ويستطرد الباحث مطولا ليخلص الي ان أبن الفارض مضي إلي إثبات حقيقة أخري تقول : بأن كل الموجودات الروحيه والمادية علي السواء قد صدرت عن حقيقة واحدة , فاضت من قوة واحدة كان واسطة بينها وبين الوجود , فكما أن الكلمة عند فيلون وفلاسفة المسيحيين , والعقل الاول عند أفلوطين , والنور المحمدي عند الشيعة , والامام المعصوم عند الاسماعيلية الباطنية , وجودا سابقا علي كل الموجودات , فكذلك للقطب من حيث هو حقيقة محمدية عند أبن الفارض وجود متقدم علي وجود المخلوقات .
…… وفي قراءتنا لشعره , مضينا الي تائيته الكبري التي نظمت من (761 ) بيتا هي ( نظم السلوك ) كان قد أسماها : ( نفائس الجنان ) أو ( بوائح الجنان ) وغيرها من أسماء , وقد صيغت في شكل فني معقد , فيه عناصر رمزيه , نفسية تحتفل باللاشعور , ورؤية موضوعية تستهدف المطلق وتتغيا الاتصال به , والفناء فيه , ورمزية أسلوبية كما يقول د. عبدالرازق لافتة في صياغتها , يقول مطلعها :
سقتني حميا الحب راحة مقلتي و كأسي محيا من عن الحسن جلت
فأوهمت صحبي أن شرب شرابهم به سر سري في أنتشائي بنظرتي
وبالحدق أستغنيت عن قدحي و من شمائلها لا من شمولي نشوتي
……..
وعن مذهبي في الحب مالي مذهب وان ملت يوما عنه فارقت ملتي
وان خطرت لي في سواك ارادة علي خاطري سهوا , قضيت بردتي
لك الحكم في أمري فما شئت فأصنعي فلم تك إلا فيك لا عنك رغبتي

وعن تأثره بإبن عربي يشير إلي بعض الأبيات المتشابهات ومنها قوله :
مستجير عن سر ليلي ردته بعمياء من ليلي من غير يقين
يقولون : خبرنا , فأنت أمينها وما أنا ان أخبر منهم بأمين
بينما جاء في ميمية أبن الفارض :
يقولون صفها قأنت بوصفها خبير نعم عندي بأوصافها علم
إبن الفارض والغزليون :
سلطان العاشقين .. أحد كبار المتصوفة الذين يؤمنون بأن المرأة والحقيقة الكلية قد أندغمتا في برهة واحدة كما عند كثير من المتصوفة أو جميعهم كما يقول اليوسف , فقد بجل الصوفيون المرأة وجعلوها أبرز تجليات الوجود
يقول أبن عربي في الفتوحات المكية : ( الجزء الثاني ص 44 ) :
” ليس في العالم المخلوق قوة أعظم من المرأة لسر لايعرفه إلا من عرف فيم وجد العالم ” .
ومن قوله : ” يحشر العاشقون تحت لوائي وجميع الملاح تحت لواكا ”
مع ان الصوفيين قد واظبوا علي التصريح بأن العالم للألفة والانس فأنهم كثيرا ما ناقضوا أنفسهم بهذا الخصوص , اذ يا طالما صرحوا بخواء الوجود المرئي , وياطالما تحدثوا عن ( وحشة الكون ) , وبذلك فأنهم لم يملكوا التكتم علي الشعور المتصدع .
أشاهد معني حسنكم فيلذ خضوعي لديكم في الهوي تزليل
منزل واشتاق للمغني الذي أنتم به ولولاكم ماشاقني ذكر من
فلله كم من ليلة قطعتها بلذة عيش والرقيب بمعزل
ونقلي مدامي والحبيب منادمي واقداح افراح المحبة تنجلي
ونلت مرادي فوق ما كنت راجيا فواطربا لو تم هذا ودام لي
لحاني عزول ليس يعرف ما الهوي وأين ألشجي المستهام من الخل
فدعني ومن أهوي فقد مات حاسدي وغاب رقيبي عند قرب مواصلي

* في النصف الثاني من القرن التاسع ظهر الجنيد ” سيد الطائفة ” كما أسماه عصره , وكان الحلاج وأبو بكر الشبلي من أبرز تلاميذ الجنيد في مدرسة المتصوفة البغدادية , وكلاهما كتب شعرا صوفيا ذا نكهة غزلية عذرية .
وأخيرا ففي المثاقات الصوفية , ينكشف الانسان في حقيقته النائية السائلة , كما يقول اليوسف ويتبدي في لهفته القصوي من حيث هو شوق أو حنين منشؤه قلق غوري يتدفق من الشعور بنقص مريع يجوب الكون الخالي من كل ما هو برسم الروح :

وأشهد غيبي اذ بدت فوجدتني هنالك “بجلوة ” خلوتي
ففي الصحو بعد المحو لم اك غيرها وذاتي بآياتي علي استدلت
فقد رفعت تاء المخاطب بيننا وفي رفعها عن فرقة الفرق رفعتي
فمن بعد ما جاهدت شاهدت مشهدي وهادي لي إياي , بل بي قدوتي .
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. أما ابن الفارض فقد تحدث عن دين الصوفية بإسهاب في تائيته الكبرى ودين الصوفية الذي انتهى إليه كبار الصوفية ويشمر عن ساعد الجد صغار الصوفية للوصول إليه هو ( وحدة الوجود ) واعتقاد أن الله سبحانه وتعالى عين هذا الوجود وهي زندقة تحملها أبيات تائية لا بن الفارض إذ يقول ما هو كفر بواح لدى كل فقيه :

    فقد رفعت تاء المخاطب بيننا ** وفي رفعها عن فرقة الفرق رفعتي
    ولا فلك إلا ومن نور باطني ** به ملك يهدي الهدى بمشيئتي
    ولا قطر إلا حل من فيض ظاهري **به قطرة عنها السحائب سحت
    ولولاي لم يوجد وجود ولم يكن ** شهود ولم تعهد عهود بذمه
    ولا حي إلا من حياتي حياته ** وطوع مرادي كل نفس مريدة

    فما يحكم القارئ على هذا الكلام وهو يفتري أن ملكوت كل شيء بيده وأن الوجود كله قطرة من فيض جوده ومن وجوده وأن كل شيء طوع هواه
    وله فرية أخرى وهي أنه زعم أن جميع الصلوات التي يؤديها العباد والنساك في جميع الجهات الست وتلك المناسبات التي ينسكها الحجاج والمعتمرون إنما ترفع في الحقيقة إلى ابن الفرض من حيث لا يشعر أولئك العباد والحجاج والعمار والطائفون بالبيت العتيق بل إنه نفسه إنما يصلي لو كان له صلاة لنفسه وذلك إذ يقول :

    وكل الجهات الست نحوي توجهت ** بما تم من نسك وحج وعمرة
    لها صلواتي بالمقام أقيمها ** وأشهد فيها أنها لي صلت

    ولا يزال يكرر مزاعمه التي ضلل بها كثيراً من السذج فيزعم أنه ليس في هذا الوجود متناقضات ولا أضداد أو أغيار أو أمثال بل الوجود كله حقيقة واحدة ولا يقال ( خالق ومخلوق ) أو ( رب ومربوب ) أو ( عابد ومعبود ) وذلك حيث يقول :

    تعانقت الأطراف عندي وانطوى ** بساط السوي عدلا بحكم السوية
    ثم يصرح بأنه هو المعبود الذي يصلي له كل مصل ويسجد له كل ساجد فيقول :
    كلانا مصل واحد ساجد إلى ** حقيقته بالجمع في كل سجدة
    وما كان لي صلى سواي ولم يكن **صلاتي لغيري في أداء كل سجدة

    وهذا الهذيان المارق قد صرح شيخهم الأكبر والزنديق الأكفر ابن عربي الطائي إذ يقول مستخدماً أسلوب التقديس تلبيساً على الأغمار : سبحان من أظهر الأشياء وهو عينها- تعالى الله عما زعم علواً كبيراً إذ ” ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ” ….اللهم ألعن سلطان الهالكين عمر بن الفارض اللهم أجمعه مع أذياله في سقر التي لا تبقي ولا تذر.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..