زبد

زبد
دارت الفصول و توالت العهود .. و تساقطت الأنظمة …
و أفلت أنجم بعد توهج ثم هوت كالشهب
محترقة …
كأنها لم تكن !!!؟…
و الوطن ظهر عارٍ أثخنته الجراح !!؟…
حدث ذلك خلال حقبة زمنية قصيرة …… شهدها “حكيم” و شارك في صنع بعضها في غياب (عطا و روضة)
* * *
ها هو “حكيم” يلتقي ب “عطا” و “روضة” بعد إنقطاع دام طويلاً …..
الوقت كان أصيلاً ، المكان كان مألوفاً …
فقط الزمن جعد الوجوه وقارب بين خطوط الجباه .. و أشعل الرؤوس شيباً وصحر بقاعاً من فروتي رأسي ( حكيم و عطا ) !! و حشد ركاماً من الذكريات و التجارب
الطيبة و المريرة معاً !!؟….
و إختزن بين الجوانح آملاً عارضاً و أمنيات أخرى مهيضة و ضمد في ذات الوقت جروحاً غويرة !!؟….
أفسح “عطا” طريقاً الى موضع شجرة الليمون الأثيرة لديهما !!؟؟…
أجال “حكيم” بصره بين أرجاء المكان ، ثم إقتعد كرسياً منسوجاً من خيوط البلاستيك … أدرك ذلك عبر الملامسة …
همس ( ما أعجب هذا البلد ، دورات التغيير .. تدفع بعجلته الى الوراء !؟؟…)
إنتزع “حكيم” نفسه إنتزاعاً من بؤرة الذكريات ، منتبهاً على صوت “روضة” وهي تلقي عليه التحية و قد وضعت طاقم الشاي على الطاولة المستديرة التي تتوسط مجموعة الكراسي المحيطة بها …
– هذا زمان القطيعة ، كل هذا الوقت ، و لا أراكما !!؟…
– قطيعة مفتعلة …
تداخل “عطا” مؤكداً
– من إفتعلها !!؟…0
“حكيم”متسائلاً
كأن السؤال يعنيهاً همست “روضة”
– الزمن أم نحن !!؟ …
ظل سؤالها معلقاً …
شرعت في صب الشاي ، بينما يد “حكيم” تلامس كوب الماء ليروي ظمأه لكنها إرتدت خائبة
– أين الماء المثلوج ؟؟..
– ألا تعلم أن الكهرباء هذه الأيام لا تزورنا إلا لماماً !!؟…
تستكمل “روضة” معزوفة النواقص
– و بائع الحليب ، إنقطعت رجله عن دارنا تماماً منذ عدة شهور !!…
– أإلى هذا الحد تقطعت بنا السبل
كأن “عطا” يخرج من قوقعته
– هذه ليست بكائية على زهارة الماضي بل إتكاءه على ضفافه …
– الأمر سيان …
علائم الأسى تتبدى على قسمات “روضة”
– هذه الوقائع إفراز حتمي لموقف جمعي من مجريات الأحداث الجسام حولنا
– إذن … ربما رفض سلبي
يعتدل “حكيم” في جلسته
– الخطأ ليس في الصورة ، إنما في الإطار الذي يحكم أطرافها !!؟…
يحاول “عطا” كسر الدائرة المغلقة التي أحاطت بهم …
-( من غيرنا يعطي لهذا الشعب معني أن يعيش و ينتصر !!؟…)
” حكيم” ساخراً
– يبدو أن هناك ( غيرنا) سوف يعطي لهذا الشعب معنى أن يعيش و ينتصر
“روضة” يائسة
– أخشى أن ينتهي هذا العقد والذي يليه دون أن نشهد إنتصاراً ؟؟!…
عقب ذلك تساءلت
– كيف ننتصر و نحن نحاصر أنفسنا و نتبادل الهزائم تحت مظلة إدمان الفشل ..
مأمناً على رأيها …
يجترح “حكيم” مساراً يفضي الى ذات
النقطة المبتغاة …
– ينبغي أولاً أن نتحرر من وصمة الإنحاء
، الهاماب خلقت للإرتفاع و السموق و مطاولة الثريا …
“عطا” محزوناً
– العناء اليومي ، عبء “المعيشة” يثقل كواهل الرجال و يطأطئ أعناقهم صوب الثرى !!؟…
يتناهى إليهما صوت “روضة” يدعوهما لتناول وجبة العشاء ، فينهضان يجران أقدامهما جراً الى الداخل …
* * *
تلقى الشارع “حكيماً” كطائر جريح ، تستدرجه الأمكنة الخفية
و تلاحقه عيون الأمن
لم يجد مناصاً
سوى أن يلوذ بالعراء !!…
يلتمس الأونس بين تضاريس الطبيعة
بعيداً عن الإنس و أذيال الحاكمين …
العراء جنبه البطش و أفقده الرفقة …
العزلة وحش كاسر !!!؟؟….
أحالته الى شاخص بلا حول و لا طول
( أكل هذا الضعف ، كامن في ذات تدعي النضال و الصمود !!؟… أهو حصيلة ركام السنيين ، ظل كامنا كمون النار في العود !!؟….)
لحظة المواجهة مع النفس كانت قاسية
ينعكس خياله على صفحة مرآة مشروخة
جسداً عارياً مزقته سياط الجلاد !!؟…
( في البدء و المنتهى ما جدوى الوقوف في وجه المدفع دون صدى !!؟… أهو الندم على إنقضاء أزهر فترات العمر عبثاً
و الوطن لا زال يتراجع بلا وجيع !!…)
* * *
عبر منعطف الطريق المؤدية الى منزله ..
لملم أسماء ضعفه !!؟….
حاول عبثاً أن يخفي بها جراحه النازفة
قبل أن يدلف الى مسكنه أطلق ما كابر في إحتباسه طويلاً ( كلنا شركاء في إرتكاب الخطيئة التي نتبرأ منها و نتنصل من أوزارها … لقد توزع دمها علينا
جميعاً …ليس ثمة شخص بعينه ، بل كلنا مذنبون !!؟ )
* * *
هناك في البعيد ينطوي “عطا” على نفسه
معزولاً في مكان موحش !!؟..
يستعدي نوازع الغضب للإنفجار في وجه هذا الكابوس الجاثم على صدره و الذي يضرب حوله حصاراً نفسياً يلجمه …
و يحجبه عن بؤر الضياء و مساقط الإشراق !!؟…
كانت الأشجار حوله تساقط أوراقها الجافة متكسرة في تراكم و الطيور ترحل بعيداً هرباً من حزام الجفاف الذي طوق خاصرة المكان و كتم أنفاسه !!؟…
ثمة طائر ظل رابضاً على فرع أكثر الأشجار علواً ، يغالب الأنواء في جلد لا
يُضاهى !!؟…
الطائر و “عطا” صنوان …
ينافحان القهر والعجز و يصدان في إستماتة أشباح العتمة الآخذة في التكاثف حد العماء…
على حين غِرة تلبست “عطا” حالة من العنفوان ، أخذته أخذاً الى نقطة اللاعودة
فإنتقل في خطى ثابتة يشق أسجاف الظلمة صوب حافة الكون …
مجترحاً مساراً مختلفاً
لدهشته أفضى به الى شاطئ نهر النيل حيث غمرته موجة من نسيم عليل أثلجت صدره و عيناه تجوبان بين حقول الذرة و أشجار النخيل و بساتين الموالح و المانجو و الموز و كمائن حرق الطوب “اللبِن” ….
أقعى على “قيفة” الشاطئ
يرقب في هدأة الليل إندفاع الأمواج في رحيلها الأزلي صوب الشمال
الريح تخدد سطح الماء
عصفها يستدرج الأمواج
رويداً … رويداً
يُوقع جسد الماء
في فخ براثن الإندفاع الأهوج
حتى أرغت و أزبدت
أخذت تمور
تتقاطر
تزبد مجدداً تتكسر
يذهب زبدها جفاء
* * *
خرج “حكيم” من بين التضاريس
مغسولاً بالمطر الوشيل
محمولاً على أجنحة الغمام
مفتوناً بالإشراق …
بينما ينبجس “عطا” من أغوار النيل
مسربلاً بزيد الأمواج
ضالعاً في فعل الإجتراح !!؟…
* * *
إلتقى الإثنان عند مداخل المدينة
تحت جنح الليل
خلع “عطا” سرابيل الزبد
أسقط “حكيم” نعش الهزائم
بينما أذيال الليل
تُطوى …
ترحل …
و غبش الفجر يضئ مواطئ أقدامهما
و خطاهما تتسارع صوب قلب المدينة …
تتنازعهما ثنائية الشك و اليقين !!؟…

فيصل مصطفى
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..