محمود المحبوب

يلقاك دائما مبتسما يداعبك ويقول:
– “ما فيها ميتة”
تدخل يدك في جيبك و تناوله قرشا، فيطير فرحاً؛ كأنما حاز الدنيا بحذافيرها، ويصيح بأعلى صوته :
– “أنا شين، أنا كعب، أنا كاكا”، وينطلق كالريح مسرورا.
كان يعملُ حَجـَّاراً(يدق الحجر و يقوم بصيانته) في طاحون القرية، وكانت كل زينته في هذه الفانية “عراقي دمورية تحسبه خيشة”. دمورية معفرة بالطحين، وسروال قصير كأنه “مخلاية علوق” .
وجهه ليس مدوراً ولا مستطيلاً ، كثير النتواءات. شعره مجعد ” مفلفل”، ومفرق في شكل عقد صغيرة، كثقوب المنخل. عيناه ضيقتان صغيرتان محمرتان، لا ترى لهما رموشا. حاجباه متعرجان أملسان ، وأذناه صغيرتان لهما قدرة فائقة على إلتقاط الصوت ولو كان همسا.
كان كثير المزاح خاصة مع النساء، فإن قابل إحداهن في الطريق، وكانت فتاة، داعبها وقال :
– ” إتي بعرسوك متين، البنات كلهن عرسوهن، ما فضلت إلا إتي (أنتِ) آآآ البايرة”؛ فتضحك وتقول له:
– ” أنا ما دايره لي عرس، لكن إتـَّا (أنتَ)، خلاص كبرتَ وعجزتَ، و لِسَّه ما عرستَ”
يضحك محمود ضحكته المميزة ويصيح :
– ” هها هها هها .. قالت أنا عجزّت، والله حكاية ، أنا شين، أنا كعب، أنا كاكا”.
كان صديقا للمعلمات بمدارس القرية، وكن يجدن في مزاحه متعة وسلوى، خاصة اللائي فاتهن قطارُ الزواج، فكان يمازحهن ويقول:
– ” إتي يالسمحة بتعرسيني”؟ ؛ فتضحك وتقول:
_ ” هو أنا لاقية زيك وين”؛ فينبسط ويصيح كما يصيح الزين ” حظك يا محمود، بت عبد اللطيف قالت بتعرسك، أنا شين، أنا كعب، أنا كاكا”.
كان يحسب لآخر الشهر ويعد له عداً، وقد اعتادت المعلمات تخصيص مبلغ له نهاية كل شهر.
وكان مهتما بنقل أخبار القرية؛ فتسمعه يصيح، أن فلاناً عاد من السفر بعد طول غياب، (وفلانة خطبوها لفلان) ، البارح الحرامي سرق بقر حاج عبد الله ، وقالوا صرف المزارعين يوم الخميس، وناس أُمْحُمَّد ود حاج أحمد رحلوا في بيتهم الجديد.
وفي المساء، عندما يكون رائق المزاج، يأتيك صوته الغريد تحمله نسمات الصيف الباردة؛ فيطربك ويشجيك :” أحرموني ولا تحرموني سنة الإسلام السلام”؛ فيدهشك جمال صوته وعذب أغانيه خاصة أغاني الحقيبة التي يحفظها عن ظهر قلب.
وكان يسقي الناس من ماء النيل إن أصاب وابور القرية عطل ، فتراه حاملاً صفيحتي “الجوز” على كتفه فيرويهم. وكان أكثر الناس حفظا للسانه عندما يهل شهر رمضان، فلا تسمع له صوتا ، فيترك المزاح، ويصوم بكل جوارحه ، وكان يصوم قبل الناس بيوم .
وذات صباح لم يسمع الناس صوت محمود ، فانزعجوا، لم يمض وقت طويل ، وعلا صوت القرية بالبكاء والصراخ والنحيب وقد بلغهم خبر موته ، وقد صدمته سيارة رعناء كانت تسير بسرعة كالسهم فأردته قتيلا، وحرمت الناس من رجل محبوب كان يرسم الإبتسامة على شفاه الناس بمزاحه وعذب حديثه وجمال صوته، وأفل نجم كان يُعـَدُّ رمزاً من رموز القرية الخالدين.
إسحاق بله الأمين
[email][email protected][/email]




تصدق يا استاذ اسحاق ،،في قريتنا طيب بنفس هذه التفاصيل….
لقد خيل لي انك تعنيه…
يلقاك هاشا باشا،،ملئيا غبطة وانشراح،،ان كنت زائرا سالك عن اسمك،،فيردد ،اسحق اخوي في الله،،ان عدت بعد عشرين عاما ذكرك باسمك وسلم عليك باشواق صادقة وغبطة عظيمة….
لم يؤذي احدا ابدا،حدث حاج محد نور قال،،في يوم وجدني غاضبا فالهبت ظهره بسوط،،فما زاد عن قول،،زعلتك في شنو انا؟ قال حاج محمد نور ،،والله لقد ظللت ليلتي تلك تطاردني مخلوقات غريبة،محموما مهلوسا حتي الصباح…
يا يااسحاق لو رايته ابان الفرح والطرب،وسط الدارة كانه صاحب العرس،،مملوء غبطا ونضار،لا تمل اصابعه عن الفرقعة ولا التبشير،،ولا في الاتراح حاملا الاباريق،،متواصلا مع الزائرين..
اتدري يا اسحق،،لقد دهم قطار محمود اول الثمانينات فمضي لربه الرحيم،تاركا ذكري،،ووردا للمحبة،،وشوقا للوصال مع الاخرين.
كتر خير يا إسحق
محمود كان شخصية مشهورة جدا فى فداسى الحليماب
وألأخ اسحق أجاد فى وصف شخصيته
ولا غرو فى ذلك لمن يتمتع بحاسة الأدب مثله
لكن تمنيت لو ذكرت حادثته عندما قبض عليه بوليس ود مدنى
فى عهد الرئيس الراحل جعفر النميرى
والسبب أن محمود أطلق لسانه
ضد الحكومة بالفاظ على طريقته الساخرة
فما كان من بوليس مدنى الا أن يعتقله
لكنه ما لبث أن أطلق سراحه عندما إكتشف أن لسانه ساخر حتى من نفسه
رحم الله محمود
ما أحوجنا هذه الأيام … حتى لمثله