يا للطغاة وطغمة الفاسدة..!ا

الرأي24

يا للطغاة وطغمة الفاسدة..!!

المتوكل محمد موسي

قال السيد محمد الغريانى الأمين العام لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي الذى كان يترأسه الرئيس السابق زين العابدين بن على فى تونس.. قال إنه هو وأعضاء الحزب الذى كان يحكم تونس بيدٍ من حديد.. كانوا ضحايا أيضاً مثلهم مثل سائر التونسيين .. وقد سبق الأمين العام آخرون تقدموا باستقالاتهم من الحزب المنبوذ اليوم الذى كان فى حدقات أعينهم قبل هذا اليوم .. استقالوا بعد أن ضمنوا كراسيهم فى الوزارة الجديدة فى الحكومة الانتقالية، وقبلها ضمنوا ألا يطالهم الحساب.. وكيف يطالهم الحساب وهم فى سدة السلطة بعد أن كانوا هم مضللى الرئيس بن علي.
معلوم أن حزب التجمع الدستوري كان هو الذي يتحكم فى مفاصل الحكم، وهو الذى كان الرئيس بن علي يسترشد بآرائه وتقاريره.. ومعلوم أن أي أمين عام هو أكثر الممسكين، بعد الرئيس، بخيوط الحزب يوجهه كيف يشاء .. فكيف يعلن اليوم تنصله عن تبعات ما حاق بتونس جراء حكم حزب كان هو أمينه العام؟! وكذا الحال مع رفاقه الذين قدموا استقالاتهم .. لماذا لم يقدموها قبل أن تستعر نيران الانتفاضة الشعبية؟
وكعادة أي ديكتاتور.. وفى الأيام الأولى لاندلاع انتفاضة سيدى بوزيد التى أشعل فتيل أوارها الشاب محمد البوعزيزى، عمد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي إلى لصق تهمة العمالة والارتزاق بجماهير الشعب التونسى قائلاً: «إنهم مجرد عصابات ملثمة تريد تهديد استقرار تونس وترويع المواطنين».. لتخرج أبواق النظام التونسى تتوعد الجماهير الساخطة بالويل والثبور وعظائم الأمور.. وهى تتهمهم بالعمالة والارتزاق والارتهان لجهات أجنبية خارجية تستهدف خيرات دولة تونس وتتربص به خدمةً لأهداف القوى الإمبريالية والصهيونية.. هكذا أطلق الرئيس البائد زين العابدين بن علي وطغمته البائدة .. التبريرات والأكاذيب لإثناء الشعب التونسى واستدرار عطفه حتى يكف عن التظاهر والمطالبة برحيله .. لقد عميت بصيرة الرئيس المخلوع عما ظل يعانى منه شعبه، وجلس فى برج عاجى يعيش فى نرجسية سياسية، تاركاً دفة الأمور فى البلاد لزوجته سليلة أسرة الطرابلسي، السيدة ليلى، لتدير البلاد على طريقة «هوانم جاردن سيتى» هى وأهلها.. يعيثون الفساد وينهبون أموال الشعب التونسى والسيد الرئيس لا يحرك ساكناً.
وبعد أن أيقن أن الشعب التونسى هذه المرة قد بلغ ذروة الغضب، وأن ثورة غضبه تتفجر مثل البراكين، وأن لا شيء سيثنيه عن المضى قُدماً فى إطاحته .. قرر أن يجرب معه أسلوب الاستجداء الأبوى قائلاً لهم: «لقد فهمتكم خلاص .. فهمت إنتو عايزين إيه» مواصلاً استعطافه: «أنا ضللونى» .. لا يعقل أن يحكم فرد ما ثلاثة وعشرين عاماً ثم يتوقع أن تركيزه بوصفه رئيساً للبلاد سيستمر.. حتى ولو كان حسن النية ويرغب فى خدمة شعبه لن يستطيع، وهى المشكلة التى لا يريد أن يعترف بها بعض الرؤساء، وحتى بعض أفراد الشعوب .. أن المرء مهما كانت درجة قوته عندما يبلغ من العمر عتياً يفقد التركيز وتبدأ أفكاره فى التوهان .. وتختلط عليه الأمور.. فالرئيس من الممكن أن يكون وطنياً متجرداً نظيف اليد فى مستهل عهد حكمه.. ولكن البقاء الطويل فى سدة الحكم يجعل بؤر الفساد الصغيرة تستفحل وتنمو حتى تخرج عن سيطرته وهو الرئيس، ليبدأ فى غض الطرف عن ممارساتها ظناً منه أنها تملك نواصيه الضعيفة، ولذا يُفضل ألا يُضيق عليها حتى لا تنتقم منه، مثل أن تدس له السم فى أكله.. أو يسدد له أحد حراسه رصاصة فى رأسه، أو يتآمرون عليه بوضع أحد رجالاته فى موقعه.. مثل هذه الأمور تجعل الرئيس يفضل أن يترك حبل الغارب لبطانته، طالما الشعب بعيد ولا يفهم ما يدور، ويمكن خداعه عبر نظرية المؤامرة الخارجية والاستهداف الصهيونى والإمبريالى، إلى آخر مصطلحات خداع الشعوب في قاموس الطغم الفاسدة.
ولذا يظل الشرفاء والمحبون لأوطانهم ينادون بدستور دائم يحدد أسس ونظم ولوائح للتداول السلمى للسلطة، وجعل مدة حكم الرئيس لا تتجاوز بأية حال من الأحوال فترتين رئاسيتين عن طريق الانتخابات الحرة النزيهة والمباشرة .. فالرئيس بشر تُبطره السلطة المطلقة والمال.. فما أن يصل أحدهم إلى سدة السلطة حتى يرى أنه فريد عصره، فالجميع يُقدسونه ويجلونه ويخدمونه، ويقدمون إليه فروض الطاعة والاحترام، ويزينون له سوء أعماله.. حتى يشعر بأنه بشر غير هذا البشر المخلوق من الطين، وتكبر المسألة فى عقله.. ثم يصر على أن يبقى عمره كله فى السلطة.
صحيح أن الثورات تتخذ صفة المجد، ولكنها أيضاً تخصم كثيراً من رصيد الشعوب فى التنمية وإهدار الوقت وإزهاق الأرواح وتبديد الزمن.. فالشعب التونسى ورغم نبل ثورته الشعبية وقدسيتها .. مازال أمامه طريق طويل لدك حصون الاستكبار.. إذ لم تزل هناك القوانين والنظم التى فُصلت على مقياس بن على وزمرته سائدة فى البلاد، ولا زال الذين كانوا يحكمون معه موجودين فى سدة الحكم، فها هو محمد الغنوشي الوزير الأول يسعى لتكوين حكومة يترأسها هو بأمر من رئيس مجلس النواب البائد.. فزين العابدين لم يكن يحكم البلاد وحده، فقد كان هؤلاء أذرعه وأياديه الباطشة، وربما ارتكبوا جرائم واختلسوا الأموال بموجب التفويض الذى منحه لهم الرئيس .. وعلى الشعب التونسى كنس هؤلاء جميعاً حتى يضمن نظافة ثوب ثورته من دنس طغمة حكمٍ ظل يربض فوق صدره ردحاً من الزمان.
وننصح الإخوة فى تونس بأن يتواصل نضالهم حتى يحققوا استقراراً دائماً لبلادهم.. وأن تستمر ثورتهم حتى يتواثقوا جميعاً على دستور دائم لبلادهم يُنظم حياتهم السياسية، ويقطع الطريق أمام اللصوص والساسة الانتهازيين وفهلوتهم.. وعليهم أن يقرأوا تاريخ الانتفاضات الشعبية ليقفوا على مآلاتها وأسباب إجهاضها.. ولهم عبرة فى انتفاضتى السودان عام 1964م وعام1985م اللتين بذل فيهما الشعب السودانى الغالى والرخيص.. وفى آخر الأمر ذهبت كل جهوده أدارج الرياح، وعادت الحكومات الدكتاتورية تجثم على صدره.. فإذا كانت كل هبة شعبية ضد الدكتاتورية وحكم الفرد تُجهض لتأتي طغمةٌ أخرى تقتل وتنهب ثروات البلاد وتفقر الشعب وتُشرده.. فما الجدوى إذاً من الانتفاضات وإزهاق الأرواح وإتلاف الممتلكات وإيقاف دولاب العمل بالبلاد وإهدار الوقت؟.. فلنترك إذاً كل حكومة دكتاتورية تبقى حتى يتعلم الشعب كيف يحمي ثوراته من الانتهازيين واللصوص .. إذاً فليفطن الإخوة التوانسة لشراك الدورة السياسية الخبيثة، وليعملوا ما فى وسعهم من أجل تعزيز فرص السلام والاستقرار عبر المصادقة على دستور دائم يؤطر ما اتفقوا عليه.

الصحافة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..