العلمانية و جوهر الدين و الرق و المسكوت عنه (10)

مُعَلَّقٌ أنا على مشانقِ الصَّباحْ … وجبهتي ? بالموتِ ? مَحنيَّهْ … لأنني لم أَحْنِها حَيَّهْ!
أمل دنقل .. من كلمات سبارتاكوس الأخيرة

في كل قطرة من المطر … حمراء أو صفراء من أجنة الزهر … و كل دمعة من الجياع و العراة
و كل قطرة تراق من دم العبيد … فهي ابتسام في انتظار مبسم جديد ..أو حلمة توردت على فم الوليد
في عالم الغد الفتي واهب الحياة ………. بدر شاكر السياب .. أنشودة المطر

سنبدأ من هذه المقالة رصد جزء من المسكوت عنه في تاريخنا و في سياقه سيأتي الرق كمسكوت عنه و الموقف من المرأة . ليكن مفهوما أن تناولنا ليس المقصود منه محاكمة الماضي و لا انتقاصه ، لكنه يدعو للنظر إليه بعقلانية تمكننا من التأكد بأن كل عصر له خصوصيته التي لا يمكن سحبها على عصور أخرى … الذين يسبغون قدسية على الماضي و يدعون بأنه الصورة الأتم و الأكمل التي يجب أن نرجع إليها ، يسكتون عن جزء جوهري منه بل و يجتهدون في إخفائه و ذلك دليل قوي على بطلان إدعاءاتهم .
عصرنا طغت فيه الدعوة للحرية و السلام و المساواة بين الناس بغض النظر عن كل الاختلافات من دين و قومية و جنس (رجل ، امرأة) … الخ ، و بالدعوة إلى العدالة الاجتماعية … هذه مبادئ في جوهرها ، دعا لها منذ زمن بعيد كثير من الفلاسفة و الأذكياء و المفكرين ، لكن بالطبع كانت تصوراتهم ناقصة و أشواقا لم تتحقق . في العصور الحديثة اقتربت الأفكار من تلمس الواقع لتحقيق أشواق الإنسانية ، فوصلت الإنسانية لتحديد المفاهيم بصورة لم يصل لها أي تصور في الماضي سواء كان دينيا أو لا ديني . إن أفكار جون لوك أو فولتير مثلا كانت وليدة عصرهم ، ففولتير مثلا لم يكن يتصور العالم من غير رق مثله مثل إفلاطون و مثله مثل الإمام الشافعي و لكن يكون الأمر مدعاة للتوقف عندما تتلبس الحالة أناس في عصرنا مثل الشيخ السعودي صالح الفوزان الذي أصدر فتوى عام 2003 م قال فيها أن الرق جزء من الإسلام (بحيث لا يرى للعالم منه فكاكا) أو عالم زمانه سيد أحمد مهدي صاحب المقال الشهيرالمعنون بــ : ماذا خسر المسلمون بإلغاء الرق؟ شبكة أنا المسلم بتاريخ 17 ديسمبر 2009م و ملتقى أهل الحديث
[url]http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=190790[/url] و من الكويت السيدة سلوى المطيري على اليوتيوب تطالب بسن قانون للجواري يتيح للرجال جلب روسيات من الشيشان للاستمتاع بهن كجواري ! و النابه الألمعي رئيس حزب الانفتاح والوفاء السلفي التونسي السيد (البحري الجلاصي) الذي طالب في بداية شهر مارس من العام (2012) المجلس التأسيسي التونسي بتضمين الدستور الجديد نصاً يحق بموجبه لكل تونسي اتخاذ جارية إلى جانب زوجته والتمتع بما ملكت يمينه و دعا إلى اعتبار الجواري حقا متاحا للرجال المتزوجين بواحدة ، وتصنيف كل جارية ضمن خانة ما ملكت أيمانهم حتى يتم تلافي ظاهرة الزنى والعنوسة والطلاق ووضع حد لتنامي معضلة الأمهات العازبات في تونس… هؤلاء يحنون لماضي حقيقي غير متوهم .
سنتناول بإيجاز غير مخل ما يسميه بعض المؤرخين المسلمين (التهيئة لالتقاء أسباب الأرض بأسباب السماء) أي الفترة قبيل عصر النبوة ثم أحداث الغزوات : بدر الكبرى (2 هـ) ، أحد (3 هـ) ، بني المصطلق ، بني قريظة (5 هـ) ، الحديبية (6 هـ) ، خيبر (7 هـ) ، فتح مكة ، حنين ، الطائف (8 هـ) ، ثم الفتوحات … و سنتناول بإيجاز احداث الفتنة الكبرى و ما تلاها حتى نهاية العهد الأموي ثم العباسي مرورا بالدولة العثمانية و إضاءة على التاريخ الشحيح لدولة الفونج حتى المهدية بل حتى نهاية عهد الرق عندنا … و سنرى لماذا يسكت دعاة الماضي المقدس عن أجزاء جوهرية لها علاقة بحاضرنا .
أحداث ما قبل البعثة في العالم و الجزيرة العربية و منطقة الحجاز مهمة لفهم السياق الذي جرت فيه الأحداث فيما بعد . أنهكت الحروب المتطاولة الإمبراطوريتين : الروم و الفرس ، و ساهمت غاراتهم و قطع طرق تجارة بعضهم البعض مع عوامل أخرى في تحوّل طرق التجارة العالمية لتمر بمكة فتصبح ملتقى طرق تجارة العالم حينذاك . ازدهرت مكة و تحول أهلها من جباية العشور لتأمينهم طرق التجارة ، ليصبحوا تجارا و يقوموا بإعطاء القبائل التي تمر بها تجارتهم مقابلا (الإيلاف) . تعرف القرشيون على العالم من خلال اتصالهم به و حج العرب للكعبة و التجارة … كما أخبرنا جواد علي في المفصل عن كعبات كثيرات في جزيرة العرب ، عد منها الكلبي كعبات كثيرة ، منها كعبة ذو الشرى و الطائف و غيرها ، و الكعبات تشترك في تصميمها كبناء مكعب يعتبر بيتا للآلهة و عادة ما يشتمل أحد أركانها على حجر نيزكي أسود لأن العرب كانوا يقدسون الحجارة النيزكية باعتبار أنها سقطت من ملاط بيت الرب ، لكن تلك الكعبات اندثر ذكرها لأنها كانت كعبات محلية . و عرفت قريش المسيحية على المذاهب الهرطوقية (حسب وجهة نظر المسيحيين) التي هرب أتباعها بعيدا عن المراكز المسيحية و منها الأبيونية الديصانية و النسطورية ، تلك المعتقدات المسيحية التي كان عليها ورقة بن نوفل و النسطوريان الراهبان بحيرا و سرجيوس اللذان كانا يقيمان في بصرى الشام في الأطراف الشمالية للصحراء على طريق القوافل (كانت قوافل قريش الصيفية تنزل في ضيافة بحيرى و قد التقاه الرسول (ص) عند سفره مع عمه أبي طالب) . كل تلك المذاهب المسيحية (الهرطوقية في نظر المسيحيين حينها و حتى اليوم) تعتبر المسيح كلمة الله و بشر ولدته عذراء بتول و أنه لم يصلب بل شُبّه لقتلته أنهم صلبوه و لكن الله رفعه إليه . أيضا في الجنوب كان يوجد مسيحيو نجران الذين كانت قريش تعرفهم و تعرف قصتهم التي يروونها عن الملك ذي نواس اليهودي و حرقه للمؤمنين الأوائل في الأخدود … أما اليهودية فقد عرفتها قريش من يهود المدينة و امتلأت جوانحهم بالأشواق لبعث نبي عربي يوحدهم تأثرا بحكايات اليهود عن توحيد موسى لهم و كيف حاربوا الكفار و هزموهم تحت لواء الوحدة اليهودية ، و كانوا يسمونهم أهل الكتاب و هي التسمية التي جاء لهم بها القرآن ليفهموه (هرمنيطيقيا اللغة ، المتلقي جزء أساسي من النص) و استباقا لتسلسل الأحداث نذكر بيت شعر لأمية بن الصلت الذي يدلل على توقع العرب لبعث نبي :
ألا نبي لنا منا فيخبرنا ………ما بعد غايتنا في رأس محيانا
و امية بن الصلت أحد أهم الحنفاء و هم جماعة أثّرت أفكارها في الجزيرة العربية و خاصة مراكزها الحضرية الحجازية : مكة و الطائف و يثرب ، إبان العقود التي سبقت البعثة ، منهم عبد المطلب جد الرسول(ص) و زيد بن عمر بن نفيل و غيرهم كثر و سيأتي ذكر أشعار بعضهم . كان الحنفاء يدعون للتوحيد و نشروا فكرة توقع بعث نبي كما رأينا من شعر أمية . كانت تلك الدعوة و تأثير اليهودية و خبرات أكثر العرب وعيا حينها (القرشيون) و تطور الظروف الموضوعية كل ذلك قد خطا بالوعي خطوات نحو تبلور شعور قومي جنيني يداعب مخيلة العرب خاصة قريش [ترجمه فيما بعد حكيمهم عتبة ناصحا قريش أن يخلوا بينهم و بين النبي فإن هزم تكون العرب قد كفتهم شره و إن انتصر فملكه ملكهم] . يتجلى ذلك في مؤشرات نذكر منها احتفاءهم بنصر سيف بن ذي يزن و إرسال قريش وفدا لتهنئة اليمنيين يرأسه عبد المطلب جد النبي ، و توحد القبائل العربية ضد الفرس و فرح العرب بانتصارهم في معركة ذي قار و اقترابهم من إنشاء دويلة في مكة تمثل لها دار الندوة و حكومة الملأ … كانت جماعة الأحناف تترفع عن عبادة الأصنام و شرب الخمر و تحرم أكل الميتة و لا تأكل ما ذبح على النصب فقد روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح ، قبل أن ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي ، فقدمت إلى النبي صلى الله عليه وسلم سفرة ، فأبى[زيد] أن يأكل منها ، ثم قال زيد : إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم ، ولاآكل إلا ما ذكر اسم الله عليه . وأن زيد بن عمرو كان يعيب على قريش ذبائحهم ، ويقول : الشاة خلقها الله ، وأنزل لها من السماء الماء ، وأنبت لها من الأرض ، ثم تذبحونها على غير اسم الله . إنكارا لذلك وإعظاما له .
الراوي: عبدالله بن عمر – خلاصة الدرجة: صحيح – المحدث: البخاري – المصدر: الجامع الصحيح – الصفحة أو الرقم: 3826… نفس القصة رواها ابن اسحاق تقريبا بألفاظها .
قلنا إن الكثيرين قبل البعثة كانوا يترفعون عن شرب الخمر نقرأ من شعر حاتم الطائي ذاك المشهور بالكرم :
و إني لأرجو أن أموت و لم أنل …….. متاعا من الدنيا فجورا و لا خمرا
و من يعرف بالأسلوم اليامي
و تركت شرب الراح و هي أثيرة ….. و المومسات و ترك ذلك أشرف
و عففت عنــــه يا أميم تكرما ……. و كذلك يفعل ذو الحجى المتعفف
و قس بن عاصم التميمي :
فوالله لا أحسو بذا الدهر خمرة ……. و لا شربة تذري بذي اللب و الفخر
و أيضا صفوان بن أمية الكتاني :
فلا و الله أشربها حياتي …… و لا أشفي بها أبدا سقيما
و عامر بن الظرب العدواني :
أقسمت بالله أسقيها و أشربها ….. حتى يفرق ترب القبر أوصالي
تورث القوم أضغانا بلا إحن ….. مزرية للفتى ذي النجدة العالي
و مقيس بن قيس السهمي :
رأيت الخمر طيبة و فيها ….. خصال كلها دنس ذميم
فلا و الله أشربها حياتي …….طوال الدهر ما طلع النجوم
و شرحبيل (عفيف بن معدي الكندي) :
فلا و الله لا ألفي قوما ….. أنازعهم شرابا ما حييت
أبى لي ذلك آباء كرام …… و أخوال بعزهم ربيت
سنتناول في مواصلتنا باختصار عقيدة الحنفاء التي بثوها في أشعارهم و تأثير الكهان و سجعهم و الصابئة و عباداتهم و غيره في سياق أحداث ما قبل البعثة .

سرحان ماجد
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. العالم الجليل / سرحان
    لقد أبنت لى كثير من الأسئلة الحيرى حول الجوء الثقافي و المعتقدى ماقبل البعث النبوئ وآثر ذلك فى ما أتى لاحقا.
    مجموعة مقالاتك قمة فى الموضوعية , الجراءة و البحث العميق .
    الرجاء الاخذ بجدية فى طباعة هذه المقالات فى شكل كتيب لكى تعم الفائدة.

  2. بعد التحية :

    سأعلق سريعا و ربما اعود لاحقا للتفصيل

    ألاحظ ان سرحان بالرغم من تبنيه لقيم الغرب في العلمانية لا يقتدي بالغرب في المنهج العلمي لدراسة الفكر أي فكر فهو يأخذ قول فرد من العلماء و احيانا من غير العلماء ليدلل به على وصفه للفكر الاسلامي
    مثلا سلوى المطيري مجرد شخصية عادية مترفة و هناك من ينادون الى الالحاد و العياذ بالله فهل يدل ذلك على ان مجتمعاتنا فيها نسبة من الملحدين؟
    أيضا قول البحري الجلاصي – ان صح قوله ذلك- فان القول لا يقوله مجنون فضلا عن عالم لأنه اتخاذ الجواري له اسباب معلومة في الاسلام لا تتوفر الان فهو اشبه بمن ينادي بتمليك كل مواطن في بلد فقير منزلا و سيارة

    أرجو الحياد و الموضوعية فكثرة الصراخ لا يصنع من الصراخ جملة مفيدة

  3. شكرا اخي العالم بحق سرحن
    ارفع لك التحية وقد لا تدري مقدار ما وجدناه من معلومات ومقدار فائدتها علينا..انت الموفق وسنواصل قراءة ما تكتب..واكيد لن تبخل علينا..كتابات جادة وموضوعية غير متحيزة..

  4. الكعبة في اللغة هي البناء المكعب و من المعروف أن العرب لم يكونوا يحجون الا الى الكعبة المشرفة بمكة المكرمة , أما الامر بالنسبة لوجود بيوت مكعبة لعبادة الاصنام غير الكعبة المشرفة بمكة فهذا امر ليس بغريب اذ انه من المعروف ان العرب كانوا يعبدون أصناما كثيرة بحيث يكاد يكون لكل قبيلة صنم او اكثر و قد وجدت المسيحية في نجران و وجدت اليهودية في اليمن و من المعلوم ان اصحاب الاخدود كانت بنجران و يروى ان الملك الذي عذبهم كان يهوديا

    أما الموحدون من النصارى فهم الاريسيين الذين عناهم النبي صلى الله عليه و سلم في خطابه لهرقل
    :
    ( من محمد رسول الله ، إلى هرقل عظيم الروم ، أسلم تسلم ، وإلا فإن عليك إثم الأريسيين ) .

    وقال بعض أهل العلم كالإمام الطحاوي والإمام ابن حزم وغيرهما بأنه طائفة من النصارى كانت تقول بنبوة عيسى عليه السلام .

    ( الأريسيون ) معروفون عند النصارى باسم ( الآريوسيون ) .

    و هم عند النصارى طائفة دينية نصرانية تُنسب إلى ( آريوس ) الذي ظهر في القرن الرابع الميلادي .

    و ( آريوس ) هو قسيس نصراني ظهر في مصر في كنيسة الإسكندرية القبطية ورفض القول بالتثليث وألوهية المسيح عيسى عليه السلام .

    وهذا ما استدعى بابا الإسكندرية في ذلك الوقت ( إسكندر ) إلى رفض هذه العقيدة والحكم عليه وأتباعه بـ ( الهرطقة ) .

    وقد قام ( آريوس ) بنشر هذه العقيدة في مصر وبلاد الشام فتبعه بعض قساوسة النصارى على ذلك .

  5. هذا علم عميق وبحوره واسعة ..ننتظر بشغف البقيه ..وان كنا نريد ان نعرف من هو سرحان واعتقد انه عالم سودانى كبير وذو شهرة ..ولكن قلت فى نفسى اثناء صلاة الجمعه تخيلت ان سرحان قام بعد الصلاه وقرأ صفحة من كتاباته الخطيره التى غاصت فى الممنوع والمحجوب من العلم وقلت سيعتدى عليه المتطرفون والجهلاء والدهماء واصحاب العاهات العقليه فى التو واللحظة ويرجمونه ..شكرا للانترنت الذى جعل الحوار ممكنا حول الحقيقه وجعل العلم متاحا للكافة ..فعلا انه عصر مدهش ..لك التحايا ..

  6. الله اعلمُ بما فى النفوس. لم اقرأ لك قبل هذى المقالات المتسلسله ولكن قد قرأتُ كثيراً عن (الاشارات) التى حفل بها مقالُكَ هذا ولولا انى لا احب الايغالَ فى الظن وانى ارى “صاداً” خلف اسم الحبيب لأخذ منى (لحنُ القولِ) مأخذاً!

  7. الكاتب المحترم
    لتعزيز الفائدة نرجو وضع مصادر المعلومات المطروحة بمقالاتك القادمة حتى نطلع عليها لزيادة معرفتنا، وان تعذر سرد المرجع اثناء المقال نرجو فقط سرد المراجغ اسفل المقال كهوامش (حتى ولو دون ربط بين المرجع وارقام السطور).

  8. الاخوة الاكارم سلام عليكم ….
    لتاخر التعليق ونشره في مقال رقم (9) يبدوا انه اصبح خارج سياق المقال، لكنة مواصلة لنقاش حثيث مع الاخ مسلم انا والاخ ود الحاجة، فتقبلوا عذري عن التاخير
    *************************************************************************************************
    الاخوة مسلم انا وود الحاجة وبقية المعلقين الاكارم سلام عليكم ،،،،
    عذرا على التأخر في التعليق والردود، فقد صعب الامر على وقد تشعب التعليق بين مختلف مقالات الاستاذ ماجد سرحان، ايضا للاسف وصولي الي خدمة الانترنت اصبح محدودا جدا، فليس في الامر من تجاهل معاذ الله ولكن ظروف. عموما تلخيص مختصر قد يفيد في تحديد ماوصل اليه النقاش ،،،،
    اخر تعليق لي كان عبارة عن مسائل في الشريعة وكنت قد اضفتها لمجموعة تساؤلات نشرها الاخ احمد ابراهيم، سبق ذلك التعليق تفنيد ممتاز من الاخ (مسلم انا) لمجموعة تعليقات وكان خلاصته ان الدولة الاسلامية ليست بالضرورة مسؤولة عن الفشل الذي تعيشه الامة الاسلامية – اقتباس “ما هي اسباب تخلفنا مادياً وعلمياً على مستوى الافراد من حيث قلة انتاج الفرد بمجتمعاتنا او على مستوى الدولة بما في ذلك نهج الحكم او على مستوى المؤسسات فيما يتعلق باساليب الادارة؟ وهل الدين فعلاً هو ما عطلنا اليوم في ما ذكر اعلاه بعيدا عن الكلام التاريخي عن الرق والسبي الذي انقرض؟ وكيف يمكننا حل المشاكل اعلاه بالاجتهاد المقرون بالاخذ والاستفادة من تجارب الاخرين بصورة “حميدة”؟ وما هو المرجع لتحديد ما يراعي خصوصية مجتمعاتنا عند الاستفادة من فكر وتجارب الاخرين؟”.
    القضية الثانية التي جاءت كرد علي التساؤلات وجاء الرد من الاخ (مسلم انا وود الحاجة) من منظورين، الاول محاولة الاجابة على تلك التساؤلات من وجهة نظر شرعية، الثاني وهو يخص الاخ مسلم انا، فقد احالنا الاخ مسلم انا الي كتب السلف التي تضم الاجتهادات، والتي تحل معظم مشاكل العصر الحاضر. هذا بإختصار ملخص لمادار وماوصل اليه النقاش في الايام الماضية،،، ونواصل
    اولا الدولة مسؤولة مسئولية تامة ومباشرة عن توجه الشعب، لان بيدها مفاتيح تحريك واستخدام ذلك الشعب، وتعبئته بالمعاني الدالة على العمل والالتزام بما فيه خير الجميع، والغريب في الامر ان كل القيم الاسلامية من حيث هي كقيم تدعو للتقدم وليس للتأخر، ولكن عند صياغة هذه القيم لتصبح تشريعات نجد ان الناتج هو (المؤتمر الوطني ? حزب الحرية والعدالة مصر- حزب النهضة تونس ? طالبان افغانستان …الخ)، في المقابل لم تستثمر الدول الغربية الدين ولم تتاجر به سياسيا وانما الهمت الشعوب معاني “الفضائل”، وتقديس العمل في جو من الحرية والمساواة، وانتج ذلك كل مانراه من تقدم ولذا كانت المقولة الشهيرة للامام محمد عبده ” وجدت في اروبا مسلمين بدون اسلام ووجدت في وطني اسلام بدون مسلمين”. اما ما يثار عن حزب الحرية والعدالة (تركيا) وحزب امنو (ماليزيا) فالحالة هنا مختلفة تماما لان هذان الحزبان هما حزبان اسلاميان في دول علمانية 100%. وهذا في رايي هو الصحيح، من المستحيل اقصاء الاحزاب ذات الخلفية الاسلامية من الساحة السياسية، لكن يجب ايضا ان تُقبل في هذه الساحة بشروط فلن يقود التصويت على صندوق الانتخاب الخاص بالحزب الاسلامي الي الجنة، كما لن يقود التصويت المضاد الي النار، وفي رايي هذا اول ما يجب ان تُجبر علية الاحزاب الاسلامية، ان تلتزم بقواعد اللعبة الديمقراطية (لا متاجرة بالدين).
    اما مسألة الردود على الاسئلة التي طرحتها وسبقني عليها الاخ احمد ابراهيم ففي منظوري الشخصي ان كل ماتطرح مثل هذه الاسئلة تاتي الردود اما دون مستوى الاقناع او تاتي عبارة عن هروب من اجوبة صريحة مقنعة تخاطب العقل اولا، وعندي طرحي مثل هذه الاسئلة انا في الحقيقة لا اطرحها لاجابات مباشرة انما اطرحها لتوضيح حقيقة انه يجب ان يفتح باب البحث والتطوير لانتاج نموذج اسلامي مقنع اولا، ومن ثم نبحث على الاتفاق عليه، حاول الاخ ود الحاجة الافتاء، وهو ليس غايتي، كما احالني الاخ مسلم انا لكتب السلف التي فيها الكثير من الاجتهاد، واخالفه الراي تماما لان هذه القضايا معظمها حديث، وهذه المشاكل جُلها معاصر، هذا من حيث المبدأ، اما من حيث التفكيك انا ادعو لدولة مساواة دولة مدنية يقف الدين فيها كأداة جمع ودفع للامام وليس كاداة تفرقة وهدم، انا لا اريد ان اخلط الدين بالسياسة، من يحاولون فعل ذلك عليهم الذهاب الي تلك الكتب اخي (مسلم انا) وليس انا، عليهم اقناعي بان تلك الكتب تحمل الحل واشك شكا كبيرا، انا حلي هو دولة اخلاق لا دولة دين، دولة تطبق قانون وضعي على الجميع بلا استثناء، تعلم الناس الانضباط، وهمة العمل كغايات، ليست وسائل لغاية اسمى.
    وعلى منظمات المجتمع المدني اداء ادوارها الدعوية دون اساءة لاحد، كل المنظمات بلا استثناء، نحن كمسلمين نملك الالاف من مراكز الدعوة الاسلامية في اروبا وامريكا، نستثمر الحريات والقيمة الانسانية في تلك الدول، اما عندنا يستحيل ان تجد لافتة مكتوب عليها مركز مريم التبشيري، لضعف ام لعدم ثقة في النفس ام لابوية زائفة لست ادري.
    طبتم جميعا ويستمر الحوار ،،،،

  9. الأخوة الفضلاء (احمد ابراهيم) و (الطاهر)

    رغم ان هذا التعليق كنت قد كتبته رداً على تعقيباتكم ولكنت لم يسعفني الوقت لنشره وقد قررت الا افعل حتى رأيت تعقيب الاخ الفاضل (الطاهر) والذي اعادنا لمحاور هذا التعليق، وعليه فارجوا ان تسمحوا لي بتعميمه والاضافة اليه لتناول ما تررد كثيراً من الاخوة المعلقين والاخ الكاتب وارجو ان يسمح لي الاخ سرحان بذلك.

    واعتذر للاخ سرحان على طول التعليق وليس الغرض هو التشويش بقدر ما هو محاولة للاجابة على الكثير من الامور المطروحة حسب ما أراه لمحاولة حصر نقاط الخلاف بدلاً عن خلط القضايا مع بعضها.

    اريد ان ابداء اولاً بتأكيد انني لا ارى ان كل ما يأتي من الغرب هو انحلال وفساد وغيره مما قد يؤخذ من انطباعات، بل على العكس فانني أقدر كثير مما في الحضارة الغربية واقدر ثقافة وعملية الانسان الغربي.
    واعرف جيداً (وعن معايشة) من ان معظم المسلمين في هذه البلاد متمسكون بدينهم بحمد الله رغم وجود المشاكل والفتن التي تعرض لها آخرون، بل واعرف عن معايشة ايضاً ان انسانية واخلاق الكثير ممن هم غير مسلمين هناك هي افضل واقرب للاسلام من اخلاق كثير منا نحن المسلمين.

    وسأقسم التعليق الى أقسام افصل بينها بفواصل حيث سيركز كل قسم على موضوع معين، وسأضع عنوان موضوع كل قسم في البداية كترويسة.

    —- حرية التعبد في الغرب —-

    بالنسبة لحرية التعبد وممارسة الشعائر والقناعات الدينية فهي مكفولة وفق التشريع الاسلامي نفسه وكما تفضل الاخ احمد ابراهيم فإن الاية من سورة الكافرون وغيرها الكثير هي ادلة على تسامح التشريع الاسلامي مع من لا يحاربنا في ديننا.
    ولكن الحرية حتى في الغرب ليست مطلقة، فلا احد اليوم يستطيع ان يقول او يفعل ما يعادي السامية حتى ولو كانت قناعاتك الدينية او الفكرية غير ذلك، ولا يمكنك ايضاً التشكيك في المحرقة ولا يمكنك فرض طريقتك في تربية اولادك بقناعاتك الفكرية او الدينية وفق ما ترى فيه مصلحتهم دون تدخل القانون اذا ارادوا ذلك حتى وان كانوا قاصرين، وغير ذلك من الامثلة. وبالتالي فان القانون نفسه -وإن تساوى الناس امامه- قد يمنعك احياناً من ممارسة حقك في تربية ابناءك وفق ما ترى ووفق ما يوافق دينك او حتى قناعاتك، و القضية هي قضية عامة وليست اشخاصنا فقط، واعتقد اننا قد سمعنا عن قصص مشابهة لأسر مسلمة مع ابنائها او بناتها في الغرب.
    عموماً، فإن حرية التعبد بل وحتى احتكام الاخرين لشرائعهم وعدم فرض التشريع الاسلامي عليهم هو امر كفله التشريع الاسلامي وفي رأيي بصورة افضل مما هو متاح في الغرب.

    —- التشريع الاسلامي وميثاق حقوق الانسان —-

    بالنسبة لقبول مواد حقوق الانسان التي ذكرها الاخ احمد ابراهيم وبعض المعلقين، فانني ابداء بالقول رداً على الاخ احمد ابراهيم عن المواد التي ذكرها (ادناه) بأنني اقبلها والتزم بها ولكن بنظرة واقعية وليس دون تحفظ عليها كلها كما تفضل هو، وسبب قولي هذا ما يلي:

    المادة (2) المتعلقة بحقوق الانسان تتحدث عن كافة الحقوق والحريات لكل البشر دون تفرقة على حسب الدين او الفكر او او، ورغم ذلك هناك حق فيتو وهناك معاداة للسامية وغيره مما نعرفه بالنظام العالمي. وبالتالي فان هذه الحريات الكتوبة المعايار فيها هو ما يرونه هم، ولذلك لا مشكلة لديهم في نقض دولة واحدة (وفق حق الفيتو هذا) لما قد يتفق عليه الجميع بأنه المتناسب مع حقوق الانسان، ولو نظرت الى جرائم اسرائيل ضد الانسانية بفلسطين واجماع معظم الدول على ذلك ودفاع امريكا بالفيتو عنها لمنع اي عقاب او ادانة للاحظت معي ان مثل هذه الجمل المكتوبة في ميثاق حقوق الانسان تنقض اول ما تنقض بواسطة كاتبيها انفسهم، وهم انفسهم لا يتقبلوها دون تحفظ كما تفعل انت. ومثال اخر هو سن امريكا قانون يمنع جنودها من ان يحاكموا على جرائم الحرب في المحاكم الدولية ورغم ذلك يطاردون الاخرين في الدول الاخرى بحجة تقديمهم للمحاكم لتحقيق العدالة الدولية.

    وأما المادة 4 وما تذكره عن الحظر (التحريم) للرق والسبي فلا شئ فيها يتعارض مع الشرع حتى لو استخدمت كلمة “تحريم” كما ذكرت لا يجعل المعنى ديني، وشرعنا -كما ذكرت- يامرنا بالتزام العهد بما فيه ان نحرم على انفسنا ما حرمه الاخرون على انفسهم معنا ومع غيرنا من ممارسات، وبالتالي انا اوافق عليها دون تحفظ لأن “تحريم” الرق انسانياً لا يتناقض مع ديننا، حيث أن ديننا اصلاً لم يأمر به في حد ذاته وانما كان مربوطاً بالحرب وما يفعله الاخرون ايضاً فيها، فان امتنعوا امتنعنا كما اجمع معظم الفقهاء بمن فيهم إبن تيمية في كتاب الجهاد، ولم نسمع بعالم واحد ادان توقيع اي دولة اسلامية على هذه المواثيق بسبب انها تحرم الرق، ومن تحدث عنها فإنما تحدث عن الميكافيلية في تطبيقها والتي تتناقض مع قصة المساواة المكتوبة بداخلها.

    وأما المادة 7 فينطبق عليها ما ذكر في المادة 2 اعلاه وما ذكرته لك في مقدمة هذا التعليق مما يثبت عدم وجود ذلك واقعياً على المطلق.

    وسأتحدث عن نظرة الاسلام للرق وهل حرمها ام لا لاحقاً.

    —- هل وجد الرق قبل الاسلام —

    وأما وجود الرق في الحضارات القديمة فقد اثبته القرآن نفسه في قصصه، حيث أشار القرآن الكريم فى قصة يوسف عليه السلام:(وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بُشْرى هذا غلام وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون. وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين): سورة يوسف، و قد كان الاسترقاق من عقوبات السرقة عند العبرانيين القدماء، لذا عندما سئل إخوة يوسف عن جزاء السارق لصواع الملك (قالوا جزاؤه من وُجد فى رحله فهو جزاؤه..) سورة يوسف.

    وحتى لو اردنا استبعاد قصص القرآن فمعروف تاريخياً ان الكثير من الحضارات القديمة قامت على الديانات المسيحية واليهودية وقد مارست الرق لانه ظاهرة بشرية موجودة ولأن كتابهم “العهد القديم” الذي يؤمن به المسيحيين واليهود امرهم بذلك، والادلة على ذلك كثيرة مثل ما ورد في سفر اللاويين25:44 ((و اما عبيدك و اماؤك الذين يكونون لك فمن الشعوب الذين حولكم منهم تقتنون عبيدا و اماء)).

    وارجو إستصحاب مقولة د. العظمة الذي استشهد به الاخ سرحان في مقالاته من أن التاريخ ليس سرد فقط ولكنه سرد وتحليل (منطق)، وبالتالي، وحتى لو أخفوا ما أخفوا من تاريخهم في الكتب التاريخية وأظهروا ما يريدون فقط، فانه من الصعب تصديق ان حضارات دينية قامت على النصوص المذكورة اعلاه لم تمارس الرق رغم انه كان ظاهرة منتشرة وموجودة اصلاً، بالاضافة الى انهم مارسوها لاحقاً وفي زمان ليس ببعيد.

    وبعيداً عن كل ما ذكر، من المعروف والمثبت تاريخياً انه فى الحضارات القديمة كان الرق عماد نظام الإنتاج والاستغلال وكان النظام الطبقى المغلق يحول دون تحرير الأرقاء مهما توفرت لأى منهم الرغبة أو الإمكانات.. ولذلك ظهرت للأرقاء فى تلك الحضارات ثورات من أشهرها ثورة ” اسبارتاكوس ” المعروفة ويكفي القراءة عنها لمعرفة ان الرق وجد في الحضارات السابقة.

    —- هل أمر الشرع بالرق —-

    وبالنسبة لنظرة التشريع للرق وقول الاخ احمد بأنه وفقاً لهذا التشريع لو استعبدت احداً اليوم فانك لا تخالفه فهو قول غير صحيح، وبالتأكيد من يفعل ذلك مخالف للشرع الاسلامي لانه ناقض للعهد الذي تعاهدنا عليه مع كافة الناس، ومراعاة العهد هي من صفات المؤمنون بنص القرآن.

    بل ان اي ظلم لغير المسلم (دعك من الاستعباد) هو مخالفة للتشريع الاسلامي الذي امرنا بالبر والقسط بكل من لم يعادينا في ديننا.

    وهناك نقطة اخرى مهمة عن نظرة التشريع للرق وما يثار عنها وهي متعلقة ايضاً بسؤال من الاخ أحمد ابراهيم ساذكرها في الفقرة التالية أدناه.

    —- لماذا لم يحرم الاسلام الرق بوضوح قاطع —-

    و ما ذكر بالفقرة اعلاه مرتبط بالسؤال الذي طرحه الكاتب والاخ احمد ايضاً وهو (لماذا يبقي الاسلام على الناس في هذا الوحل إذاً ويسمح بممارسة الرق)؟

    وفي آخر الفقرة هذه ساورد الدليل القاطع على ان الاسلام يحرم على الافراد هذه الممارسة ولكن اريد ان ابداء بدلائل اخرى، فالاسلام لا يريد ان يبقي عليهم بهذا الوحل كما جاء بالسؤال ولا يأمرهم بالبقاء فيه، وإذا تعاهدنا مع الناس على اي شئ فيه خير البشرية (بما في ذلك ايقاف الرق والسبي) وجب علينا الوفاء بالعهد.

    ومن المعلوم انه أنك إذا أردت أن تشرع لشئ فإنك تحض وتشجع عليه وتعمل على زيادة السبل والطرق التي تؤدي لتحقيقه. بمعنى آخر فإنك تسهل وتزيد من سبل ما تريد تشريعه وتصعب وتقلل سبل ما تريد منعه.

    وبالنسبة للرق وكما هو معلوم فإن الاسلام، ومن قبل اتفاقيات حقوق الانسان، قد منع كل سبل الرق المشروعة بالسابق وجعل طريقاً مشروعاً واحداً للرق والسبي وهو الحرب التي يأمر بها الحاكم لمن حاربنا في ديننا وليس فقط بمزاج الحاكم نفسه او اي مجموعة أو قبيلة او حزب او غيره.

    وبالمقابل فان السبيل الوحيد للعتق بالسابق كان هو مزاج السيد فقط ورغبته في أن يعتق أو لايعتق، ولكن جاء الاسلام فجعل العتق مرتبطاً بالكثير من الكفارات بالاضافة الى جعله سبباً من أسباب النجاة والفوز برضى الله (فلا أقتحم العقبة، ما أدراك ما العقبة، فك رقبة) بالاضافة الى أنه جعل نظام المكاتبة المعروف الذي يعطي العبد (ملك اليمين في الاسلام) حق مكاتبة سيده على نيل حريته مقابل مبلغ معين على ان يعطى فرصة مناسبة لجمعه بل وأنه يمكن أن يأخذ له من الزكاة لدفع ما أتفق عليه مع سيده لأن العتق من مصارف الزكاة المعروفة (وفي الرقاب).

    وعليه فلا يمكن القول بأن الاسلام يريد أن يشرع الرق ويشجع عليه رغم انه قلل ومنع من الاسباب المؤدية اليه التي كانت موجودة أصلاً، وبالمقابل زاد من السبل المؤدية للتخلص منه عبر تعديد ابواب العتق!

    ******* ورغم ما ذكر اعلاه بهذه الفقرة والتي سبقتها، قد يبقى في ذهن البعض السؤال الذي تكرر كثيراً والذي قد يسأله سائل مرة اخرى وهو: ******

    لماذا إذاً لم يحرم الاسلام الرق بصورة واضحة مثل الخمر او الزنا او غيره طالما انه تحدث عنه في آيات القرآن؟

    ومن المهم للاجابة على هذا السؤال ملاحظة ان الافعال الاخرى في السؤال مثل الخمر والزنا هي افعال يرتكبها الافراد والتحريم كان على مستواهم، والسؤال هو هل حرم الاسلام الرق على الافراد ام لا، وقبل الاجابة على هذا السؤال نعود لقضية تناول الرق في القرآن حيث جاءت دائماً في سياق حديث جمعي موجه للامة الاسلامية، وقد ربطت دائماً بالحروب، وهي تلك الحروب التي تخوضها الامة ضد المعادين لها في دينها والذين لا توجد عهود بيننا وبينهم تمنع هذه الممارسة وبالتالي تحميهم وتحمينا منها، وبالطبع لا يمكن التحريم على الامة ممارسة ظاهرة موجودة أصلاً قد يمارسها الاخرون ضدها خاصة اذا كانت هناك حروب ونزاعات ذات طابع ديني ومعروف انها دائماً الاكثر شراسة، وبالتالي فان تناول القرآن للرق كان في إطار الامة عند خوض الحروب. وبالمقابل.

    **** وبالعودة لسؤال لماذا لم يحرم الاسلام الرق بصورة قاطعة وما هو موقف التشريع من ممارسة الافراد لهذه الظاهرة؟

    فالاجابة هي ان الاسلام قد حرم هذه الممارسة على أي فرد دون حق (فقط لتحقيق مصالحهم واهدافهم الخاصة)، ولا حق هناك الا ما ذكر من حرب بامر الحاكم وبالشروط المذكورة، وقد كان تحريم الاسلام لهذه الظاهرة على الافراد تحريماً قاطعاً وكان الوعيد شديداً وفي رأيي انه اشد من تحريم الزنا والخمر بدليل الحديث القدسي في البخاري:

    “عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال، قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر و *رجل باع حرا فأكل ثمنه* ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعط أجره.

    ولاحظ أن التحريم لم يرتبط بممارسة ذلك على المسلمين فقط. واما شدة التحريم فيكفي ان الجبار جل جلاله هو نفسه خصيم من يفعل ذلك.

    وبالتالي فان الاسلام لم يمنع هذه الظاهرة البشرية عن الامة كأمة طالما ان هناك احتمال ان يمارسها الاخرون ضدها في الحروب فإن إنتهوا انتهينا، وبالمقابل منعها عن الافراد حيث لا حق يعطي هذ الممارسة الا في الحروب وبشروط لا يستطيع الفرد من خلالها امتلاك هذا الحق ابداً لأنه مربوط بالامة ومن يحاربها في دينها، وأما شدة عقوبة الفرد الممارس لهذه الظاهرة فيكفي لمعرفته قراءة الحديث المذكور اعلاه.

    وأما من اسروا في الحروب قبل وجود عهود منع الرق فإن التشريع قد جعل كل الاسباب التي ذكرت اعلاه لتسهيل اتقهم بما فيها الصرف من الزكاة او نظام المكاتبة. وبالتالي لو التزم الناس بالتشريع لما وجد رق منذ زمن بعيد.

    —- اتفاقية البقط والظلم الذي وقع على اجدادنا —-

    وبالنسبة لاتفاقية البقط فقد شابها ما شاب معظم التاريخ الاسلامي من تزوير، وعموماً لا علاقة للاتفاقية بمملكة النوبة المعروفة بالسودان كما اثبت د. أحمد الياس حسين (جامعة الخرطوم) بدراسة موثقة بالمراجع تناولت تفاصيل الاتفاقية وظروفها التاريخية وكثير من المعلومات المغلوطة المتداولة عنها.

    وقد اثبت الدكتور بأن مدلول كلمة النوبة عندما دخل المسلون مصر كان يطلق علي مملكة نوباتيا والتي تعتبر في المفهوم المصري المبكر جزءاً من منطقة المريس (صعيد مصر)، وبالتالي فإن كل ما ورد من نصوص حول النوبة والمريس في المصادر العربية المبكرة يشير إلى المناطق الواقعة في حدود مصر الحالية. وبناءً عليه فحروب عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي سرح لم تكن في داخل حدود السودان الحالية بل كانت في الحدود المصرية، والحديث عن ظلم اجدادنا في الاتفاقية رغم انهم لم يحاربوا هو حديث غير دقيق لان الاتفاقية كما قلنا كانت مع قوم موجودين بمصر ثبت انهم تحالفوا مع غير المسلمين لمحاولة حرب المسلمين. ويمكن مراجعة المقال التحليلي لـ د. أحمد الياس يتناول فيه ما ذكر وغيره من الخلط واللبس بالاتفاقية بالعنوان (متى نصحح معلوماتنا عن إتفاقية البقط) موجود بالرابط الرابط:

    http://www.sudanile.com/2008-05-19-17-39-36/954-2010-06-09-18-53-11/34769-2011-11-26-18-09-49.html

    —- قضية المراءة وان شهادتها نصف الرجل —-

    وبالنسبة لقضية المراءة فلا اعرف حتى الان يا اخ احمد اذا ما كنت تقصد بسؤالك عن المساواة موضوع الشهادة الذي تكرر أم ماذا، وعموماً ساتناول هنا موضوع شهادة المراءة وإن كنت تقصد غيره فأرجو التوضيح.

    بالنسبة لقضية (شهادة المراءة) من حيث أنها نصف شهادة الرجل، فأولاً وقبل البدء من المهم ملاحظة ان الشهادة تكليف وليس تشريف، والتخفيف فيها ليس بمنقصة فأحياناً تخفف عن الشخص مراعاة لظروفه او حتى تقديراً له او لمركزه، وعندما يعفى شخص من أداء الخدمة الوطنية مثلاً فإن هذت تخفيف عنه مراعاة لظروفه وبالتالي الحديث عن عدم مساواته بالاخرين لا يستوي عقلاً، وايضاً الحديث عن عدم مراعاة ظرفه او حالته وجعله يفعل ما يفعله الاخرون بعيداً عن اي اعتبارات هو كلام يخلو من المنطق والمراعاة.

    و بالعودة لموضوع الشهادة فإن ما تتحدثون عنه يسمى بـ “الاشهاد” وليس “الشهادة”، فالشهادة المتعارف عليها بيننا والتي التي تكون امام القضاء والمحاكم ليس للذكورة أو الأنوثة أي دخل بصدقها أو كذبها وقبولها أو رفضها، وإنما معيارها تحقق اطمئنان القاضي لصدق الشهادة بصرف النظر عن جنس الشاهد، ذكراً كان أو أنثى، وبصرف النظر عن عدد الشهود.

    وأما الذي تتحدث عنه الآية الكريمة التي تقصدونها فهو “الاشهاد” كما قلت والذي يقوم به صاحب الدين(الدائن). والاية واضحة جداً في القضية التي تتناولها. يقول تعالى:
    ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى…الآية) [البقرة : 282]

    ولاحظوا وضوح ان الاية تتحدث عن التداين (إذا تداينتم إلى أجل مسمى) والإشهاد اللازم فيه، وقد أشار الله تعالى في الآية إلى وجه ضعف المراءة في قضية الاشهاد هذه بقوله: أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى.

    وقد ثبت علمياً أن الذاكرة “طويلة الاجل” للمراءة أضعف من الرجل وبالتالي فهي اكثر عرضة للنسيان من الرجل. وأيضاً معروف ان المراءة تمر بتغيرات جسدية وفسيولوجية اكثر من الرجل تؤثر على ذاكرتها وحالتها النفسية كما هو معروف.

    وعموماً فإن الآية تتحدث عن الإشهاد المرتبط بقضايا مالية (تداين) وليس الشهادة التي نعرفها في المحكمة كما ذكر، وتحدد الاية سبب ضعف المراءة فيها والذي اثبته العلم لاحقاً بما ذكر عن اكتشاف الفرق في الذاكرة طويلة الاجل لدى المراءة والرجل.
    وأما كافة انواع الشهادة التي نعرفها في المحكمة فتقبل فيها شهادة المراءة مثلها مثل الرجل كما ذكر.

    ملحوظة: المراءة تفوق الرجل في قوة الذاكرة العرضية (episodic memory) والتي يذكرها البعض للرد على ما قلت بخصوص ما اثبته العلم بخصوص الذاكرة طويلة الاجل، ولكن هذه الذاكرة العرضية التي تتميز بها المراءة تهتم فقط بتذكر الاشياء ذات “الاهتمامات الشخصية” ولا علاقة لها بامور متعلقة بالاخرين مثل قضية التداين هذه او غيرها والتي تتعلق بالذاكرة طويلة الاجل المذكورة).

    —- قضية حقوق الاقليات غير المسلمة —

    النقطة الوحيدة المنطقية التي تطرحونها بالنسبة لدولنا ذات الاغلبية المسلمة هي حقوق الاقليات غير المسلمة، وبالطبع لا احد يقول بان كونهم اقليات يعني هضم حقوقهم ولكن في رأيي المتواضع بأن التشريع الاسلامي قد تعامل مع هذه القضية بعدل واقعي (عشرة خطوط تحت عبارة عدل واقعي هذه)، فمما لا شك فيه ان المفاهيم والاهداف ستتضارب دائماً بين الافراد او الجماعات وبالتالي فان القضية دائماً هي تحقيق اقصى درجات المساواة الواقعية التي تحقق العدل الذي يرعى حقوق الاقلية دون التأثير على قناعات ورأي الاغلبية، ولا يوجد اي نموذج فكري حل هذه المشكلة حلاً واقعياً كما فعل التشريع الاسلامي، وقد ادى تمادي بعض النظريات في حل مشكلة الاقليات بطرق غير واقعية الى انعكاس المشكلة وظهور ما يسمى اليوم بـ “دكتاتورية الاقليات” كما هو معلم.

    وأما موضوع “رئاسة غير المسلم” الذي تطرر كثيراً فهو موضوع يطول نقاشه ويمكنني نقاشه بتعليق منفصل اذا اتفقنا ان هذا فقط هو محور قضيتكم وأن بقية حقوق الاقليات مكفولة في التشريع الاسلامي.

    —- ملاحظة عامة —-

    المشكلة حتى الان هي اننا لا نعرف ما هي القضية او المشكلة بالضبط حتى نناقشها حيث انكم تطرحون مواضيع مختلفة وتخلطونها مع بعضها مما يرجعنا لما ذكره الاخ الطاهر من قبل عن ضرورة تأطير القضية، هل نتحدث عن مشكلة التخلف العلمي ام التخلف الاقتصادي ام التخلف البيئي ام مناهج ادارة المؤسسات ام تخلف منهج الحكم ام عدم المساواة بين المسلمين وغير المسلمين ام عدم المساواة بين الناس حسب اعراقهم أم … ماذا بالضبط؟!!!

    ولو نظرت لكافة القضايا اعلاه لوجدت انه لا علاقة بينها وبين العلمانية وتستدعي كل منها طريقة مختلفة للتفكير والحل (ويمكن فقط استثناء قضية رئاسة غير المسلم من حيث علاقتها بالعلمانية والتي لها ردها كما ذكر)، وعليه، قبل ان تحدثونا عن العلمانية ارجو ان تحددوا لنا ما هو أطار أو أطر قضيتكم مما ذكر اعلاه او غيره.

    —- ما الذي يريد ان يصل اليه كاتب هذا التعليق —-

    كما ذكرت من قبل فانا لا أدعي انني أملك كافة الحلول لكل مشاكلنا لأنني اعرف قدري جيداً وأنا اجهل وأضعف من ان أدعي هذا الادعاء، ووالله لولا قناعتي بخطورة هذه القضية لما علقت من الاساس ولاكتفيت بالقراءة فقط ومحاولة الاستفادة. ولا اعتقد شخصياً انه يمكن ان يكون هناك شخص واحد او فكر واحد يملك حلاً واحداً سحرياً لكل مشاكلنا.

    وبالتالي ما أناقشه الان هو كيفية التفكير لايجاد الحلول وما هو المنهج الذي يجب ان نسلكه في تفكيرنا للحل والذي سنحاول فيه الاستفادة من افكار وتجارب الاخرين بالطبع، وهل فصل الدين عن اي شئ يمثل فعلاً حلاً حتى نأخذه كمنهج لايجاد الحل، وهل كان الدين فعلاً جزءاً من مشكلتنا حتى نطالب بفصله عن اي شئ؟

    وأنا شخصياً ضد فصل الدين عن الدولة، ولكنني مع فصل الدين عن العمل السياسي للجماعات السياسية، بمعنى…

    مع العلم بأنني أرى أن ثوابت ديننا لا تنفصل عن اي جانب من حياتنا والدولة بالتاكيد مؤثر كبير في حياتنا وبالتالي القول بأن فصل الدين عن الدولة لن يؤثر على الحياة هو قول جدلي فقط يناقض المنطق والواقع.

    ومع العلم بأنني أرى أيضاً أن حقوق الاخرين بما فيها حرية اعتناق الاديان هي مكفولة في التشريع الاسلامي للاخرين ولهم كافة الحقوق والواجبات مثلنا.

    فإن قناعتي ايضاً هي انه لا يحق لأحد استخدام الدين لكسب سياسي، بمعنى انني ضد ان يأتيني الترابي او عمر البشير او اي جماعة سياسية لتخبرني ان باب الدخول الى الجنة هي في انتخابهم او ان رفعة الاسلام هي في اتباعهم او ما شابه ذلك من اساليب، وعلى كل جماعة سياسية ان تأتي ببرامجها العلمية والعملية التي يضعها اعضاؤها من مسلمين وغير مسلمين دون المتاجرة بشعارات دينية وللناس بعدها حق الاختيار.

    و كما أن ثوابت الدين ليست مسألة إختيارية فإنها ايضاً ليست مربوطة بأحد دون الاخرين حتى يتاجر بها.

    هذا باختصار ما أراه اخوتي الاعزاء احمد ابراهيم والطاهر والاخ الكاتب المحترم، وبالتأكيد قد اكون مخطئاً فيه كله او في بعضه ولكن عموماً هذه حجتي فيما أرى ولمن اراد تخطيئها ان يأتينا بمنطقه دون تجهيل للاخرين او إدعاء فوقية انفيها عن نفسي ولا اقبل لأحد ان يمارسها علي او على غيري.

    وتقبلوا جميعاً مودتي واحترامي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..